تندرج هذه المقالة ضمن مشروع "رصيف بالألوان"، وهي مساحة مخصّصة لناشطين وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمين لهم/نّ، للتحدّث بحرية ودون أي قيود عن مختلف التوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، للمساهمة في نشر الوعي العلمي والثقافي بقضايا النوع الاجتماعي، بمقاربات مبتكرة وشاملة في آن معاً.
عمر غابريال، مخرج ومصوّر لبناني أثمرت تجاربه المتنوعة نسيجاً من الأعمال الفنية المتميّزة في مجاليْ التصوير والسينما. يركّز فنه على تجسيد الحميمية وتصوير تعقيدات العلاقات الإنسانية وتشعّباتها، وكسر التابوهات المتعلّقة بالتعبير الجنسي في المنطقة العربية، خاصة لدى أفراد مجتمع الميم-عين.
واللافت أن عمر مهتمّ برواية قصص المهمّشين/ات في بيروت، والدخول إلى عوالمهم/نّ الهشّة، وإظهار جوانب منها نادراً ما يراها الناس، كما يتمحور شغفه حول محاولة نقل مشاعر الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم غرباء في مجتمعاتهم، ودَفْعِهم لإطلاق العنان لكل ما يختلجهم من مشاعر من خلال المشاركة في أعمال فنية قائمة على الجرأة والتعبير عن الذات.
عمر غابريال مخرج ومصوّر لبناني، أثمرت تجاربه المتنوعة نسيجاً من الأعمال الفنية المتميّزة في مجاليْ التصوير والسينما. يركّز فنه على تجسيد الحميمية وكسر التابوهات المتعلقة بالتعبير الجنسي في المنطقة العربية، خاصة لدى أفراد مجتمع الميم-عين
في المقابلة التي أجراها موقع رصيف22 معه، يتحدث عمر غابريال عن المشاريع المتعدّدة التي شغلته في الفترة الأخيرة: بدءاً من فيلمه الأخير "ألبوم"، وصولاً إلى حملة "من أم إلى أم" التي ينوي غابريال إطلاقها، وانتهاءً بمشروع "بائع الأحلام".
من فيلم ألبوم
فيلمك الأوّل "ألبوم" يتتبع حياة ثلاثة أفراد مثليّين: عمر(أنت)، نيكول وأمين، ويدرس مدى تقبّل أمهاتهم/نّ لهويتهم/نّ الجنسية. كيف فكّرت بموضوع الفيلم؟ وكيف تعرّفت على نيكول وأمين والتخطيط لإعداد هذا الفيلم معاً؟
عندما بدأت التفكير بموضوع الفيلم، كنت أبحث عن أشخاص يحاولون التعرّف على أنفسهم، وفي نفس الوقت أردتُ من خلال تجاربهم أن أتعرف على نفسي أكثر. فكانت رحلة هدفها التعرّف على الذات من خلال الآخر.
تعرّفت على نيكول من خلال منظمة غير حكومية، أمّا أمين فكان صديقاً قديماً لي. وقد اخترتهم لأن الفيلم ببساطة يتحدث عن علاقة الأمهات بأولادهنّ المثليين.
والدة نيكول، على سبيل المثال، تقبّلت هوية ابنتها الجنسية، أمّا والدة أمين فواجهت ميول ابنها الجنسية بالرفض القاطع. وأنا لم أكن قد اخبرت أمي عن هويتي الجنسية بعد، فكنت أحاول من خلال تجربتَيْ أمين ونيكول أن أتوقّع ما قد ينتظرني.
فقد كان اختيار نيكول وأمين بناءً على محاولتي نقل ردود أفعال الأمهات في فترة خروج أولادهنّ عن الصمت والبوح بحقيقة ميولهم/نّ الجنسية، وهي ردّات فعل تتراوح في العادة بين القبول الكامل، والرفض الشديد، والـ"ما بين بين".
من فيلم ألبوم
في أي مرحلة أصبح الفيلم الآن؟
فيلم ألبوم هو في مرحلة ما بعد الإنتاج وهو في مراحله الأخيرة الآن.
هل تعكس ردود الفعل التي تظهر في الفيلم ردود فعل أهالي أفراد مجتمع الميم-عين في العالم العربي؟
أعتقد أن ردود الفعل متنوّعة للغاية لأنها تعتمد على عوامل عدّة، أهمّها قيم الأشخاص ومعتقداتهم. لكن بشكل عام، يمكننا القول إنه يسود قبول عام وتسامح. لا يخلو الأمر من الرفض في بعض الأحيان، وفي أحيان كثيرة لا يتحلّى أفراد مجتمع الميم-عين بالشجاعة الكافية لمواجهة الآخرين بحقيقة هويتهم الجنسية.
مجتمعنا غير متصالح مع فكرة الاختلاف. للأسف هو مجتمع لا يقبل التنوّعات والاختلافات بشكل عام. ولهذا يختار جزء كبير من أفراد مجتمع الميم-عين أن يعيشوا في الظل ويعانوا بصمت
لن أقول إن ما يظهر في الفيلم من علاقات أفراد مجتمع الميم-عين مع أمهاتهم يعكس بالضبط الوضع في لبنان لأنني لم أقم بدراسة علمية أو استبيان، لكنها عيّنة صغيرة من هذا المجتمع أحببت أن أسلّط الضوء عليها.
صور من مشروع Le Marchand De Rêves
ما هي التحديات التي واجهتك عندما أخبرت والدتك بأنك مثلي؟
بدأت بالفيلم لأنني كنت أجد صعوبة في إخبارها وكنت خائفاً من ردّة فعلها. ففي حال كانت ردّة فعلها سلبية، كنت دائم الاعتقاد بأن إخبارها الحقيقة سيصحبه أسئلة كثيرة وصعبة من جهتها... وهي أسئلة ليس عندي لها إجابات.
فكنت دائم التفكير في تلك الإجابات التي تنتظرها أمي منّي، وكلّما اقتربت من إخبارها شعرت أنّ الطريق لجعلها تتقبلني ما زال طويلاً.
لذلك، صنعت الفيلم الذي ساعدني في مهمتي تلك، وعدت إلى طفولتي لشرح بداية الأمر، فمثلاً كان أمين يرتدي ثياب الفتيات وكانت الأسرة تشجّعه على ذلك، وأنا بدوري كنت أفعل نفس الشيء. ومع مرور الوقت، الأشياء التي سبق وأن قبلها الأهل في الطفولة أصبحت الآن مرفوضة تماماً. ولا نفهم السبب.
كان من المثير للاهتمام أن نرى في المقطع الدعائي للفيلم المحادثة بينك وبين والدتك حول الميول والهويات الجنسية، هل كانت المحادثة عفوية أم مخطط لها مسبقاً؟
أعددت في رأسي ما أريد التحدث إليه مع أمي، كانت الأسئلة تدور في رأسي، لكن المحادثة كانت كلها عفوية، وكانت ردّة فعل أمي حقيقيّة.
صور من مشروع Le Marchand De Rêves
يواجه أفراد مجتمع الميم-عين تحديات وصعوبات عديدة في الكثير من المجتمعات العربية، ما هي التحديات التي ركزت عليها في فيلمك؟
ركّزت على فكرة قبول العائلة لأفراد مجتمع الميم-عين. صحيح أننا نواجه تحديات عديدة منها القوانين التي "تُجرّم" ميولنا، لكن الشيء الذي يؤثر علينا في الغالب كبشر هو علاقاتنا مع أفراد عائلتنا. أردت أن ألقي الضوء على فكرة أننا نعيش في صراع كبير ونُواجَه أحياناً برفض تام من أقرب الأشخاص إلينا وأعزّهم على قلبنا، وهو أمر مؤلم للغاية. وأكثر الأمور إيلاماً أن ترفضك والدتك، وهي الوحيدة التي تتوقع منها حباً غير مشروط.
Le Marchand De Rêves أو بائع الأحلام، هو مساحة تفاعلية تعبيرية، يأتي الأفراد ويرتدون أزياء تعبر عن الشخصية التي يرغبون أن يكونوها والتي تسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم ولو لفترة قصيرة
وما أردت التركيز عليه في فيلمي أيضاً أن مجتمعنا غير متصالح مع فكرة الاختلاف. هو مجتمع للأسف لا يقبل التنوّعات والاختلافات بشكل عام. ولهذا يختار جزء كبير من أفراد مجتمع الميم-عين أن يعيشوا في الظل ويعانوا بصمت.
صور من مشروع Le Marchand De Rêves
تخطّط لإطلاق حملة "من أم إلى أم" بالتزامن مع إطلاق فيلم "ألبوم". هل يمكن أن تخبرنا أكثر عن هذه الحملة وما تريد تحقيقه من خلالها؟
"من أم إلى أم" هي عروض ندعو الأمهات فيها لمشاهدة الفيلم، تليها محادثات صغيرة حول الاختلاف والجنس والهوية الجنسية. نستمع فيها إلى آراء الأمهات، هواجسهنّ ومخاوفهنّ. ونحاول معالجتها بعيداً عن الأحكام المسبقة.
الهدف من هذه الحملة هو إعطاء فرصة لمثل هذه المحادثات أن تحدث بين الأمهات والأبناء، ذلك لأننا نشعر دائماً أن المجتمع يقف عائقاً بيننا وبين أمهاتنا. نتطلع أن تخرج الأمهات بعد تلك الجلسات بقبول وتفهّم أكبر لهوية أبنائهنّ الجنسية.
وبعد أن ننتهي من العروض والمحادثات، نطلب من الأمهات دعوة أمهات أخريات للحضور. ونأمل من خلال هذه التجربة أن نتمكن من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأمهات، لكسر الحواجز الموجودة بين الأمهات وأبنائهنّ المثليين.
صور من مشروع Le Marchand De Rêves
كيف أمّنت التمويل المطلوب لإنتاج فيلمك؟ وما هو الدور الذي لعبه مشروعك الآخر Le Marchand De Rêves في تمويل هذا المشروع؟
بدأ الفيلم بتمويل شخصي، لأنني حاولت في مرحلة الإنتاج العثور على تمويل خارجي لكن كان الأمر صعباً، لأنه، أولاً وقبل كل شيء، كان فيلمي الأول، وليس لدي أي تاريخ في الأفلام الطويلة. ثانياً، موضوع الفيلم حساس للغاية.
كانت لدي حاجة كبيرة لصنع هذا الفيلم، لذلك قررت عدم الاعتماد على التمويل في مرحلة الإنتاج وقررت القيام بأنشطة تشبه الفيلم وتساهم ولو جزئياً في تمويله.
فكان مشروع Le Marchand De Rêves أو بائع الأحلام، هو مساحة تفاعلية تعبيرية، يأتي الأفراد ويرتدون أزياء تعبّر عن الشخصية التي يرغبون أن يكونوها والتي تسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم ولو لفترة قصيرة.
كان هذا المشروع قادراً على تمويل جزء بسيط من الفيلم. أمّا بقية التمويل فكان من مالي الخاص. وحين تمكنت من الوصول إلى مرحلة ما بعد الإنتاج، حصلت على تمويل من آفاق و HBS وهذا ساعدني في تغطية جزء مهم من التكاليف المتبقية.
صور من مشروع Le Marchand De Rêves
كيف تجمع الأزياء المختلفة لمشروع Le Marchand De Rêves؟ ولماذا اخترت تسمية مشروعك "بائع الأحلام"؟
بدأت رحلتي في جمع الأزياء والملابس منذ طفولتي، فكان ذلك يعطيني فسحتي الخاصة من الحرية والحلم! كنت أعيش حلمي الخاص من خلال الأزياء التي أقتنيها وأرتديها.
وتطورت هذه الهواية وأصبحت مشروعاً أطلقنا عليه اسم "بائع الاحلام" لأننا نبيع "حلم أن نكون من نريد" ولو لساعة من الزمن، فنرتدي ما نريد من الأزياء ونعوّض ما حرمنا منه المجتمع لمجرد أننا رفضنا أن نخضع لقوانينه الصارمة.
كيف ينظر المجتمع لحقوق مجتمع الميم-عين، خصوصاً أننا نعاني من افتقار شديد للحقوق الأساسية؟ هل يعتبرها نوعاً من الـluxe؟
في موضوع الحقوق، وخصوصاً حقوق مجتمع الميم-عين لم نعد نميّز بين ما هو ضروري وما هو luxe... في مجتمع أقل حقوق الأفراد فيه معدومة!
الحقوق الأساسية غير متوفرة لجميع الفئات اليوم، من مجتمع الميم-عين وغيرهم. فاحترام حقوق الإنسان مازال للأسف غائباً عن مجتمعاتنا.
صور من مشروع Le Marchand De Rêves
كيف كانت ردة الفعل على مشروع بائع الأحلام؟ هل كان التفاعل معه إيجابياً أم سلبياً؟
كانت الآراء إيجابية في الغالب، رغم خوفي في البداية من اعتبار البعض أن المشروع فيه شيء من المبالغة.
هدف المشروع كان احتواء الاختلاف وتعميمه وخلق مجتمع أكثر تسامحاً، يؤمن بأن اختلاف أفراده أمر صحي وضروري، فالاختلاف يغني المجتمع لا يهدّده.
كيف يمكن دعم المشروع على كافة الأصعدة؟
الدعم المادي أساسيّ لضمان استمرار هذه الفسحة التي تخوّل الناس التعبير عن أنفسهم بكامل حرية، كما أنّ انضمام أشخاص معروفين في المجتمع إلى مشروعنا (من فنانين/ات، ناشطين/ات وفاعلين/ات على الأرض) يضيف الكثير إليه ويعزّز فرص وجوده واستمراره، خاصة أننا منصّة مشتركة، تهدف إلى الربط بين العديد من الفنون المختلفة وتسعى بشكل أساسي للجمع بين الناس.
هذا المشروع بالتعاون مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة AFE وبدعم من سفارة مملكة هولندا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...