شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"بمعاشك فيي جيب ثلاثة غيرك"... 75% من اللبنانيات يدفعن ثمن الانهيار الاقتصادي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 13 نوفمبر 202105:41 م
Read in English:

With your salary, I can hire three! 75% of women pay the price of Lebanon's collapse

تؤثّر الأزمة الاقتصادية سلباً في المواطنين والقاطنين في لبنان، وتُغيّر تدريجياً تفاصيل حياتهم. إذ باتت المساعي اليومية تتمحوّر حول الأزمة. وكما في كل أنحاء العالم، كثيراً ما تعاني الفئات المهمّشة في مثل هذه الأزمات. وهذا ما تبيّن خلال تفشي وباء كورونا.

اليوم، معاناة النساء من النواحي الاقتصادية، لأسباب قانونية واجتماعية وتنميطة، هي أكثر حدّة وخطورة من معاناة الرجال.

في مطلع الشهر الجاري، تم إطلاق تقريرين يعالجان ظروف النساء في لبنان من النواحي الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، بالتعاون بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. التقرير الأول حمل عنوان: "المرأة في لبنان: قدرتها على الاختيار ومكانتها من الفرص الاقتصادية وتراكم رأس المال البشري". والتقرير الثاني حمل عنوان:"تحليل الاتحاد الأوروبي القطاعي القائم على النوع الاجتماعي: مراجعة قطاعية معمّقة للحقوق النسوية والنسائية في لبنان". 

حين ارتفع سعر صرف الدولار، وبقى راتبي على حاله، وطالبت بتحسينه، جاء الرّد: "بمعاشك فيي جيب ثلاثة غيرك"

ورد في التقرير الأوّل أن "معظم النساء في لبنان عاطلات عن العمل، إذ تبلغ نسبة غير الناشطات اقتصادياً 75 في المئة، والبطالة بين النساء 25 في المئة. كما أن الأسر التي تعيلها نساء هي أكثر فقراً مقارنة بالأسر التي يعيلها رجال، وأقل مدخولاً واستهلاكاً للغذاء".

لدى إطلاق التقريرين، صرّح المدير الإقليمي لدائرة المشرق في مجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه، أن لبنان "يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى معالجة الثغرات في فرص النساء الاقتصادية". وأطلق دعوة للشركاء الدوليين إلى التكاتف في دعم الجهود الهادفة إلى تمكين النساء اللبنانيات وتفعيل دورهن في المجتمع.

الدور الرعائي ينادي المرأة

في شارع دلاّعة في مدينة صيدا، أنشأت رفيدة س. (45 عاماً) محلّها الخاص المعني ببيع مستلزمات المنزل والمكياج بأسعار مقبولة. تحكي رفيدة قصّتها لرصيف22: "استأجرت المحل في العام 2016 بـ 300 دولار أمريكي في الشهر الواحد، أي ما كان يعادل 450 ألف ليرة لبنانية. اليوم، هذا المبلغ نفسه، بحسب سعر صرف الدولار المتصاعد، صار يتجاوز ستّة ملايين ليرة. مع تفشي وباء كورونا أقفلت المحل وعجزت عن سداد بدل الإيجار. لكنّ أصحابه، بحكم الصداقة، طلبوا مني الحفاظ عليه وافتتاحه مجدّداً بعد انتهاء فترة الإقفال التام، وهذا ما فعلته".

حين عادت رفيدة إلى متجرها، الذي يحمل اسم "1$" كانت قيمة استيراد البضائع قد ارتفعت بشكل جنوني، والقدرة الشرائية عند الناس صارت شبه معدومة. تقول: "بضاعتي ملقاة على الرفوف منذ العام 2020، وبتّ على يقين أنّها ستبقى مكانها. فالمرأة التي أصبحت تستدين ربطة الخبز من الدكان لن تأتي وتبتاع مرآة صغيرة بـ15 ألف ليرة".

قبل ثلاثة أشهر، قرّرت رفيدة أن تقفل محلّها. وزّعت البضاعة على عائلتها بأسعار منخفضة، وعادت إلى منزلها لعدّة أسباب، أوّلها دورها الرعائي. تشرح: "لدي ابنة تبلغ من العمر 12 عاماً، أقوم بتربيتها وحدي بعد أن انفصلت عن والدها في صغرها. كان الأب يساهم أحياناً من الناحية المادية لكنّني حملت الثقل الأكبر لأن أوضاعي المادية كانت جيّدة بسبب عملي سنوات طويلة مدرّسة في المدارس وفي المنازل".

خلال فترة الحجر المنزلي، والتعلّم عن بعد كانت ابنة رفيدة تبقى في المنزل مع جدّتها خلال ساعات النهار، بينما تهتم العاملة المنزلية بإدارة شؤون المنزل. الأخيرة قرّرت العودة إلى بلدها بسبب شحّ الدولار، وعدم قدرة رفيدة على دفع تكاليف إقامتها وراتبها الشهري. تحكي رفيدة: "والدتي لم تكن تمانع المساهمة بتربية ابنتي ما دامت التفاصيل الأخرى يتم إنجازها، ابتداءً من إعداد الطعام وصولاً إلى التنظيف. لكن حين انهار البلد، واختفى الدولار عادت أمي إلى دورها في المنزل، وعُدت أنا تلقائياً إلى دوري كأم. وتمّ حصري به، خصوصاً أن عملي لم يعد يؤمّن لي أرباحاً مادية".

ترى رفيدة أن الأمور متّصلة بعضها ببعض، وأن حدثاً واحداً بإمكانه أن يغيّر كل الأحداث. فهي، بحسب تعبيرها، كانت تعيش أفضل سنوات حياتها قبل العام 2019. وتضيف: "كنت أماً وصاحبة عمل ناجحة. اليوم، خسرت عملي وعدت إلى أمومتي فقط وإلى عجز اقتصادي لم أختبره في كل سنوات حياتي".

تعيش رفيدة حالياً مع ابنتها ووالدتها في منزل العائلة، وهي عاطلة عن العمل وتتلقّى مصروفها من شقيقها الذي يعيش في الخارج ويرسل 400 دولار شهرياً لهن خلال فترة الانهيار. تقول رفيدة، وهي خرّيجة كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، إنها ستبحث عن وظائف في الخارج، وترحل هي وابنتها بأسرع وقت ممكن عن هذه البلاد.

 "الفروق بين الجنسين بدت واضحة أمامي قبل تنفيذ طردي. عدد الموظّفات كان محدوداً جداً، والإدارة صارت تحت سيطرة الرجال لأن التعامل معهم أسهل بحسب المنظومة الاجتماعية والجندرية"

في سياق متصل، يشير تقريرا هيئة الأمم المتحدة للمرأة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي إلى أنه، "بالرغم من التقدم الذي أحرزه لبنان على صعيد المساواة بين الجنسين في قطاعي الصحة والتعليم، فإن النساء أكثر عرضة للبقاء بلا عمل مقارنة بحال الرجال، وأنهن أقل قدرة على امتلاك المدخرات، ويتمتعن بفرص أقل لإدارة الأعمال، كما أنهن يقضين أكثر من خمس ساعات في اليوم لإنجاز الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال (أكثر من ضعفَيْ الوقت الذي يخصصه الرجال لأعمال مماثلة). وإلى أن القوانين التمييزية تعزز انتشار العنف المبني على النوع الاجتماعي في لبنان، حيث تعجز عن توفير الحماية القانونية الملائمة وسبل الانصاف للنساء، خاصة الفقيرات منهن والمهاجرات".

"المقاهي التي طردتنا"

"ولدت في لبنان، أعيش في بيروت، ولعنتي التي ترافقني حتى اللحظة هي أنني أحمل الجنسية السورية كما أبي وليس اللبنانية كما أمّي، وبالتالي بحسب قانون العمل، وقوانين المجتمع فرصي بالحصول على وظيفة أقل من غيري".

بهذه الجملة، تبدأ نور (اسم مستعار، 26 عاماً) حديثها لرصيف22. تحكي أنها عملت في المقهى الذي عادت وطُردت منه لمدّة خمس سنوات، أي منذ سنتها الجامعية الثانية. تقول: "أحببت عملي كثيراً، وتطوّرت فيه، إذ انتقلت من كوني نادلة إلى مشرفة إلى مديرة. لكن في منتصف العام الحالي، حين ارتفع سعر صرف الدولار، وبقى راتبي على حاله، وطالبت بتحسينه، جاء الرّد: "بمعاشك فيي جيب ثلاثة غيرك".

تشرح نور أن أرباب العمل يستفيدون من الانهيار الاقتصادي عبر توظيف اليد العاملة الرخيصة، فمثلاً ما حدث معها، هو أن صاحب المؤسسة التي كانت تعمل فيها، قرّر أن يصرف عدداً من الموظفين القدامى في بداية الأزمة الاقتصادية، ليوظف لاحقاً مجموعة من الشباب والشابات المراهقين. تفسّر: "كانت قيمة راتبي الشهري تساوي بحسب سعر الصرف حوالى 200 دولار، وقيمة راتب النادل الواحد: 100 دولار. اليوم، هؤلاء الذين لم يدخلوا الجامعات بعد، ولا يملكون الخبرات اللازمة ويعيشون مثلنا في ظل أسوأ انهيار اقتصادي في العالم، لا مانع لديهم من العمل لمدّة ثماني ساعات في اليوم الواحد وتلقّي راتب شهري لا تتخطى قيمته 50 دولاراً. أي ما يعادل بحسب سعر الصرف مليون ليرة. بل بالعكس سيرتاحون لأنهم في الـ18 من عمرهم، هم من المنتجين وليسوا من العاطلين عن العمل".

تؤكّد نور أن ما عانته شخصياً طال العديد ممّن تعرفهم، لكن هناك معاناة مضاعفة لدى النساء والفتيات، ما هي؟ جوابها: "من أربعة موظّفين في قسم الإدارة كنت أنا المرأة الوحيدة. من 10 نُدل، نادلتان فقط". والأسباب بحسب قولها، تتعدّد، وهي أنه "للرجال قدرة أكبر على التنقّل والعمل خلال الدوام الليلي. كما أنهم أقل عرضة للتحرّش، وبالنسبة للشركة هم يتسبّبون بمشاكل أقل. كما أنّهم لا يمرضون شهرياً (الدورة الشهرية) ويتغيّبون بوتيرة أقل. وبحسب المديرين هم أقوى جسدياً وبإمكانهم القيام بالمزيد من الأعمال تحديداً في فترات الورشات والجردات".

وتضيف نور أن طردها من عملها لم يحصل بطريقة فجائية، بل شعرت به قادماً نحوها. أولاً، لأنها ليست متزوجة أو معيلة. ثانياً، لأن الشركة اعتبرت أنها ستكون الأقل تضرّراً بين الجميع. وتكمل: "نعم، أنا لا أعيل أحداً، وليس لدي عائلة خاصّة بي، لكن ذلك لا يعني أنني لم أتضرّر، فأنا استثمرت سنوات حياتي في مكان عمل، تعاملت معه بجدية ومهنية، وحين حلّت الأزمة، طُردت ولم أجد نفسي في مكان آمن. وفقدت قوّتي الاقتصادية".

"كنت أماً وصاحبة عمل ناجحة. اليوم، خسرت عملي وعدت إلى أمومتي فقط وإلى عجز اقتصادي لم أختبره في كل سنوات حياتي"

وتختم: "الفروق بين الجنسين بدت واضحة أمامي قبل تنفيذ طردي. عدد الموظّفات كان محدوداً جداً، والإدارة صارت تحت سيطرة الرجال لأن التعامل معهم أسهل بحسب المنظومة الاجتماعية والجندرية. اليوم، بسبب كل هذه العوامل التي ذكرتها، عاجزة عن الحصول على وظيفة جديدة. أولاً، لأنني لست "يد عاملة رخيصة". وثانياً لأنّي امرأة تحمل الجنسية السورية في لبنان. وبالتالي، سيُوضع اسمي تلقائياً في أسفل القائمة".

الجميع يعانون في لبنان، الرجال وكبار السن والأطفال والنساء. لكن في ظل نظام عالمي قائم على ترسيخ الفروق الجندرية وتهميش دور المرأة وعدم ضمان حقوقها من الناحية القانونية، الذي يتم اعتماده في لبنان، تصبح النساء والفتيات أكثر عرضة للتأثر بالانهيار الاقتصادي المنعكس على واقعهن، والذي سنشهد امتداد تأثيراته عليهن في المستقبل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image