أثار تصريح لاعب كرة القدم محمد صلاح، نجم فريق نادي ليفربول الإنكليزي، واللاعب المهم في المنتخب المصري، في لقاءٍ له مع الإعلامي المصري عمرو أديب، بأنه لم يفكر في شرب الخمور، ولم تذهب إليها نفسه، ولا مزاجه، اعترض بعض مشجعيه داخل مصر، لعدم تصريحه بأنها حرام حسب الشريعة الإسلامية، ولأنه لم يتطرق إلى النصوص التي تحرّمها. لكن هذا ليس من اختصاصه، فالحوار المذكور كان مع لاعب كرة قدم، وليس مع شيخ الأزهر الشريف، الإمام أحمد الطيب.
يحاول صلاح إظهار تديّنه بشكله الصحيح، لا بالسيف أو التهديد، وإنما ينشره بالعلم والأخلاق الحسنة.
وقد تجاهل البعض حقيقة أن صلاح مصري مسلم، وظهر في برنامجٍ تلفزيونيٍ مصري، مخاطباً المصريين بلسانه العربي المصري، بأنه يرفض شرب الخمر في مدينته الغربية الحالية، ليفربول، لأنه يعلم، بما لا يدع مجالاً للشك، أن جميع العرب والمسلمين يعلمون أن شرب الخمر حرام في الشريعة الإسلامية، وهو لا يعنيه أن تصل تلك المعلومة إلى أتباع الديانات الأخرى، كونه لاعب كرة قدم عالمي، وليس من اختصاصه التحدث في الدين. تكمن مشكلتنا في كوننا نجعل من الجميع مشايخ، ونعطيهم حق التحدث في الأمور الدينية، مما شجع بعض الجهلة على ادّعاء أنهم دعاة للإسلام، على الرغم من أن الديانات الأخرى يحترمها أبناؤها، ويتركون التحدث في الشؤون الدينية للعلماء والباحثين فحسب.
فأبناء التيار السلفي لا يعرفون سوى ثقافة الهجوم والتصيّد، تبعاً لمبدأ التلقين الذي اعتادوه، إذ حفظوا مسبقاً الإجابة النموذجية "لأنها حرام"، على سؤال: لماذا لا تشرب الخمر؟ وأيّ شخصٍ سيحيد عن تلك الإجابة، منافق للغرب، ومجامل لهم، من وجهة نظر المتشدّقين بالدين ليل نهار. والغريب في الأمر، أن دار الإفتاء المصرية قد اتّخذت هي الأخرى موقفاً هجومياً تجاه صلاح، بسبب عدم ذكره آيات تحريم شرب الخمر، محاولةً هي الأخرى تحويله من لاعب كرة قدمٍ عالميٍ في نادي ليفربول، إلى عضوٍ في هيئة العلماء المسلمين، وقد وصل الأمر إلى مهاجمة حتى المدافعين عن موقف صلاح، من العامّة، والشيوخ الآخرين، أمثال الشيخ مبروك عطية الذي لا يرى حرجاً في تصريح صلاح، ما دفع البعض إلى اتّهامه بالنفاق والتضليل.
تكمن مشكلتنا في كوننا نجعل من الجميع مشايخ، ونعطيهم حق التحدث في الأمور الدينية، مما شجع بعض الجهلة على ادّعاء أنهم دعاة للإسلام، على الرغم من أن الديانات الأخرى يحترمها أبناؤها، ويتركون التحدث في الشؤون الدينية للعلماء والباحثين فحسب
من الجدير بالذكر، أن صلاح نشأ في قريةٍ ريفيةٍ مصريةٍ متحفّظة، يتم تعلّم أحكام الدين الإسلامي فيها منذ الصغر، فالطفل ذو الأربع سنوات يذهب إلى الكتّاب حتى يحفظ القرآن الكريم، قبل دخوله المدرسة، أو يبدأ بالتعليم النظامي، فينشأ الشاب على درجةٍ كافيةٍ من الوعي بالعقيدة، ليبتعد عن اقتراف المحرّمات، ليس بدافع الخوف من الله، ولكن تبعاً لغريزة "احترام الخالق"، وهذا يكفيه لشخصه.
ولا بد للمجتمعات العربية من أن تتعلم ثقافة الاختلاف، وعدم إكراه الأشخاص على ألا يسيروا وفق أهوائهم الشخصية، فكل شخصٍ لديه ظروف وأسباب مختلفة عن الآخر، فقد ذكر صلاح أنه لا يحب شرب الخمر فحسب، ولم يتطرق إلى الأمور الدينية المسلَّم بها عند المسلمين كلهم.
والنبي محمد نفسه، كما رُوي عنه، لم يحتكم إلى النصّ الديني، عندما جاءه شاب يستأذنه في الزنا، بل ما كان من الرسول ليصرفه عن هذه الجريمة، إلا أن قال له: "أتحبّه لأمك؟"، "أفتحبه لابنتك؟"... إلخ، من دون أدنى ذكرٍ منه لموقف الشرع من الزنا، وعقوبته!
والمثير أيضاً للدهشة، هو العداء الدائم من البعض لصلاح، كون نشأته كانت نشأة شخصٍ عصاميٍ "فلّاح"، كما يصفه البعض، على الرغم من أن ذلك لا يعيبه إطلاقاً. فصلاح شخص طموح قرّر تغيير الواقع الذي يعيش فيه، بأن يستمرّ في النجاح، ويثبت قدراته في المجال الذي يحبّه، وبالفعل استطاع تحقيق طموحه، وأصبح ينافس كبار الشخصيات في مجال كرة قدم على مستوى العالم، بالإضافة إلى أنه استطاع بسهولةٍ أن يكسب حب البريطانيين، واحترام العالم بأسره له، على الرغم من الاختلاف العرقي والطبقي والديني مع الكثيرين منهم. فمنذ بداية سطوع نجم صلاح، ونحن نلاحظ أنه يحاول إظهار محاسن دينيه، بأسلوبه الراقي المهذّب، وآخر موقفٍ له كان عندما سمح لزوجته المسلمة المحجبة، بأن تستلم هي جائزة الحذاء الذهبي بدلاً منه، أمام العالم كله، ليعرف العالم أن المرأة لها دور في الإسلام.
إن صلاح يحاول إظهار تديّنه بشكله الصحيح، لا بالسيف أو التهديد، وإنما ينشره بالعلم والأخلاق الحسنة، وذلك ما أمره الله سبحانه وتعالى بفعله، في الآية الكريمة "ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، سورة النحل الآية125.
فهو يقوم بتحسين صورة الإسلام، بعد قيام بعض التيارات الإرهابية بتشويهه، خاصةً عند الغرب والديانات الأخرى التي باتت ترى صورة الإسلام ملاصقةً للعمل الإرهابي والتطرّف. فهل تسبب مقتل 44 شخصاً في يومٍ واحدٍ، بسبب انفجار كنيستي طنطا والإسكندرية، في نشر الدين الإسلامي؟
صلاح شخص طموح قرّر تغيير الواقع الذي يعيش فيه، بأن يستمرّ في النجاح، ويثبت قدراته في المجال الذي يحبّه، بالإضافة إلى أنه استطاع بسهولةٍ أن يكسب حب البريطانيين، واحترام العالم بأسره له، على الرغم من الاختلاف العرقي والطبقي والديني مع الكثيرين منهم
ختاماً، ينبغي علينا قبل شنّ الهجوم والانتقادات ضد شخصيةٍ ما، أن ننظر بعين الإنصاف إليها، وأن نرصد بعض الأفعال الخيرية التي تقوم بها. في العام 2017، ذهبت بنفسي إلى قرية صلاح، لتغطية مباريات كأس العالم هناك، وتحدثت مع بعض أهالي القرية عنه، وقد أخبروني عن مدى حبهم له، وفخرهم به، فقد كلّف نفسه بتجهيز جميع أعراس الأيتام، وتكفّل ببعض الأسر السورية، وقام ببناء المعهد الديني، وغيرها من الأعمال التي لا يعلمها إلا الله. وكنت قد شاهدت في إحدى المرات، قدوم بعض الأشخاص من قرى ومدنٍ مختلفة طالبين مساعدته، وأحدهم كان آتياً من أسوان طالباً مساعدة صلاح، ليعالج ابنته. وكل شخصٍ من الحضور كان له طلب خاص، لكن صلاح لم يتخلَّ عن أيٍّ منهم، على الرغم من أنه ليس مطالباً بذلك. فهل التصرفات تلك لا تعكس تديّن صلاح، وأخلاقه الحسنة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...