منذ أعلنت صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" التابعة للخارجية الإسرائيلية يوم الخميس 29 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن المكتبة الوطنية الإسرائيلية ستتيح أرشيف صحيفة الأهرام المصرية للأكاديميين والباحثين الإسرائيليين، ثارت موجة من الغضب بين الصحافيين والكتاب المصريين الذين اعتبر كثير منهم الإعلان الإسرائيلي "سطواً" على التراث المصري، مطالبين مؤسسة الأهرام و"نقابة الصحفيين المصريين" بالتحرك الفوري لمقاضاة المكتبة الوطنية الإسرائيلية، ومنعها عن استخدام وإتاحة أرشيف الأهرام لمواطنيها تحت شعارات مختلفة، منها الحفاظ على الأمن القومي المصري.
لكن من بين الأصوات الكثيرة الغاضبة، برزت أصوات تطرح سؤالين مهمين، أولهما كيف انتهى أرشيف الأهرام إلى الأيادي الإسرائيلية؟ والثاني؛ أين يتاح أرشيف الأهرام وغيرها من المؤسسات وجهات البحث والتوثيق المصرية للمصريين؟
أرشيف الأهرام
تأسست صحيفة الأهرام المصرية في العام 1875، وظلت تصدر بانتظام، أسبوعياً ثم يومياً، منذ ذلك التاريخ. وتعد الأهرام في ذاتها أهم أرشيف يومي متواصل للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية المصرية والعربية منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر وحتى اليوم. وهي للباحثين والصحافيين المصريين، كنز وسجل للحياة في مصر المعاصرة.
مع هذا، كانت الأهرام أول صحيفة مصرية "تدخل عصر الإنترنت" إذ دشنت الأهرام موقعها على الشبكة الدولية في عام 1992، ليصبح موقعها وموقع المجلس الأعلى للجامعات هما أول موقعي إنترنت رسميان في مصر. وكانت الأهرام تتيح نسختها اليومية في شكل صور للصفحات إلا أن الحال تغيَّرمع إطلاق صحيفة الشرق الأوسط (سعودية التمويل) الصادرة في لندن عام 1995، التي غيرت من شكل الصحافة الإلكترونية العربية وأرست قواعدها المبكرة، بحسب كتاب "الصحافة الإلكترونية" للباحثة الإعلامية د. سوزان القليني.
تنبهت الأهرام إلى تميز أرشيفها الذي ظل عقوداً طويلة قبلة للباحثين المصريين والأجانب، وأتاحت الوصول إليه عبر مواقعها المتعددة على الإنترنت وعبر مكتبتها الورقية الكائنة بمبنى المؤسسة في وسط القاهرة، إلى أن قرر رئيس مجلس إدارتها الأسبق (رئيس مجلس إدارة المصري اليوم حالياً) عبدالمنعم سعيد إزالة ارشيف الأهرام عن الإنترنت، وإتاحته فقط عبر شراء الصور والأقراص المدمجة من مقر الأهرام بالقاهرة، ليفقد المصريون فرصة الاطلاع على هذا الأرشيف رقمياً، ويصبح حق الاطلاع عليه متاحاً فقط للقادرين على الوصول إلى مقر الأهرام بالعاصمة، ودفع التكاليف الباهظة المطلوبة للاطلاع والتصوير.
تنبهت الأهرام إلى تميز أرشيفها الذي ظل عقوداً طويلة قبلة للباحثين، وأتاحت الوصول إليه إلى أن قرر رئيس مجلس إدارتها الأسبق عبدالمنعم سعيد إزالة ارشيف الأهرام عن الإنترنت، وإتاحته فقط عبر شراء الصور والأقراص المدمجة من مقر الأهرام بالقاهرة
صورةٌ ناقصة
صورة ضوئية لشعار الأهرام من عددها الأول الصادر في 15 اغسطس/ آب 1875- مكتبة الأسكندرية
في تعليق جانبي، أوضح القائمون على إسرائيل تتكلم بالعربية، أن الأرشيف الرقمي لجريدة الأهرام، متاح فقط ضمن قاعدة البيانات الخاصة بالمكتبة، وبشكل خاص للباحثين والطلاب في إسرائيل، وأضافوا "نأسف على سوء التفاهم بهذا الخصوص".
لم تذكُر إسرائيل تتكلم بالعربية مصدر حصولها على أرشيف جريدة الأهرام.
إلا أن الصور المرفقة في منشور الصفحة للإعلان عن إتاحة الأرشيف، كان بينها صورة من أرشيف الأهرام علها شعار شركة Eastview إيست فيو.
بالبحث، وجدنا أنها شركة مقرها الولايات المتحدة، تقدم خدمات البحث والدراسات، وإتاحة الوثائق المصنفة والمفهرسة للباحثين والكتاب. ومن بين خدماتها، توفر إيست فيو أراشيفاً رقمية لأكثر من 1500 صحيفة، تنتمي إلى أكثر من 80 دولة حول العالم، معظمها من دول الشرقين الأوسط والأدنى إلى جانب عدد من كبريات الجامعات والمؤسسات البحثية الأوروبية، التي تتيح أراشيفها لغير مواطنيها مقابل اشتراكات.
وتقدم إيست فيو خدماتها "بمقابل" للمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الحكومية والشركات والمكتبات العامة وغيرها، ما يعني أن المكتبة الوطنية الإسرائيلية، واحدة من ضمن جهات عدة تتلقى خدمات الشركة، التي تتيح من مصر أرشيف الأهرام وأرشيف صحيفة الجمهورية التي نشأت لتكون لسن حال حركة ضباط 1952.
وطورت إيست فيو – بحسب تعريفها على موقعها- تقنيات جديدة لعرض الأرشيف بجودة عالية، وبقدرات بحث وتنقيب متطورة للغاية، تناسب البحث العلمي.
تقدم إيست فيو خدماتها "بمقابل" للمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الحكومية والشركات والمكتبات العامة وغيرها، ما يعني أن المكتبة الوطنية الإسرائيلية، واحدة من ضمن جهات عدة تتلقى خدمات الشركة
لا تقدّم الشركة خدماتها للأشخاص فقط والمؤسسات الأكاديمية والبحثية والمكتبات فقط، بل للدول أيضاً، إذ تعود جذور East View إلى إتاحة المنشورات العسكرية السوفيتية التي رفعت عنها السرية منذ عام 1989.
ومنذ ذلك الوقت، نجحت شركة East View في خدمة الدول والباحثين والمحللين في جميع أنحاء العالم "في سعيهم لفهم السياسات العسكرية والأمنية في كل المجتمعات، حتى التي لا يمكن اختراقها".
كيف وصل أرشيف الأهرام إلى إسرائيل؟
في 4 نوفمبر/ تشرين الأول 2019، أعلنت East view حصولها بشكل رسمي على أرشيف الأهرام في بيان حمل عنوان "رسمياً... أرشيف جريدة الأهرام متاح على الإنترنت".
قالت كينت دي لي، الرئيس والمدير التنفيذي للشركة "تفخر إيست فيو بتقديم تراث الأهرام الهائل للتاريخ والنشر المصري الحديث، مع أكثر من 600 ألف صفحة، لتكون متاحة من خلال أرشيف الأهرام الرقمي على منصة إيست فيو جلوبال أركايف".
وأضافت: "أرشيف الأهرام الرقمي[...] نتيجة لمبادرة تاريخية لمكتبات جامعة ستانفورد، ومكتبة وأرشيف معهد هوفر للحفاظ على الآلاف من منشورات الصحف المطبوعة الأصلية وإتاحتها بشكل أكبر".
البيان الذي لا يزال مضمونه متاحاً على الصفحة المخصصة لبدء تصفح أرشيف الأهرام في إيست فيو، يطرح أن المصدر الذي اعتمدت عليه الشركة في الحصول على نسخ صحيفة الأهرام، هو أرشيف جامعة ستانفورد الأمريكية.
لكن المحرر الثقافي محمود كامل، الصحافي بمؤسسة أخبار اليوم وعضو مجلس نقابة الصحفيين، أحد أوائل من انتبهوا إلى منشور صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، نشر يوم الجمعة 29 أكتوبر/ تشرين الأول نتيجة تحريه عن وصول الأرشيف إلى المكتبة الإسرائيلية، وقال إنه علم من مصادره داخل مؤسسة الأهرام أن مسؤولاً سابقاً يدعي عمر سامي، عينته الدولة عقب إطاحة ممدوح الولي- رئيس مجلس إدارة الأهرام المعين في عهد جماعة الإخوان المسلمين-، قام خلال توليه مهام القائم بأعمال رئيس مجلس الإدارة (2013- 2014) ببيع أرشيف الأهرام إلى إيست فيو، مقابل مبلغ 185 الف دولاراً. وأن تلك الأموال لم تدخل إلى خزينة الأهرام حتى الآن.
لكن كامل قال أيضاً في المنشور نفسه، إن التحقيقات التي قامت بها مؤسسة الأهرام كشفت كذلك أن توقيع العقد تم من طرف واحد وأن ممثل الشركة الأمريكية لم يوقع عليه. ما قد يشكك في إتمام الصفقة.
وتمتلك إيست فيو أرشيف الأهرام الممتد من 1875 إلى 2019، ما يشير إلى أنها اشترت أرشيف الأهرام حتى 2019، لا 2014 فقط (فترة ولاية عمر سامي) .
البيان الذي لا يزال مضمونه متاحاً علًى الصفحة المخصصة لبدء تصفح أرشيف الأهرام في إيست فيو، يطرح أن المصدر الذي اعتمدت عليه الشركة في الحصول على نسخ صحيفة الأهرام، هو أرشيف جامعة ستانفورد الأمريكية
الأرشيف لمن؟
في سبتمبر/أيلول 2020، عقدت الهيئة الوطنية للصحافة ومؤسسة الأهرام اتفاقاً مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بشأن إتاحة المحتوى الثقافي والإعلامي والصحفي لمؤسسة الأهرام على منصة تراث مصر الرقمي.
يهدف الاتفاق إلى إتاحة جميع أعداد الأهرام وإصداراته منذ نشأته مفهرسة ومبوبة، باستخدام تكنولوجيات التعرف الضوئي للحروف (OCR) وعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي. وكانت الأهرام قد نجحت في رقمنة معظن أرشيفها بالفعل قبل العام 2010 وأتاحته للباحثين والجهات الأكاديمية والمكتبات مقابل اشتراكات، قبل أن يصدر قرار عبد المنعم سعيد بإتاحة الأرشيف فقط عبر منافذ الأهرام.
وقال عبد المحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، إن الاتفاق مع وزارة الاتصالات المصرية، يعد "باكورة للتعاون المشترك" و"خطوة أولية تتبعها خطوات مهمة في طريق الرقمنة وتحقيق التحول التكنولوجي".
نصّ الاتفاق على أن مدة العمل به 3 سنوات؛ "وفق شروط، والأخذ بالاعتبار ملكية مؤسسة الأهرام وحدها لهذا المحتوى، وإلتزام الوزارة باتخاذ كل ما يلزم لتأمينه".
القوانين نفسها لا تعده استيلاء، إذا قامت المؤسسة المالكة للمحتوى (الأهرام) ببيع حقوق استغلال محتواها إلى مؤسسات أخرى بمقابل مادي. والعبرة بشروط العقد
رصيف22، حاول التواصل هاتفياً مع الكاتب الصحفي، عبدالمحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة الأهرام ونقيب الصحافيين السابق، لمعرفة موقف الأهرام الرسمي من إتاحة أرشيفها عبر المكتبة الوطنية الإسرائيلية، وما يتردد حول "الاستيلاء" على الارشيف من دون علم المؤسسة، ومن دون تقاضيها المستحقات المتفق عليها من شركة إيست فيو. إلا أنه لم يستجب للرد على الهاتف أو الرسائل.
من جانبه، قال المحامي أيمن محفوظ، إن القوانين المحلية والدولية تحمي حقوق ملكية الأهرام لأرشيفها من استغلاله تجارياً، وتضع عقوبات جنائية وتعويضات للمؤلف وصاحب الملكية الفكرية، وفقاً للقانون رقم 82 لسنة 2002 ولائحته التنفيذية التي تحمي حقوق الملكية الفكرية في مصر.
وبالنسبة للاتفاقيات الدولية بخصوص الملكية الفكرية في القانون الدولي، قال محفوظ، إن القانون الدولي يضع عقوبات ويرتب للجهة مالكة الإنتاج الفكري الحق في التعويضات. منوهاً أنه سبق واستولت إسرائيل على مجموعة من الأفلام والمسلسلات والأغاني المصرية، مستغلة قرارات المقاطعة العربية في التعدي على حقوق المبدعين العرب.
إلا أن القوانين نفسها لا تعده استيلاء إذا قامت المؤسسة المالكة للمحتوى (الأهرام) ببيع حقوق استغلال محتواها إلى مؤسسات أخرى بمقابل مادي. والعبرة بشروط العقد، وإن كان يمنع الطرف الوسيط (إيست فيو) من إعادة بيع الأرشيف، أو من بيع حق الوصول إليه بشكل مطلق، أو منع الوصول إليه من أطراف محددة.
وعليه، ووفقاً لقوانين حماية الملكية الفكرية المصرية والدولية، إن كان العقد الذي بيعت به نسخة أرشيف الأهرام يعطي شركة إيست فيو حق إتاحة الأرشيف للجهات المتعاقدة معها، من دون تمييز سلبي ضد الجهات الإسرائيلية، فلا يمكن للأهرام أن تحتج بتجاوز حقوق الملكية الفكرية في هذه الحالة.
ما هي المكتبة الوطنية الإسرائيلية؟
تأسست المكتبة الوطنية لأوّل مرة عام 1892 في القدس، وأطلق عليها سابقا اسم دار الكتب الوطنيّ والجامعيّ. وكانت من أولى الخطوات التي اتخذها المستوطنون القادمون إلى فلسطين من أجل خلق هوية يهودية للأراضي العربية المحتلة.
تقدّم المكتبة خدمات للباحثين والطلاب في الجامعة العبرية ومراكز دراسة وجهات أكاديمية أخرى، إضافة إلى قراء مستقلين دخل دولة الاحتلال وخارجها.
بحسب تعريفها لنفسها؛ للمكتبة ثلاثة وظائف مركزية، هي المكتبة الوطنية – الرسمية لدولة إسرائيل، والمكتبة الوطنية للشعب اليهوديّ ومكتبة البحث العليا للجامعة العبرية في الدراسات اليهودية، ودراسات الشرق الأوسط والعلوم الإنسانية العامة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...