مع صعود قضية حي الشيخ جراح والتفاعل الواسع معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعرضت الصحافية والناشطة الفلسطينية، فاتن علوان، بانتظام لانتهاكات رقمية متعددة، بذرائع مختلفة تراها "واهية"، بدأت بتقييد المحتوى عبر حساباتها في فيسبوك وانستغرام وتيك توك وتطورت إلى حذف المحتوى ومنع النشر وأخيراً غلق حساباتها، علماً أنها موثقة ويتابعها الآلاف.
في وقت لاحق، تعرضت علوان لقرصنة حساباتها، وهو الأمر الذي لم يشعرها بعدم الأمان والقلق على نفسها وعملها فقط وإنما أيضاً على مصادرها التي كانت تتواصل معها مباشرةً عبر تطبيقات المراسلة مثل ماسنجر، حسبما تقول لرصيف22.
أوقفت السلطة الفلسطينية علوان عقب الاحتجاجات على مقتل الناشط نزار بنات، وقامت بتفتيش هاتفها، وهذا ما جعل الصحافية الفلسطينية تشعر بنوع آخر من التهديد، وهو احتمال تعرضها لمراقبة وتجسس عبر الهاتف. تهديد آخر لها ولمصادر معلوماتها التي تتواصل معها عبر الإنترنت.
الشاهد هنا أن علوان لم تكن الصحافي/ة أو الناشط/ة الوحيد/ة في فلسطين في هذا الأمر، إذ تكررت شكاوى حظر وتقييد المحتوى الفلسطيني عبر الإنترنت بانتظام، بدءاً من الحملة الإسرائيلية الأخيرة على غزة في أيار/ مايو الماضي. ولأجل مواجهة هذه الانتهاكات الرقمية العديدة أطلق أول مرصد فلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية "ح".
"حر" هو أول منصة إلكترونية مفتوحة لرصد انتهاكات الحقوق الرقمية للفلسطينيين وتوثيقها. وهو يتيح أداة للتبليغ عن الانتهاكات، وأداة أخرى للبحث في قاعدة بيانات انتهاكات الحقوق الرقمية.
توفر الأداة الأولى المساعدة لضحايا الانتهاكات الرقمية، وتوفر الأخرى للصحافيين والحقوقيين والباحثين والمعنيين بالدفاع عن الحقوق الرقمية البيانات والتقارير الدورية الدقيقة حول واقع الحقوق الرقمية في كل فلسطين التاريخية.
المرصد الذي أطلقه المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) يعد استكمالاً لعمله على قضايا الحقوق الرقمية للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم. ومن المأمول أن يسد ثغرة لطالما واجهتها المؤسسات العاملة في مجال الحقوق بشكل عام والحقوق الرقمية بشكل خاص، وهي: إمكانية الوصول إلى قاعدة بيانات دقيقة وعملية ومنظمة عن الانتهاكات الرقمية بحق الفلسطينيين.
لدى الإبلاغ عن حدوث انتهاك، سيتكفل فريق "حملة" بمتابعته مع شركات التواصل الاجتماعي والجهات المعنية، علماً بأن "حملة" شريك موثوق به لعدد من كبرى شركات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر. وفريق عمل "حر" جزء لا يتجزأ من المركز المؤسس.
لـ"تعزيز ثقافة تحدي الانتهاكات" وصون المحتوى الفلسطيني… إطلاق "حر" أول مرصد فلسطيني للإبلاغ عن الانتهاكات الرقمية وتوثيقها أملاً في "الوصول إلى فضاء رقمي آمن وعادل وحرّ"
كيف بدأت الفكرة؟ وما أهمية المرصد؟
انتهاكات الحقوق والحريات الشخصية بما فيها حرّية الرأي والتعبير والخصوصية والأمان وغيرها على الفضاء الرقمي في فلسطين أمر شائع وليس استثناءً، وتمارسه السلطات الإسرائيلية، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية وحكومة حركة حماس التي تدير قطاع غزّة.
هذا ما يقوله أحمد قاضي، منسّق الرصد والتوثيق في مركز حملة، ومدير مرصد حُر، لرصيف22، ويضيف أن فكرة إطلاق المرصد نبعت من "التحيّز والحظر اللذين يتعرّض لهما المحتوى الفلسطيني على منصّات التواصل الاجتماعي، وحجم انتهاكات الحقوق الرقمية بشكلٍ عام".
منذ منتصف أيّار/ مايو الماضي حتّى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المنقضي، رصد "حملة" 750 انتهاكاً رقمياً في فلسطين. وهم يتوقعون أن حجم الانتهاكات أكبر بكثير وأن تيسير إمكانية التبليغ عن هذه الانتهاكات سيكشف ذلك.
تشمل قائمة الانتهاكات الرقمية إزالة المحتوى، وتقييد/ حذف الحسابات، والتشهير وحملات تشويه السمعة، وخطاب الكراهية والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاحتجاز/ الاعتداء على خلفية حرية الرأي والتعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتهاك الخصوصية.
ولفت العاملون في "حملة" إلى أن حجم الانتهاكات الرقمية الكبير هذا لا يقابله عمل مضاد من مؤسسات المجتمع المدني والسلطات الرسمية، وغياب الوعي الشعبي بسبل التعامل مع هذا النوع من الانتهاكات. من هنا، نمت فكرة إطلاق "حر" لـ"صون الحقوق الرقمية الفلسطينية وتعزيزها لغرض الوصول إلى فضاء رقمي آمن وعادل وحُر".
ويتعهد قاضي أن عملية الرصد الذاتي والتوثيق لكافة أشكال انتهاكات الحقوق الرقمية وتحديث المؤشرات المعروضة ستقوم بها المنصة "بشكلٍ يومي وآني"، مضيفاً أنهم سيوفرون "تقارير دورية" وتحليلاً للبيانات.
ويعتقد أن أهمّية المنصة تنبع من خصوصية فلسطين السياسية التي تجعل المحتوى الفلسطيني عرضة بشكلٍ مركّز للرقابة والحظر، ما يصبح معه وجود منصّة كهذه مطلباً ملحاً. ويشدد على أن "الفضاء الرقمي هو المساحة الوحيدة التي من الممكن للفلسطيني أن يعيش فيها بحرّية افتراضية في ظل الاحتلال على أرض الواقع. لكن مع استهداف الوجود الفلسطيني والرواية الفلسطينية بهذه الكثافة على الفضاء الرقمي فإنّنا نفقد أيضاً حقوقنا مرّة أخرى رقمياً".
كيف من الممكن أن يحدث وجود المرصد تغييراً؟
تقول الصحافية علوان إن الانتهاكات التي تعرضت لها، علاوة على الأثر النفسي السيىء والشعور بالقلق وعدم الأمان، كانت تضر بعملها في سياقين متوازيين: حجب المعلومة من الوصول إلى جمهورها، وإضاعة الجهد المبذول للوصول إلى المعلومة.
"الفضاء الرقمي هو المساحة الوحيدة التي من الممكن للفلسطيني أن يعيش فيها بحرّية افتراضية في ظل الاحتلال على أرض الواقع. لكن مع استهداف الوجود الفلسطيني والرواية الفلسطينية بهذه الكثافة على الفضاء الرقمي فإنّنا نفقد أيضاً حقوقنا مرّة أخرى رقمياً"
وتلفت إلى أن الاستهداف والضرر كان يمكن أن يكونا أشد كونها سيدة وعادةً ما يتم المساس بالشرف والسمعة. لكنها تتبع سياسة عدم الاحتفاظ بأي أمر شخصي، وخاصة الصور، على هاتفها لإدراكها تحديات أن تكون صحافية عاملة في فلسطين.
وتوضح علوان أن فريق "حملة" ساعدها بشدة لاستعادة حسابيها عبر تيك توك وانستغرام، بعدما تواصلت معه عن طريق علاقاتها الشخصية. تقول: "أعرف شخصاً بحملة سهل لي أن أسترد حساباتي. وجود مصدر مباشر سهل الوصول إليه للتبليغ عن الانتهاكات الرقمية وخوض النقاشات مع إدارة المنصات الاجتماعية لاسترجاع الحسابات وما شابه -مثل حر- سيساعد الصحافيين والناشطين الفلسطينيين كثيراً".
الصحافي الفلسطيني محمد تركمان تعرض أيضاً للعديد من الانتهاكات الرقمية من قبل إدارة فيسبوك. يقول لرصيف22 إن حسابه الحالي على المنصة هو السابع عقب غلق ستة حسابات شخصية له ومجموعة يديرها لجامعة بيرزيت مرتين بذريعة مخالفة "معايير المجتمع". ويعتقد أن المحتوى الذي عوقب على نشره ليس مخالفاً بأي شكل من الأشكال.
عادةً، لم يكن الصحافي الفلسطيني يتخذ أي موقف ويكتفي بإنشاء حساب جديد. لكن بعدما تعرف على جهود "حملة" لجأ إليهم وساعدوه على إعادة المجموعة الجامعية.
ويرى تركمان أن "وجود منصة مثل حر ترصد هذه الانتهاكات الرقمية مفيد جداً خاصة للذين يعتمد عملهم على وسائل التواصل الاجتماعي. أنا شخصياً استفدت من خدماتهم مشكورين".
عين على المستقبل
يؤمن القائمون على "حر" بأن صون الحقوق الرقمية وثيق الصلة بتعزيز الوعي بالحقوق والانتهاكات، وتعزيز ثقافة التبليغ عن الانتهاكات، ومن ثم رصدها وتوثيقها، ومتابعتها مع الجهات المعنية، قبل تطوير حملات مناصرة تقوم على الأدلة والضغط بغية تغيير السياسات.
"وجود مصدر مباشر سهل الوصول إليه للتبليغ عن الانتهاكات الرقمية وخوض النقاشات مع إدارة المنصات الاجتماعية لاسترجاع الحسابات وما شابه -مثل حر- سيساعد الصحافيين والناشطين الفلسطينيين كثيراً".
وهم يأملون أن تسهم منصّتهم في "تعزيز ثقافة تحدي الانتهاكات" و"استعادة الحسابات وحماية المحتوى الفلسطيني بشكلٍ عيني ويومي"، حسبما يقول قاضي الذي يوضح أن هدفهم الأكبر هو "التغيير في السياسات والممارسات والقوانين بما يسهم في إحداث أثر بعيد الأمد في سبيل تعزيز حقوق الفلسطينيين/ات الرقمية" عبر التعاون مع الشركاء المحليين والإقليميين، ومن خلال حملات المناصرة والضغط.
من أجل هذا، يطور فريق "حر" مجموعة من الأفكار الطموحة للمرحلة المقبلة من عمل المرصد، بالاعتماد على "التغذية الدائمة وتقييم الأداء"، على نحو يشمل توسعاً في الشراكات مع مختلف المؤسسات والحراكات القاعدية والناشطين/ات في فلسطين وخارجها، علاوة على بعض الأفكار المتعلقة بالتطوير التقني وغير التقني لآليات عمل المنصة.
غرض هذه الأفكار كافة هو تعزيز القدرة على الرصد والتوثيق لأكبر قدر ممكن من الانتهاكات بأقل وقت ممكن، وتعزيز القدرة على الضغط والمناصرة والمتابعة لوقف الانتهاكات ومنعها من الأساس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...