شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"رمضان ليس روائح كريهة، والحجاب ليس شرط الدين".. صرخة نشطاء في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 21 مايو 201906:25 م

"لا للتبرّج" جملةٌ كُتبت على جدران مدينة طنجة شمال المغرب، في حملةٍ لا يُعرف من وراءها، تستهدف دعوة النساء إلى تجنّب "الزينة" في الملابس، والالتزام بالحجاب في رمضان، ما خلَّف جدلاً واسعاً، على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتداول نشطاء الصورَ معلّقين، فاعتبرها البعض نوعاً من الجهل والتخلّف، وآخرون تضييقاً على حرية المرأة وانتهاكاً لحقوقها، بينما شدَّد آخرون على أنَّ رمضان شهر عبادة، وربطوا بين زينة المرأة في ملبسها، أو "التبرّج" كما يحبّون أن يصفوا المرأة التي تلبس أزياء جميلةً وتضع ماكياج، وبين أخلاقيّات "الفسوق" التي تتنافى مع "الشهر الفضيل".

"هذا موسم الغفران ولّا موسم القبح"

انتقد محمد عبد الوهاب رفيقي، باحث في الشأن الديني، في منشور له على "فيس بوك"، المفاهيمَ الشعبيّة المتعلّقة برمضان، حيث يرى أنّ المغربييّن باتوا يعتقدون في "التخلّي عن أيّ شيء له علاقة بالأناقة والتجمّل، والظهور بمظهرٍ حسنٍ ولائق، وهذا من المفاهيم المغلوطة التي لا علاقة لها برمضان أو بالصيام".

ويضيف عبد الوهاب الشهير بـ"أبو حفص": "بعض الناس يرون أن الاستحمام والتنظّف في نهار رمضان حرامٌ خوفاً من تسلّل قُطيرات من الماء إلى جوف الصائم فتفسد عليه صيامه، والبعض لا يستعمل معجون الأسنان ويفضّل أن يؤذي الناس برائحة فمه الكريهة، على اعتبار أن رائحة الفم في رمضان أطيب من رائحة المسك، كما أن هناك من يمتنع عن استعمال مزيل العرق، هذا بالإضافة إلى المرأة التي حُرم عليها العطر في رمضان… ومُنعت من كلّ عاداتها الجماليّة من تأنّقٍ، وتجمّلٍ، ووضعٍ للماكياج".

يتساءل "أبو حفص": "هل هذا موسم الطاعة والغفران ولَّا موسم الوسخ والقبح والروائح الكريهة؟ هل مطلوب من الصائم أن يكون نتناً ووسخاً والصائمة تكون بشعة حتى يُقبل صيامهما؟!".

وشدّد "أبو حفص" على مُفطرات رمضان الواضحة في الأحكام الفقهيّة للمسلمين: " طعامٌ وشرابٌ وجماعٌ، كلّ ما سوى ذلك ليس بمُفطر".

"الحجاب القسري" ثانياً، وثالثاً، و...

حملة ملصقات "لا للتبرّج" ليست بجديدةٍ على المجتمع المغربي، ولا تقتصر على رمضان، وتُعيد إلى الأذهان حادثة الاعتداء على فتاةٍ في رمضان الماضي، اقترفه شبان يعتبرون أنفسهم مدافعين عن الفضيلة، والسبب ارتداؤها قميصاً وبنطلون جينز، وهي الواقعة التي أثارت حفيظة شريحةٍ كبيرةٍ من الرأي العام آنذاك.


تتذكّر إيمان الحارثي، 27 عاماً، موظفة في شركة طيران بشارع محمد الخامس وسط مدينة "الدار البيضاء"، اعتداءً تعرّضت له أثناء عودتها من مكان عملها للمنزل في رمضان، تقول أنها تعرّضت في رمضان 2016، لسبٍّ وشتمٍ من قبل شاب في الشارع، انهال عليها بأقبح الشتائم وهي في طريق عودتها من العمل، لعنها، وسبَّ أجدادها.

أثّرت تلك الشتائم، والنظرات المعاديّة والمشمئزّة من الحشود الصائمة في الشوارع على شعور إيمان بما ترتديه، وكأنها ارتكبت جريمة، تقول مدافعةً عن نفسها: "عملي يحتّم عليَّ أن ألبس تنّورة ميني جيب قصيرة، كيف لأناسٍ لا يعرفونك ولا يعرفون طبيعة عملك، أن يحكموا عليك من شكل لباسك، بهذا الشكل وبهذه القسوة؟!"

تحكي إيمان: " لم أبتعد إلا خطوات معدودة عن الشاب حتى هاجمتني سيدة خمسينيّة، وهتفت في وجهي: "الله ينزل عليك اللعنة ما بقيتوش تحشموا"، تضيف إيمان: "ما تلفّظت به هذه السيّدة كان أكثر وقعاً على نفسيتي التي ظلّت منهارةً لأيّام عديدة".

سميرة موحيا، عضو في الرابطة المغربيّة لحقوق المرأة، عبَّرت عن قلقها من هذه الملصقات، ودعت الدولة إلى تحمّل مسؤوليتها.

تقول موحيا عن الملصقات في تصريحاتٍ لـ"رصيف22" أنها تكاد تكون ظاهرة تتكرّر في كلِّ مناسبةٍ دينيّة، والخطير أنها تستمدّ شرعيّتها من الدين، وأنها تُحرِّض على الكراهية، وتُهدِّد السلامة الجسديّة والنفسيّة للنساء، وأمنهن.

"عملي يحتّم عليَّ أن ألبس تنّورة ميني جيب قصيرة، كيف لأناسٍ لا يعرفونك ولا يعرفون طبيعة عملك، أن يحكموا عليك من لباسك، بهذا الشكل وبهذه القسوة؟!"

الشيخ السلفي محمد الفرازي رمى نشطاء مغاربة ينتقدون "الحجاب القسري" أو اعتباره "فريضة" مستوجبة على النساء، بالجهل في شؤون الدين وأشياء أخرى، يقول: "نزع الحجاب أو اعتباره حريّة فرديّة قولٌ صادرٌ من شخصٍ ليست له معرفة بالقرآن ولا بالسنّة النبويّة ولا بتاريخ المسلمين على مدى القرون".

الحجاب بالنسبة للشيخ محمد "فريضة شرعيّة وضرورة اجتماعيّة"، وهو رأي يؤثّر في قطاعاتٍ عريضةٍ من المجتمع المغربي المحافظ، ومن ناحيةٍ أخرى يشدّد الفرازي على أنّ "المتبرّجة" أو "السافرة"، وهي أوصاف يحبّ المحافظون المغاربة أن يصفوا بها غير المحجّبات المهتمّات بالتزيّن والأزياء القصيرة والكاشفة، ليست امرأة كافرة أو منافقة، أو امرأة لا دين لها،  ولكنها امرأة "أخلَّت بواجبٍ من واجبات الدين، وبحكمٍ من أحكام الشريعة، وبأمرٍ من أوامر الله".

تقول سميرة موحيا: حملات "لا للتبرج" ومثيلاتها ظاهرة تتكرر في كل مناسبة، والأخطر أنها تستمد شرعيتها من الدين، وتحرض على الكراهية، وتهدد سلامة المرأة الجسدية والنفسية.

ويستغلّ المحافظون المتشدّدون في المغرب المواسم الدينيّة مثل رمضان، ويشنّون حملاتٍ تنال من غير المحجّبات، وتتأثّر بهم عائلات محافظة، ويُلزم بعضهم بناته بالحجاب في أعمارٍ صغيرةٍ باعتباره تربية على التديّن والتقوى.

"سأخلع الحجاب عندما أكبر"

تروي سلوى، اسم مستعار  15 عاما، تعرضها لضغوط من الأهل لارتداء الحجاب: " كانت أوّل مرّة أرتدي فيها الحجاب ليس اقتناعاً، بل إجباراً من والدي وأنا في سن 13 سنة، بعدما كان يضغط عليَّ وعلى والدتي لسنوات قبلها من أجل أن أرتديه، وكانت والدتي ترفض ما يطلبه أبي، وتقول له البنت مازالت صغيرة، إلى أن جاء اليوم الذي أُجبرت على ارتدائه بشكل دائم".

تضيف سلوى لرصيف22: "مازلت صغيرة، ولا أملك القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في حياتي، لكن سيأتي يوم أكون قادرةً فيه على التحرّر من هذه القيود وسأخرج وأنا غير مجبرةٍ على ارتداء الحجاب".

وتعبّر سلوى عن حسرتها لكونها في وسطٍ عائليٍّ محافظٍ جدّاً، وتحسد صديقاتها في الصف الدراسي من غير المحجّبات، حيث ترى أنهن يعشن "مراهقتهن"، ويشعرن بالسعادة لجمالهنّ وأنوثتهنّ.

"سيأتي يوم أكون قادرةً فيه على التحرّر من هذه القيود، وسأخرج وأنا غير مجبرةٍ على ارتداء الحجاب"

ويُعتبر الحجاب في المغرب مسألةً اختياريّةً، الكبار والصغار على حدٍّ سواء لا يتقيّدون بالحجاب، وفي المدن الكبيرة، رؤية امرأة محجّبة هو شيء عادي كرؤية أخرى غير محجّبة، على الرغم من أنه أكثر وجوداً في المناطق الريفيّة، جميع النساء (قانوناً) لديهم حريّة الخيار بالنسبة لارتداء أو عدم ارتداء الحجاب.

وشدّد محمد عبد الوهاب رفيقي، في تصريح لـ"رصيف22" على أنّ "الحجاب يبقى حرية فرديّة سواء كان فرضاً مشروعاً أو لم يكن، وحتى على القول إنه فرض لازم، وبأن المرأة المسلمة يجب عليها الامتثال لفريضة الحجاب، فهذا لا يتناقض مع كونه حرية فرديّة، لأن الدين بجملته هو حرية فرديّة والناس أحرار".

ويُشدّد أبو حفص على النقطة الأخيرة، يقول: "هذا أمر ينبغي أن يكون محسوماً، لا يمكننا أن نسمح لأيّ جهةٍ، سواء كانت أفراداً أو مجتمعاً أو دولة، على إرغام المرأة بزيٍّ معين، ما لم يكن ذلك عن اختيار واقتناع منها، الحجاب حريّة فرديّة بغضِّ النظر عن الحكم الشرعي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image