شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الاستقالة أو خلع الحجاب"... لبنانيات يتعرّضن للتمييز في أماكن العمل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 1 نوفمبر 202102:22 م

"من المسموح فقط لعاملات النظافة ارتداء الحجاب". هذه العبارة ليست من مشهد تمثيلي مبالَغ فيه لتصوير حالة معينة، ولكنها قيلت هذا العام، أي 2021، لسيدة محجبة في العاصمة اللبنانية بيروت.

تروي ليال عبد النبي، لرصيف22، صدمتها ممّا سمعت، ومن الموقف الذي وُضعت فيه، وهي معلمة لغة عربية، تدرّس في مدرسة "الليسيه عبد القادر"، في منطقة زقاق البلاط في بيروت، منذ ثماني سنوات. تقول ليال إن إدارة المدرسة راضية بشكل عام عن كفاءتها بالعمل، لكن العامل الجديد كان قرارها ارتداء الحجاب في شهر رمضان الفائت، مما غيّر المعادلة تماماً، وفق تعبيرها.

"صرت فرجةً"، تقولها المعلّمة الثلاثينية بأسف، إذ صار بعض زملائها من الطاقم التعليمي، يقفون على باب الصف، وينظرون إليها باستهجانٍ، وهي تدرّس الطلاب، عدا عن قول البعض: "ما منقبل هالمنظر".

بعد ارتداء ليال الحجاب، طلبت منها إدارة المدرسة خلعه، للإبقاء عليها كمعلمة، أو خلعه عند الوصول إلى باب المدرسة.

"غير مسموح للمعلمات"

بعد ارتداء ليال الحجاب، طلبت منها إدارة المدرسة خلعه، للإبقاء عليها كمعلمة، أو خلعه عند الوصول إلى باب المدرسة يومياً، وهو ما تفعله مدرّسات أخريات، أو تقديم الاستقالة.

وعندما طرحت عليهم سؤالاً عن سبب هذا الضجيج كله حول لباسها الجديد، الذي يُفترَض أنه قرار شخصي لا يؤثر على العملية التعليمية المعتادة، وأيضاً عن سبب قبول حجاب بعض الطالبات والعاملات، ورفض حجابها، كان الجواب: "مسموح فقط لعاملات النظافة، أما المعلّمات فلا".

تراكمت الصدمات لدى ليال بسبب تبليغها من الإدارة رفض المدرّسات المحجبات، في حين أن المدرسة تابعة لمؤسسة الحريري، وكانت تضم معلمات محجبات قبل عام 2005 على حد قولها، لكن مرةً جديدة أتاها جواب صادم: المدرسة علمانية، علماً أن أي تعريف للعلمانية يذكر فصل الدين عن الدولة، ولا يذكر على الإطلاق الفصل بين المرأة وحجابها، أو لباسها الذي اختارته، أيّاً يكن.

ما أثار غضب ليال أكثر، عدم منع بعض الأساتذة في الصرح التعليمي نفسه، من ارتداء رموز دينية أخرى، وانزعاج الإدارة حصراً منها، حسب وصفها.

عندما طرحت عليهم سؤالاً عن سبب هذا الضجيج كله حول لباسها الجديد، الذي يُفترَض أنه قرار شخصي لا يؤثر على العملية التعليمية المعتادة، وأيضاً عن سبب قبول حجاب بعض الطالبات والعاملات، ورفض حجابها، كان الجواب: "مسموح فقط لعاملات النظافة، أما المعلّمات فلا"

بعد رفض ليال التنازل عن حقوقها، والاستقالة، فوجئت بإرسال المدرسة إنذاراً رسمياً لها، مع تسوية تتيح لها الذهاب للتعليم في مدرسة أخرى تابعة للإدارة نفسها، لكنها رفضت العرض، كون المدرسة البديلة لا تمنح الحقوق التي كانت حاصلةً عليها في الليسيه عبد القادر، وكونها وجدت نفسها على مشارف عام دراسي جديد، من دون وظيفة، في ظل ما يعيشه لبنان اليوم من أزمات تتآكله، وكان الخيار رفع دعوى قضائية رسمية على المدرسة، وكلها ثقة بأن القانون في صفّها.

حقوق منصوص عليها في الدستور

تستمد ليال ثقتها في القضية التي رفعتها، من عدد من المحامين والقضاة الذين ذكرت تواصلهم معها، على إثر انتشار قصتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انسحبوا وبقي المحامي نادر عبد العزيز الشافي حاملاً للقضية.

وهنا يخبرنا المحامي الشافي، بأن إقدام إدارة الليسيه عبد القادر على صرف المعلّمة ليال من عملها، بسبب ارتدائها الحجاب، يُعدّ صرفاً تعسّفيَّاً، لأنه يُشكّل انتهاكاً لحرية المعتقد المطلقة التي تتعلق بالنظام العام، ولأنها أحد أركان الحرية الفردية، والحق بالمساواة المنصوص عليها في الدستور اللبناني، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، منوّهاً بأن عقد التدريس لا يمنع الحجاب لا صراحةً، ولا ضمناً، وبأن ليال أرسلت قبل شهر رمضان تخبر الإدارة بقرارها، لكنها لم تحصل على رد منهم، وعندما أتت إلى المدرسة بالحجاب، استدعتها المديرة، وبدأ النزاع. وعليه، قدّم المحامي الدعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، وهي الآن في مرحلة التبادل.

وحتى اليوم، لم تردّ المدرسة على الدعوى، كما رفضت الإدارة طلب رصيف22، الحديث وتوضيح وجهة نظرهم، قائلين إنهم أوضحوها ضمن بيان، ويكتفون بذلك.

وممّا جاء في البيان المذكور، المنشور في تموز/ يوليو الفائت: "التحقت المعلمة ليال عبد النبي بمدرسة الليسيه عبد القادر مطلع العام الدراسي 13/ 2014، لتعليم مادة اللغة العربية، وهي مدركة بأنها تنضم إلى مدرسة علمانية بكل أبعادها، وارتضت بكامل إرادتها أن تبقى منسجمةً مع تلك الأبعاد، ومرتاحةً إليها، إلى أن اتخذت قرارها بالتمايز عن أنظمة المدرسة، في حين أن الليسيه عبد القادر لم تغيّر في أي من أنظمتها، مضيفين أنهم فوجئوا برفضها الانتقال إلى إحدى مدارس المؤسسة الأخرى التي "تشكّل مساحةً رحبةً لمقاربتها العقيدية والإيمانية".

إقدام إدارة الليسيه عبد القادر على صرف المعلّمة ليال من عملها، بسبب ارتدائها الحجاب، يُعدّ صرفاً تعسّفيَّاً، لأنه يُشكّل انتهاكاً لحرية المعتقد المطلقة، ولأنها أحد أركان الحرية الفردية، والحق بالمساواة المنصوص عليها في الدستور اللبناني

ليال ليست الوحيدة

حالة ليال عبد النبي ليست الوحيدة في لبنان، فمنذ أشهر عدة، انتشر على موقع فيسبوك خبر رفض مدير أحد فروع مطعمcrepaway ، توظيف ابنة سيدة تدعى إسراء الحلبي، وتعامل معها بطريقة غير لائقة، كونها محجبةً. وعند تواصل رصيف22، مع المدير، نفى صحة الأمر، قائلاً بأن التوظيف لديهم يعتمد في المقام الأول على الكفاءة والالتزام.

وفي عام 2020، انتشرت على منصات التواصل حكاية طالبات جامعيات رُفض طلب تدريبهن في مستشفى جبل لبنان، لأنهن محجبات. وعام 2012، كانت فاطمة ناصر الدين تتقدم بطلبٍ وظيفي في إحدى مدارس بيروت (تتحفظ على ذكر اسمها)، وفق ما أخبرت به رصيف22، وقيل لها إن مهلة تقديم الطلبات انتهت، لكن في الوقت نفسه، دخلت صديقتها غير المحجبة، وملأت الاستمارة، حتى صارتا تذهبان معاً إلى كل مؤسسة، وتدخل صديقة فاطمة قبلها، وتستفسر، قبل أن تصاب هي بالخيبة.

يعترف بعض أصحاب المؤسسات بوضع شروط غير معلنة للتوظيف، اعتماداً على المظهر، أو ارتداء رموز دينية معينة.

وفي كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، أصبح هاجس الطالبات فور قبولهن في الجامعة، أن يُقبَلن بعد التخرج في أحد التلفزيونات، لا لقصور كفاءتهن التي راكمنها لاحقاً، إنما بسبب ما يرتدين. سلمى المحجبة ستكون منبوذةً من بعض القنوات، ورنا غير المحجبة سيُغلَق في وجهها ألف باب مسيّج بعباءة الدين، حتى صار همّ كل طالبة لبنانية، في أي اختصاص كان، أن تجد عملاً يناسب لباسها وقناعاتها، فيما أصبحت المهنية، والإبداع الوظيفي، من الكماليات.

وبالإضافة إلى هذه الحالات كلها، قررت سيدة تُدعى رغدة يونس، أن تحكي قصتها لرصيف22، بعد انتشار قصة ليال، إذ تذكر أن شقيق صديقتها أخبرها بفرصة عمل متاحة في مطعم فروج بلال، في منطقة برج البراجنة في بيروت، لتكون عاملة هاتف، فوافقت وذهبت لإجراء المقابلة، لكن صاحب العمل رفض لقاءها، بسبب الصليب الذي كانت تضعه حول رقبتها.

وفيما يعترف بعض أصحاب المؤسسات بوضع شروط غير معلنة للتوظيف، اعتماداً على المظهر، أو ارتداء رموز دينية معينة، تواصلنا مع بعضهم، لكنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح علني، ربما خوفاً على تدهور أعمالهم.

الواضح إذاً، أن القضية ليست حكراً على حالة واحدة، لكنها تشمل النساء على الأغلب، إذ يبدو التمييز الذي يخضع له الرجال في لبنان، ضمن هذا السياق، أقل وطأةً. ومع كون ليال قد قررت خوض معركتها الخاصة، انتصاراً لحقوقها وحجابها في وجه من يرفضونه، فماذا عن الأخريات، وسيف التمييز قائم، ويطال الجميع؟

"لا تخجلي بحجابك، ولو فقدتِ عملك، الدنيا لا تقف على مؤسسة واحدة"، تقول ليال في ختام حديثها، مؤكدةً على أهمية أن تقف السيدات إلى جانب بعضهن البعض، في هذه المعركة، وغيرها من المعارك التي تهدف إلى انتزاع حقوقهن، وإيقاف التمييز في حقهن.

*هذا الموضوع تم إنتاجه بدعم من برنامج النساء في الأخبار التابع للمنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء "وان-ايفرا"


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard