شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
المعلّق الرياضي الفلسطيني هشام معمّر لرصيف22:

المعلّق الرياضي الفلسطيني هشام معمّر لرصيف22: "أريد أن يدخل صوتي كلّ بيتٍ عربي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 11 ديسمبر 202102:11 م

الحياة في مكانٍ محاصَرٍ، مثل قطاع غزة، ليست بالأمر السهل، فالقيود كثيرة، والفرص المتاحة قليلة. فكيف إن كنّا نتحدث عن العمل في مجال التعليق الرياضي، في مكانٍ يعاني من ظروفٍ تقيّد حرية الرياضيين، وتنقّلهم، وقلة المقومات والموارد التشغيلية للألعاب الرياضية على اختلافها؟

على الرغم من ذلك كله، خرجت موهبة شابة من بين كل صعوبات الاحتلال والحصار والحروب، لينطلق هشام معمر (23 عاماً)، كواحدٍ من أصغر المعلّقين الرياضيين في أكبر الملاعب الكروية في الشرق الأوسط. سطَّر حكايته من طفلٍ صغيرٍ حالمٍ يعيش بالقرب من مستوطنة إسرائيلية، إلى أول معلِّقٍ فلسطينيٍ يعلّق في الدوري المصري الممتاز لكرة القدم.

تحدي التعليق

كان هشام يعيش مع عائلته في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وقبل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، عام 2005، كان مجمّع مستوطنات غوش قطيف، بالقرب من منزلهم، وكانوا يتقيّدون في الحركة واللعب في الخارج. أحضر والده له ولأشقائه جهاز "بلايستيشن"، ما دفع هشام وشقيقه الأكبر للدخول في تحدٍّ للتعليق على المباريات، بدلاً من معلّق اللعبة.

سطَّر هشام معمّر حكايته من طفلٍ صغيرٍ حالمٍ يعيش بالقرب من مستوطنة إسرائيلية، إلى أول معلِّقٍ فلسطينيٍ يعلّق في الدوري المصري الممتاز لكرة القدم.

يقول الشاب الذي درس الإعلام والاتصال الجماهيري في جامعة الأزهر في غزة، لرصيف22: "قرّر شقيقي ضياء أن يعطيني شيكلاً واحداً، عن كل مباراة أعلّق عليها، حتى يحفّزني. هذا التحدّي ولّد في داخلي فكرة التعليق، واقتحمت هذا العالم، وأصبح لديّ شغف لمشاهدة كل المعلّقين، والبحث أكثر عنهم، على الرغم من أنني كطفلٍ، كان من المفترض ربما أن يكون شغفي عالم الكرتون، والأغاني، والألعاب".

هذا التحدي جعل من هشام طفلاً جريئاً ومتحمساً، ثم أتت بعدها تجربته الأولى في التعليق الكروي، أمام جمهورٍ مدرسيٍّ، على نهائي دوري المدرسة لكرة القدم، في مدرسة خان يونس الإعدادية للذكور، بعد أن منحه مدير المدرسة حينها الميكروفون ليعلّق، لإيمانه بموهبته، وحبّه هو الآخر للرياضة، وكرة القدم.

هذه الخطوة جعلته معروفاً للتلاميذ في مدينة خان يونس، ما دفع والدته للاتصال ببرنامجٍ صباحيٍّ يُبث عبر إذاعة "فرسان الإرادة" المحلية، في غزة، لتخبرهم بموهبة ابنها، فاستضافوه في البرنامج الصباحي، ووجدوا عنده موهبةً في التعليق الكروي، فمنحوه فرصة التعليق على نهائي كأس العالم عام 2010، بين المنتخبين الإسباني والهولندي عبر الإذاعة، ومن هنا بدأ المختصون في المجال الرياضي يعرفونه.

وعندما كان في سن الرابعة عشر، عام 2012، انطلقت إذاعة "ألوان" الرياضية، وهي أول إذاعةٍ متخصصةٍ في قطاع غزة، وانضم إليها ليكون أصغر معلِّق عربي في إذاعة رسمية. "أصبحت طالباً في الصباح، وفي المساء معلِّقاً رياضياً، وفي إحدى المرات صادفت أحد معلمي المدرسة ضمن جماهير أحد الأندية"، يقول، ومضيف أنه عمل بإمكانات بسيطة جداً، اقتصرت على وضع طاولةٍ صغيرةٍ تسند الميكروفون الذي يستخدمه للتعليق.

"كنت أتلقّى تعليقاتٍ تحفيزيةً في المدرسة، وحينها كنت أعلّق على دوري غزة للدرجة الممتازة. وبعد عامين، انضممت إلى مؤسسة أمواج الرياضية، وعلّقت معهم على بطولة كأس التحدي الآسيوي عام 2014، وكنت أعلّق عبر الإذاعة بالصوت، وحينها حققت فلسطين اللقب، وتأهلت للمرة الأولى إلى كأس أمم آسيا عام 2015".

"ذات مرة، هطلت علينا الأمطار، ولم نجد ما يحمينا، ونحن مستمرون في العمل، ولم تكن لدينا حتى كابينة خاصة بنا. المعلّق الرياضي في غزّة، ليس كأمثاله من المعلّقين في العالم، فهو غير قادر على مشاهدة منتخب فلسطين، والتعليق على مبارياته، وهو أمر محزن من دون شك"

التعليق المحلي بأقلّ الإمكانات

تعيش الرياضة الفلسطينية تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي، المسيطر على جميع المنافذ البرية في فلسطين، إذ لا يمتلك رياضيو غزّة، حرية الانتقال إلى الضفة الغربية، للمشاركة في بطولاتٍ محلية، بسبب الحواجز والقيود الإسرائيلية. كذلك فإن الاقتصاد المحلي في غزّة ضعيف، وغير داعمٍ للأندية، عبر الرعايات على سبيل المثال.

من جهةٍ أخرى، يحصل العاملون في قطاع الإعلام الرياضي على أجورٍ متدنّية، ولا يستطيعون الانتقال والعمل في الضفة الغربية، في وسائل إعلامية تمنح مردوداً مالياً أفضل نسبياً.

ولا يتجاوز عدد المعلِّقين الرياضيين في غزة الثمانية، ويعلّقون على مباريات كرات القدم والطائرة والسلّة، إما عبر مؤسسة أمواج الرياضية التي تعمل بإمكانات بسيطة، للبث الأرضي المرئي والإذاعي، أو إذاعات أخرى غير متخصصة، ضمن الفقرات الرياضية، أو من خلال تغطية المباريات المحلية المهمة، ويعتمدون على تطوير أدائهم، من خلال متابعة مكثّفة لأبرز المعلّقين العرب على البطولات العربية والدولية.

ويصف معمّر، بعض المواقف الصعبة التي يتعرّض لها المعلّقون الرياضيون في غزة، قائلاً: "ذات مرة، هطلت علينا الأمطار، ولم نجد ما يحمينا، ونحن مستمرون في العمل، ولم تكن لدينا حتى كابينة خاصة بنا"، ويضيف أن "المعلّق الرياضي في غزّة، ليس كأمثاله من المعلّقين في العالم، فهو غير قادر على مشاهدة منتخب فلسطين، والتعليق على مبارياته، وهو أمر محزن من دون شك".

إنجازات محلية وعربية

حصل هشام معمّر على تقديرات عدة، منها التتويج كأفضل موهبة فلسطينية عام 2012، وأفضل معلّق فلسطيني على مدار ثلاثة أعوام متتالية، بدءاً من العام 2017، باستفتاءات على صحيفة الأيام الفلسطينية، وموقع دنيا الوطن، وكذلك استفتاء أمواج الرياضي، لأفضل الرياضيين والمتخصصين في الرياضة في فلسطين.

ويشير إلى أن أفضل موسم كروي بالنسبة إليه كمعلّق، كان عام 2014-2015، الذي تُوِّج فيه فريق اتحاد الشجاعية بلقب دوري قطاع غزّة الممتاز، بعد أن واجه لاعبوه مجزرةً إسرائيليةً في صيف 2014، وخرجوا من تحت الأنقاض أبطالاً لدوري كرة القدم، وكان أصغر مدير إذاعات مؤسسات إعلامية، عندما أدار إذاعة أمواج الرياضية، عام 2018.

حصل هشام معمّر على تقديرات عدة، وفاز هذا العام بالمركز الثاني في مسابقة قنوات "أون تايم سبورت" المصرية.

من جهةٍ أخرى، كانت أولى محطات معمّر في التعليق على الشاشات العربية، عبر قناة الدوري، على بطولة رمضانية تجمع نجوم كرة قدم عالميين وعرب، واستطاع تحقيق مكانة جيدة بين المعلّقين العرب، وانطلق في المسابقات العربية للتعليق الكروي، فشارك في مسابقة "معلّق الجماهير"، عبر قناة الشروق الجزائرية عام 2017، وحصل على المركز الأفضل بين ستة معلّقين، وإشادة كبيرة من الجماهير الجزائرية لكونه أضاف اللون الفلسطيني إلى التعليق في بلاد المغرب العربي، كما شارك في مسابقة "المعلّق صوت المباراة"، عبر قناة الدوري والكأس القطرية عام 2018، وفاز بالمسابقة من بين خمسة فائزين على المستوى العربي، من أصل 1،300 مشارك.

يقول معمّر: "كمعلّق كروي، أدركت تماماً أن الانفتاح على التعليق العربي يجعل من المعلّق واجهةً إعلاميةً رياضيةً، ومصدراً للمعلومة، وناقلاً لها، بأسلوبٍ أقرب إلى المطرب، في دمج المؤثرات الصوتية والحسية في كل لقطة وحدث في الملعب. التعليق الرياضي في العالم العربي أصبح مجالاً متطوراً جداً، ولا بدّ للمعلّق من أن يكون ملمّاً بقواعد المهنة، وأيضاً بمعلوماتٍ كثيرة، وثقافة واسعة، ما شكّل تحدياً كبيراً بالنسبة إليّ، وما جعلني أتّخذ قراراً منذ بداية مسيرتي المهنية، بالعمل على تطوير نفسي بشكلٍ مستمر".

معلّق على الدوري المصري

يتابع هشام معمّر، الدوري المصري الممتاز منذ طفولته، وهو من أكثر الدوريات التي يشاهدها الغزّيون منذ سنواتٍ طويلة، وشارك في مسابقة "أنت المعلّق"، عبر قنوات "أون تايم سبورت"، هذا العام، وحصل في المرحلة الأولى من التعليق المباشر على إشادةٍ من لجنة التحكيم بدرجة كاملة 10/10، وتلقّى إشادةً كبيرةً من الجماهير المصرية في الإطلالة الأولى له في المسابقة التي تضمّ أهم المعلّقين العرب.

ومع كونه العربي الوحيد من جنسيةٍ غير مصرية الذي يصل إلى المرحلة النهائية من هذه المسابقة، حصل على المركز الثاني فيها، وتالياً على فرصة العمل مع شبكة القنوات المذكورة، منذ تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، فانتقل للإقامة في مصر منذ ذلك التاريخ.

يجب أن نستعيد قيمة المعلّق الفلسطيني، والرياضة الفلسطينية. مساعينا لتناسي الهموم، وإظهار حبّنا للحياة والرياضة والتحدي، هو أفضل ما يمكن أن نقوم به، فكُرة القدم أجمل لغةٍ تعرفها الشعوب، وأريد من خلالها دخول كلّ بيت عربي، كصوتٍ فلسطيني مميّز يرسخ في أذهان الناس

ويُعدّ الدوري المصري لكرة القدم، الأقدم في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، ويعلّق معمّر على هذا التحوّل الكبير في مسيرته المهنية بالقول: "كان فوزي بالمركز الثاني في البطولة، حدثاً فارقاً قادني إلى الأمام، بعد أن حصلت أكثر من مرة على العلامة الكاملة في التقييم من لجنة الحكّام، وعدّني كثيرون من المصريين إضافةً على هذه المهنة، كوني أعلّق بالعربية الفصحى، وهو شيء غير مألوف في الدوري المصري"، يقول هشام.

"طوّرت أدائي في التعليق، من خلال التركيز على الاستماع الجيّد إلى من سبقوني في الخبرة، ولديهم القدر الكافي من المعرفة، وتطوير الصوت باستمرار"، يشرح معمّر، ويضيف: "الركيزة الثانية في تطوير الأداء، كانت من خلال القراءة الجيّدة لكل ما له صلة بالتعليق الرياضي، والثقافة الرياضية".

يقتدي معمّر بالمعلّق الفلسطيني الراحل، أكرم صالح، الذي يُعدّ من أبرز المعلّقين في تاريخ التعليق العربي، على الفضائيات التي كانت تعرض مباريات كأس العالم، وغيرها من البطولات والدوريات العالمية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. يُعدّ أكرم صالح أسطورةً في التعليق، وهو قدوة المعلّق الإماراتي علي سعيد الكعبي، ويشيد به معلقون عرب عديدون، مثل عصام الشوالي، ورؤوف خليف، وحسن مستكاوي.

ويضيف معمّر: "أريد أن أستعيد مجد المعلّق أكرم صالح. يجب أن ندرس تاريخنا جيداً، ونتمسّك به، لاستعادة قيمة المعلّق الفلسطيني، والرياضة الفلسطينية، وتحدياتها. مساعينا لتناسي الهموم، وإظهار حبّنا للحياة والرياضة والتحدي، هو أفضل ما يمكن أن نقوم به، فكُرة القدم أجمل لغةٍ تعرفها الشعوب، وأريد من خلالها دخول كلّ بيت عربي، كصوتٍ فلسطيني مميّز يرسخ في أذهان الناس".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image