التقى منتخبا الأردن وإيران في الجولة الثالثة والأخيرة من التصفيات المؤهلة إلى كأس آسيا للسيدات 2022، التي تستضيفها الهند.
المباراة الحاسمة انتهت بالتعادل، ليلعب المنتخبان "ركلات الجزاء الترجيحية" التي انتهت بنتيجة 4/2 لصالح المنتخب الإيراني، الذي أظهرت حارسة مرماه، زهرة قدي، براعةً شديدةً في التصدّي لركلتَي جزاء أردنيتين.
تشبهنا زهرة قدي في الظلم الواقع علينا بسبب مظهرنا.
خلال المباراة، وبعدها، قوبلت مهارة قدي بالتنمر والتشكيك في جنسها، فهي امرأة قوية البنية الجسدية، وملامحها جادّة، وأداؤها قوي، ومهارتها لافتة. لذا "ينبغي أن تكون رجلاً!". هكذا تفترض العقلية العربية الذكورية.
في أثناء ركلات الترجيح، أساء معلّق المباراة الأردني إلى قدي، حين قال عقب صدّها ركلة الترجيح الثانية: "والله ‘حارس‘ منتخب إيران ‘يخوّف‘ يا إخوان"، في محاولة واضحة وغير نزيهة لإيجاد مبرر لعدم قدرة لاعبات منتخب بلاده على التفوق عليها.
عقب المباراة، تداول الأمير علي بن الحسين، رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم، عبر حسابه في تويتر، شكوى رسمية قدّمها اتحاد بلاده إلى الاتحاد الآسيوي للعبة، لأجل التحقيق في "جنس" حارسة مرمى إيران، مذكّراً بأن اتحاد كرة القدم النسائية الإيراني، "لديه تاريخ في قضايا النوع الاجتماعي، وتعاطي المنشّطات".
لا أعلم أين كانت "أخلاق الأمراء" التي يتحدثون عنها، حين قرر الأمير علي أن يجاهر بتشكيكه في جنس قدي. ربما أتّفق أنا، ولا يختلف أحد على حقه في التثبت من أي شكوك لديه. لكن ما الداعي للكشف عن الشكوى، وتداولها من قبل شخصية معتبرة، وذات مصداقية، مثل شقيق العاهل الأردني؟ لِمَ لَم ينتظر رد الاتحاد الآسيوي لإعلان "المبرّر" لهزيمة منتخب بلاده، كما يحاول أن يدّعي، ويكون حينذاك لديه "دليل" و"حجة موضوعية"، وليس مجرد اتهام "مشين" له، وليس للّاعبة؟
قوبلت مهارة قدي بالتنمر والتشكيك في جنسها، فهي امرأة قوية البنية الجسدية، وملامحها جادّة، وأداؤها قوي، ومهارتها لافتة. لذا "ينبغي أن تكون رجلاً!". هكذا تفترض العقلية العربية الذكورية
أغلب الظن عندي أنه حاول فرض أمر واقع، على أي حال، وبغض النظر عن صحته، وأنه أراد أن يعزو هزيمة منتخبه إلى فساد الخصم، عوضاً عن أي أسباب حقيقية أخرى، مثل عدم اجتهاد فريقه، أو وجود مشكلات فنية في إدارته المباراة، أو ببساطة تفوّق المنتخب الإيراني، واستحقاقه الفوز والتأهّل!
كما هو متوقع، جاء رد الاتحاد الآسيوي بأن قدي أنثى. لم يعقّب الأمير الأردني أو يعتذر عمّا أثاره...
ما تعرضت له قدي، هو ببساطة انحطاط، وإساءة وتشهير وتنمر، بل وميسوجينية (كراهية للنساء) صارخة، ينبغي ألا تمرّ، والأكثر ألا تتكرر معها، أو مع أي امرأة أخرى. ولا أنكر أن جنسيتها لعبت دوراً في زيادة الظلم الواقع عليها، لكن هذا ليس مبرراً على الإطلاق.
عقليات رجعية وذكورية
مذ قرأت الادعاءات الأردنية التي فتحت الباب على مصراعيه لموجة من التعليقات المتعاطفة معها، وأيضاً الساخرة من شكلها، والمتنمرة على حركاتها ومظهرها، مرّت بذهني المرات العديدة التي تستنكر صديقات لي فيها ملابسي "الذكورية"، ومشيتي "غير الأنثوية"، وطريقتي في الكلام والتفكير والتصرّف، "التي لا تشبه النساء".
عادةً، كنت أستقبل هذه الانتقادات بضحكةٍ عالية، وأعدّها أحياناً ثناءً، من منطلق الأفكار المغلوطة التي تربّينا عليها، بأن وصف شيء/ شخص بأنه "رجولي"، يعني أنه "جادّ وحاسم". في الآونة الأخيرة، انتبهت إلى "الاستفزاز" الذي ينطوي عليه هذا الوصف، وأصبحت أوضح أنني هكذا، لأن هذا مريح ومناسب لي، وليس تشبهاً بالرجال، لأن الجدّية ليست مقتصرةً على الرجال، ولا الميوعة والدلال مقتصران على النساء.
فهناك امرأة جادّة، وامرأة ذات دلال، وهناك رجل جادّ، ورجل مرح. وهناك سيدة ضعيفة البنية، وأخرى قوية البنية، وبالمثل الرجال. حتى قصة الشعر القصير التي استغلها البعض لتغذية تشكيكهم في قدي، بعدما انكشف جانب من شعرها، خلال احتفالها مع رفيقاتها عقب المباراة، فقد بات موضةً بين النساء منذ عقود، بينما ما يزال الشعر الطويل رائجاً لدى بعض الرجال.
مذ قرأت الادعاءات الأردنية، مرّت بذهني المرات العديدة التي تستنكر صديقات لي فيها ملابسي "الذكورية"، ومشيتي "غير الأنثوية"، وطريقتي في الكلام والتفكير والتصرّف، "التي لا تشبه النساء"
ما حدث مع الحارسة الإيرانية، هو نتيجة لفرض العقليات الرجعية والذكورية شكلاً معيناً، ومعايير محددة للأنثى. ومن لا تنطبق عليها تلك المعايير النمطية، تكون "معيوبةً".
إذاً، ذنب قدي أنها خُلقت بملامح جادّة، وبنية جسدية فارعة وعريضة، وليس بجسدٍ نحيل وملامح ناعمة، كما يفترض الذكوريون في الأنثى المسموح لها بالعيش بينهم. المثير أنه حتى تلك الأنثى التي توافق معاييرهم، تُتّهم بالميوعة، وتتعرض للتحرش، ويحاولون إخفاء ملامحها... ليس مفهوماً ماذا يريدون أن تكون الأنثى.
وفي التعاطف مع اللاعبة، لجأ البعض إلى أوصاف هي في رأيي أيضاً غير ملائمة، وتزيد الطين بلّةً، مثل الإشارة إلى أن "صوتها أنثوي"، على الرغم من ملامح وجهها الصارمة، أو أنها "السيدة الأنيقة" الجميلة بـ"عفّتها"، أو بـ"إنجازها". هنا رضوخ لفكرة أن تكون الأنثى ناعمة الصوت، وأن "الجمال"، و"العفّة"، و"الإنجاز"، ضرورة لنظرة إيجابية تجاهها، وليس حقها الكامل في الكرامة والاحترام كإنسان فحسب.
في حقيقة الأمر، تشبهني قدي، وتشبه الكثيرات من النساء اللواتي لديهن تلك الملامح والبنية الفريدة، وتشبهنا في الظلم الواقع علينا بسبب مظهرنا، وجنسنا، وإن اختلفت طبيعته، وتشبهنا في حقنا المُصَادَر في اختيار ذواتنا، والعيش على طبيعتنا، من دون الانصياع إلى معايير الجمال الذكورية، ومن دون الانتباه إلى "المشية"، وحبكة الدلال فيها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...