أثارت قرارات لجنة القيد بنقابة الصحافيين المصريين غضباً واسعاً، لدى تسريبها مساء الأربعاء، 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري. إذا انتهت اللجنة إلى قبول قيد 304 صحفي، وتأجيل ورفض 240 آخرين، يعملون جميعاً بالصحافة منذ سنوات. وزاد من الغضب، إصرار اللجنة على عدم الإفصاح عن معايير القبول والرفض.
فور إعلان النتائج، سادت حالة من القلق بين الصحافيين ظهرت في المجموعات الخاصة بهم على فيسبوك وواتس آب. وتوجه بعضهم إلى النقابة للسؤال عن معايير اللجنة التي أدت إلى استبعادهم. لكن رئيس اللجنة، الكاتب الصحفي خالد ميري رئيس تحرير صحيفة الأخبار (حكومية)، كانت ردوده تدور حول أن "لجنة القيد سيدة قرارها"، ولا يجوز لأحد الاعتراض، وطلب من الرافضين التقدم بتظلمات ضد القرار.
علم رصيف22 أنه قبل الإعلان عن انعقاد لجنة القيد، جرى التواصل بين اللجنة ورؤساء تحرير بعض الصحف، كي تلتزم بإرسال قائمة خاصة تحوي عشرة فقط من كل جريدة، يتم قبولهم بغض النظر عن الأرشيف والخبرة والتخصص
"لا منطق" قانوني
بحسب القانون 96 لسنة 1996 وتعديلاته اللاحقة، تختص نقابة الصحفيين المصرية بمنح تراخيص مزاولة المهنة للعاملين بالصحافة من أصحاب الجنسية المصرية. ويعتبر كل من يمارس المهنة من دون ترخيص المزاولة المتمثل في إثبات عضوية نقابة الصحافيين "كارنيه النقابة" معرضاً للمساءلة القانونية بتهمة "انتحال صفة صحفي".
ويحدد القانون شروط الانضمام للنقابة في: الحصول على مؤهل جامعي، وتلقي تدريب على المهنة في إحدة الصحف السيارة، والتقدم إلى النقابة خلال ثلاثة أشهر من بدء مزاولة المهنة بأرشيف يثبت العمل والنشر، مشفوعاً بعقد عمل موقع مع صحيفة أو مجلة معتمدة، شريطة ألا يعمل المتقدم بأي مهنة أخرى، وألا يكون مالكاً أو مساهماص في صحيفة تصدر في مصر. وهي الشروط التي تلتزم لجنة القيد قانوناً بقبول كل من يطبقها.
هذه الإجراءات تجعل من التحاق الصحافيين المصريين بالنقابة عملية معقدة، قد ينتظرون من أجلها سنوات طويلة، بسبب رفض معظم المؤسسات توقيع عقود عمل مع الصحافيين، ما يضعهم تحت التهديد القانوني للاعتقال بتهمة "انتحال الصفة الصحفية"، خاصة في حال نشر تقارير أو تحقيقات قد تغضب السلطات.
صحافية لم تقبل اللجنة قيدها: "اتمسح بكرامتي بلاط صاحبة الجلالة، بين صحف عملت بها من دون أجر، وأخرى لا يوفر راتبي منها ثمن مواصلاتي. قبلت بذلك علني أصل في وقتٍ ما لحلمي بأن أحمل كارنيه نقابة الصحافيين"
رحلة من العذاب
واحدة من الصحافيات اللاتي لم يحظين بقبول لجنة القيد، وصفت قرار استبعادها بأنه "استكمال لرحلة العذاب". تقول الصحافية التي رفضت ذكر اسمها حتى لا تتهدد فرصها المستقبلية في الالتحاق بالنقابة: "بدأت العمل الصحفي منذ أن تخرجت في كلية الإعلام عام 2009، اتمسح بكرامتي بلاط صاحبة الجلالة بين صحف عملت بها دون أجر، مقابل أن يكتب اسمي على المادة الصحفية التي كتبتها، والتي كانت تنشر في الجريدة بانتظام. وبعد سنوات من العمل المجاني قرروا الاستغناء عن كل العاملين وإغلاق باب الجريدة في وجهي وزملائي. توجهت بعدها لصحيفة أخرى وكان راتبي لا يوفر لي حتى ثمن مواصلاتي. قبلت بكل تلك الشروط علني أصل في وقتٍ ما لحلمي بأن أحمل كارنيه نقابة الصحافيين. لكن يبدو أن هناك حسابات أخرى أكبر مني، لا تعتد بستة ملفات جمعت فيها نماذج من أرشيفي الصحفي الذي أطلعت عليه اللجنة".
وعلم رصيف22 أنه قبل الإعلان عن انعقاد لجنة القيد، جرى التواصل بين اللجنة ورؤساء تحرير بعض الصحف (غير القومية) كي تلتزم تلك الصحف بإرسال قائمة خاصة إلى جانب قائمة المتقدمين، على أن تحوي تلك القائمة الخاصة أسماء عشرة فقط من كل جريدة، سيتم قبولهم بغض النظر عن الأرشيف والخبرة والتخصص، ما فرض على كشوف المقبولين أغلبية من "المَرضِي عنهم" بحسب تعبير صحافيين تحدثوا إلى رصيف22.
الكفاءة خارج المعايير
قانون النقابة رقم 76 لسنة 70، أقر في المادة 13 منه أن على لجنة القيد أن تصدر قرارها في طلبات القيد المقدمة إليها خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم طلب القيد من الصحافي. وأنه إذا قررت اللجنة الرفض؛ فعليها إرسال خطاب بعلم الوصول إلى طالب القيد، تبلغه فيه بأسباب الرفض.
إلا أن الصحافي محمود السقا الذي قررت لجنة القيد رفض طلب قيده لم يتسلم هذا الإخطار، ولا يعرف حتى الآن أسباب الرفض. ما فتح باباً للتكهن بأن رفضه يأتي على خلفية مواقفه السياسية، وأبرزها اعتصامه في نقابة الصحافيين في 2016، احتجاجاً على تنازل مصر عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية. وهو الاعتصام الذي تذرعت به وزارة الداخلية المصرية لاقتحام نقابة الصحافيين بالمخالفة للقانون، بدعوى القبض على مطلوبين.
الصحافي محمود السقا الذي قررت اللجنة رفض طلب قيده، لم يتسلم إخطاراً، ولا يعرف حتى الآن أسباب الرفض. ما فتح باباً للتكهن بأن رفضه يأتي على خلفية مواقفه السياسية القديمة
وقتذاك تأسست بالتوازي "جبهة تصحيح المسار" من صحافيين مؤيدين لقرار الدولة، ورافضين أن يقوم صحافيون أو مواطنون باللجوء إلى نقابة الصحافيين للتعبير عن رفضهم قرارات تصدرها السلطات. ممن حضروا الاجتماع التأسيسي لتلك الجبهة، الكاتب الصحافي خالد ميري رئيس لجنة القيد.
لكن هناك حالات أخرى لا يبدو فيها أن للقرار خلفيات سياسية، مثل حالة صحافي – تحفظ على ذكر اسمه حفاظاً على مستقبله المهني- يعمل في المهنة منذ 10 سنوات وحصل على جوائز محلية ودولية في الصحافة الاستقصائية، ووضعته لجنة القيد ضمن المؤجلين.
كتب الصحافي على صفحته في فيسبوك متسائلاً عن المعايير التي طبقتها اللجنة، إذ تنطبق عليه – وفق المعلومات التي كتبها- كافة المعايير القانونية. كما تساءل "ما المطلوب مني في المرة القادمة عندما أقف أمام اللجنة حتى يتم قبولي؟".
السؤال عن المعايير كرره الكاتب الصحافي محمود كامل العضو المنتخب في مجلس نقابة الصحافيين. إذ كتب على صفحته في فيسبوك أنه سأل أعضاء اللجنة عن معاييرهم التي حددوا بموجبها المقبولين والمؤجلين والمرفوضين، وأبدى غضبه من النتيجة قائلاً: "انتظرت إعلان لجنة القيد نتيجة اللجنة الأخيرة، للإعلان عما دار خلال اجتماع المجلس أمس".
وأشار إلى أن رئيس لجنة القيد خالد ميري رفض إطلاع مجلس نقابة الصحافيين في اجتماعه، مساء الثلاثاء، على قائمة الأسماء "بحجة أن القانون واللائحة لا يسمحان للمجلس بمناقشته في نتيجة القيد". وأكد كامل صحة هذه المعلومة معقباً "إلا أن المصلحة العامة للنقابة كانت تستدعي استشارته لأعضاء المجلس ومن قبلهم النقيب، للإطلاع على ملاحظاتهم بما يضمن خروج النتيجة بصورة تليق باسم النقابة، وحتى لا يتعرض أي زميل من المتقدمين للظلم".
وأكد كامل أنه طلب من رئيس لجنة القيد إخطار المجلس بالمعايير التي استندت إليها لجنته لاختيار الزملاء المقبولين والمؤجلين، والمتقدمين المرفوضين، "إلا أنه قابل الطلب بالرفض، وقال إن المعايير شأن داخلي للجنة القيد وليس من حق المجلس معرفتها. وهو الأمر المستغرب لأن الشفافية تقتضي إعلام المجلس ومن قبله الجمعية العمومية بمعايير التقييم والترجيح التي استندت إليها اللجنة في اختياراتها".
ورأى عضو المجلس أن النتيجة تشي بأنه لم تكن هناك معايير محددة يمكن التعرف عليها، وأضاف: "لم تطبق حتى المعايير التي كان رئيس لجنة القيد قد أعلنها لنا في [اجتماع] مجلس سابق، والتي تتضمن ترجيح خريجي كليات وأقسام الإعلام، وترجيح المتقدم الأكبر سناً في حالة تساوي تقييم الأرشيف الصحافي بين المتقدمين. بل إن عدداً من المتقدمين لم تطلع اللجنة على أرشيفهم بشكل دقيق خلال انعقادها على مرأى من الجميع".
وطالب كامل كل من يرى أنه تعرض للظلم أن يتقدم بتظلم للنقابة وفقاً للإجراءات التي وضعها القانون.
ولا ينص قانون النقابة على استقلالية لجنة القيد في أي من مواده، إلا أن لائحة نقابة الصحافيين التي أنتجها أحد المجالس هي التي نصت على أن "تصدر قرارات لجنة القيد بقبول العضوية بالإجماع، فإذا لم يتوفر الإجماع تؤجل لجنة القيد الحالية وتعرض النتيجة على مجلس النقابة لإبداء الرأي فيها، وتلتزم اللجنة بقرار المجلس. وعلى اللجنة فور صدور قرارتها أن تبلغ النقيب على الفور".
تجاهل الطعون
قال الصحافي ريمون فرنسيس إنه تقدم بعدد من الطعون أمام لجنة القيد، منها اثنان ضد النائبين محمود بدر ومارسيل سمير المتقدمين للقيد (جرى قبولهما) لأسباب عديدة، أبرزها أنهما لم يمارسا العمل الصحافي منذ ثلاث سنوات على الأقل، وأنهما يمتهنان مهنة غير الصحافة ويتقاضيان راتباً عليها لكونهما عضوين في البرلمان، وهذا مخالف لشروط القيد وفقاً لقانون النقابة.
"تهرب من تنفيذ القانون"
كارم يحيي المرشح السابق لموقع نقيب الصحافيين كشف في حديثه لرصيف22 مخالفة أخرى للقانون، هي تعمد أعضاء مجلس النقابة التغيب عن اجتماعات "لجنة القيد الاستئنافية" التي يلجأ إليها الصحافيون في حال الإصرار على عدم إدراجهم في قوائم النقابة.
يُذكر أن لجنة القيد الاستئنافية تعنى بالنظر في التظلمات التي يتقدم بها الصحافيون المرفوضون والمؤجلون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغهم رسمياً بالقرار. وتتشكل اللجنة الاستئنافية من مستشار تختاره الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف، وأحد رؤساء النيابة العامة، ورئيس هيئة الاستعلامات (هو نفسه نقيب الصحافيين في الوقت الحالي) وعضوين من مجلس نقابة الصحافيين. يعلق يحيى: "في أغلب الأحيان لا يذهب ممثلو النقابة لحضور الجلسات، ضاربين بعرض الحائط الحاجة الملحة لمئات الصحافيين للحماية النقابية وحقهم في الحصول على عضوية النقابة".
وسعى رصيف22 إلى الحصول على رد من أعضاء لجنة القيد الثلاثة، ولم يجب أي منهم على هاتفه. وتعلل حسين الزناتي عبر واتساب بعدم قدرته على الرد على التلفون ولا على الأسئلة المرسلة عبر التطبيق نفسه. وقال رئيس اللجنة خالد ميري في رسالة عبر واتساب أنه منشغل في اجتماعات حتى وقت متأخر وعاودنا الاتصال به قبل نشر التقرير، لكنه لم يرد. وأغلق العضو الثالث محمد يحيى هاتفه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...