شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مواطن ألماني، ولكن من الدرجة الثانية

مواطن ألماني، ولكن من الدرجة الثانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 25 أكتوبر 202102:16 م

بدأت مكاتب التجنيس في الكثير من المدن الألمانية، بتلقّي الآلاف من طلبات الحصول على الجنسية الألمانية، وذلك بعد موجة اللجوء الكبيرة التي شهدتها ألمانيا، وخاصةً من السوريين الذين فرّوا من الحرب الدائرة في سوريا، في عامَي 2014 و2015.

وفي بعض المدن الألمانية، مثل مدينة لايبزيج، الواقعة في ولاية ساكسونيا في شرق البلاد، قد يضطر مُقدّم الطلب إلى الانتظار حتى اثني عشر شهراً، للحصول على موعد من أجل استلام طلب التجنيس فحسب، ومن ثم يحتاج أيضاً إلى الانتظار ما بين شهرين إلى ثلاثة، للحصول على موعد من أجل تسليم الأوراق والطلبات اللازمة للحصول على الجنسية الألمانية.

وتُعدّ الجنسية الألمانية، حسب عدد كثير من المواقع المختصة بقوة جوازات السفر وترتيبها عالمياً، من أقوى الجنسيات في العالم، إذ يحق لحامل الجنسية الألمانية دخول مئة وأربعة وتسعين بلداً من دون تأشيرة، وقد احتل جواز السفر الألماني في عام 2021، المرتبة الثالثة من حيث القوة، حسب موقع فيزا إنديكس.

إن عملية الحصول على الجواز الألماني، ليست سهلةً أبداً، إذا ما قارناها بدول أوروبية أخرى.

سيرورة الحصول على الجنسية الألمانية

إلّا أن عملية الحصول على الجواز الألماني، ليست سهلةً أبداً، إذا ما قارناها بدول أوروبية أخرى، مثل هولندا أو السويد. فالشروط الأساسية التي ينص عليها القانون الألماني، والواجب تحقيقها من قِبل المتقدم، تُعدّ صعبةً نوعاً ما، إذ يحتاج المتقدم إلى أن يكون حاصلاً على تصريح إقامة دائمة، أو إقامة مؤقتة تقود بطبيعتها إلى الإقامة الدائمة، بالإضافة إلى أن يكون ناجحاً في اختبار الجنسية المتضمن معرفة النظام العام، والقوانين، وطبيعة الحياة في ألمانيا، وأن يكون مقيماً في ألمانيا بشكل قانوني مدة ثماني سنوات، وقد تُخفض المدة إلى سبع، أو ست سنوات، في حال كان المتقدم قد قام بعمل دورات اندماج متقدمة.

ويحتاج المتقدم أيضاً إلى عملٍ يضمن من خلاله العيش من دون الحاجة إلى الحصول على مساعدات اجتماعية من قبل هيئات الضمان الاجتماعي. أما بالنسبة إلى اللغة الألمانية، فيحب أن تكون كافية لتسيير الحياة اليومية، وألا يكون محكوماً بحكمٍ قضائي، وقد يضطر بعض المتقدمين إلى الاستغناء عن الجنسية الأصلية، وهذا الشرط لا يشمل الجنسيات كلها.

ومن أهم ما يواجه المتقدم بالطلب، هو البيروقراطية الألمانية، والمزاجية لدى الموظفين الحكوميين. وفي ما يخص البيروقراطية الألمانية، والتي تُعدّ من أبرز "مشاكل" ألمانيا بشكل عام، أنها تكون صادمةً في كثير من الأحيان، للكثير من الأجانب الذين ما زالوا غير معتادين على النظام البيروقراطي، وتصحبها أيضاً في أغلب الحالات فترة انتظار الطلب ودراسته، وذلك كله لم يعتد عليه الأجنبي في بلاده، حيث كان في أغلب الأحيان، ينجز معاملاته الحكومية بسرعة متناهية، وذلك من خلال طريقتين: إمّا بالواسطة، أو عن طريق الرشوة.

أمّا المزاجية لدى الموظفين الحكوميين، فتُعدّ من أكثر المشكلات التي يعاني منها مقدّم الطلب الأجنبي، وفي كثير من الأحيان يقوم الموظف بطلب طلبات يعدّها المتقدم غريبةً جداً، وقد تصل إلى حد التعجيز. ونأخذ الحالة السورية مثالاً، إذ يُجبَر السوري في أغلب الأحيان، على استصدار شهادة ميلاد من سوريا مُصدّقة بختم وزارتَي العدل، والخارجية السورية، بعد ترجمتها إلى اللغة الألمانية لدى أحد المترجمين المحلّفين، ويُطلب بعدها المصادقة على تلك الأختام من قبل السفارة الألمانية في بيروت، بالإضافة إلى أن بعض الموظفين يطلبون من الشخص السوري إصدار جواز سفر ساري المفعول، على الرغم من أن السوري الحاصل على حق اللجوء، لا يمكنه الدخول إلى السفارة السورية في برلين، وفي حال دخوله إلى أراضي السفارة السورية، يسقط عنه حق اللجوء، وتالياً يسقط حق الإقامة، ولا يستطيع التقدم بطلب الحصول على الجنسية.

من أهم ما يواجه المتقدم بالطلب، هو البيروقراطية الألمانية، والمزاجية لدى الموظفين الحكوميين. حيث تُعدّ البيروقراطية من أبرز المشاكل، بالإضافة إلى أنها تكون صادمةً في كثير من الأحيان، للكثير من الأجانب الذين ما زالوا غير معتادين على النظام البيروقراطي

ولكن هذا لا ينطبق على السوريين كلهم، إذ إن الموظف المسؤول يستطيع في كثير من الأحيان، التغاضي عن جواز السفر، بدليل أن الكثير من السوريين في مختلف المدن الألمانية، استطاعوا الحصول على الجنسية الألمانية، من دون وجود جواز سفر سوري ساري المفعول، أو منتهي الصلاحية، ولكن هنا يكون لمزاجية الموظف الدور الأكبر في مثل هكذا قضايا؛ فإمّا أن يكون الموظف في حالة مزاجية جيدة، ويسهّل عملية تقديم طلب الجنسية، أو يجعلها صعبةً للغاية.

وهذا ما أكده الشاب يوسف الشيخ خليل، الحاصل على الجنسية الألمانية منذ أشهر قليلة. فبعد سؤالنا إياه عما إذا طُلِبَ مِنّهُ جواز سفر ساري المفعول، قال: "لقد كان الموظف المسؤول عن ملفي متعاوناً جداً، فلم يقم بطلب جواز سفر صادر عن السلطات السورية، أو عن السفارة السورية في برلين، وما أثار تعجبي أيضاً، هو أن الموظف لم يطلب مني شهادة ميلاد مصدّقة من قبل السفارة الألمانية في بيروت، في حين طُلِبَ من صديق لي يعيش في المدينة نفسها التي أعيش فيها، ولدى دائرة التجنيس نفسها، شهادة ميلاد مصدّقة من السفارة الألمانية في بيروت، وجواز سفر سوري ساري المفعول".

سحب الجنسية

وبعد حصول المتقدم على الجنسية الألمانية، يخضع لفترة تجريبية مدتها عشر سنوات، تبدأ من تاريخ استلام قرار التجنيس، والتي يمكن خلالها، ضمن شروطٍ معينة، سحب الجنسية الألمانية، وإعادة منح الشخص تصريح الإقامة من جديد. ومن ضمن هذه الشروط، أن يقوم الأجنبي الحاصل على الجنسية الألمانية، بالقيام بفعل جنائي، وأن يُحكَم عليه بالسجن مدةً تزيد عن العام، أو أن تقوم السلطات الألمانية باكتشاف أي تلاعب أو تزوير في أحد المستندات المُقدّمة للحصول على الجنسية الألمانية، أو قيام الرجل بالزواج مرة ثانية، مع الحفاظ على زواجه الأول.

وفي حديث مع المهندس محمد ح.، القادم من سوريا، والذي حصل على الجنسية الألمانية بعد سبع سنوات من قدومه إليها، ويعيش في ولاية ساكسونيا الشرقية، التي تُعدّ معقلاً لليمين العنصري المتطرف الألماني، قال: "قد صدر قرار سحب الجنسية الألمانية مني، بعد حصولي عليها بثمانية أشهر، وذلك بسبب حادث بسيط جداً عدّه القاضي جرماً جنائياً. ففي أحد الأيام، وصلني بريد من الشرطة الألمانية يوجهون إليّ فيه، تهمة التسبب بأضرار بسيارة شخص آخر، في أثناء القيادة، والفرار من دون إبلاغ الجهات المختصة".

مثل هذه الصفات التي تُطلق على أبناء الجاليات المهاجرة في ألمانيا، والحاصلين على الجنسية الألمانية، كفيلة بأن تقوم بعزلهم ضمن المجتمع.

ويتابع: "لقد كُتِبَ في الرسالة أن أحد الأشخاص شاهدني وأنا أصدم السيارة الأخرى، مما تسبب بضرر بسيط للغاية لها، وحدث ذلك وأنا أقود السيارة إلى الخلف، للخروج من مكان ركن السيارات. وكُتِبَ أيضاً في وصف الضرر، بأنه في مقدمة السيارة، ولا يتجاوز نصف سنتيمتر".

وعند سؤالي إياه عما إذا كان قد قام بهذا الفعل عن قصد، أو عما إذا كان على دراية بالحادث؟ قال: "لا أتذكر بأني قمت بفعلٍ مثل هذا، أو حصل معي هذا الشيء، فالضرر الحاصل بسيط جداً، ويمكن أن يحدث مع أي شخص، وهذا تماماً ما قلته للشرطة خلال التحقيق، ولو فعلت مثل هكذا شيء، أو كنت على دراية به، فلماذا عليّ الهروب؟ فأنا أعيش في دولة القانون، وسأقوم بإخبار الشرطة، وسيقوم التأمين الخاص بسيارتي، بدفع تكاليف إصلاح الضرر الحاصل بالسيارة الثانية".

وتابع: "إلاّ أن رجال الشرطة لم يصدّقوا الرواية، وأخذوا أقوال الشهود على محمل الجد، وقاموا بتحويل القضية إلى المحكمة في مدينة دريسدن، ولم يصدّقني القاضي عندما وقفت أمامه، وكان بإمكانه إصدار حكم مخفّف، إلاّ أنه أصدر حكماً مجحفاً، فكان حكمه عليّ بالسجن مدة عام ويوم بالتحديد، أو دفع مبلغ من المال مقابل كل يوم سجن، وفي كلتي الحالتين، أضرّ الحكم بي، وبالأخص في اليوم الذي يزيد عن العام، إذ كان كفيلاً بأن يقوم مكتب الجنسيات في المدينة بإصدار قرار بسحب الجنسية الألمانية مني. ولكن تقدّمنا لدى المحكمة العليا بطعن بالقرار الصادر عن محكمة المدينة، عسى أن يُخفض الحكم، أو يصدر حكم بالبراءة، وألا أخسر الجنسية التي لطالما حلمت بالحصول عليها، ونلتها بعد جهد وتعب".

"هل يخضع هذا المواطن أيضاً لفترة تجريبية، مع العلم بأننا نعيش في ألمانيا منذ أعوام؟ فإذا ما أرادوا تجريبنا، فهذه الأعوام التي قضيناها قبل الحصول على الجنسية الألمانية، تكفي لتجربتنا إذا ما صح التعبير، أم نحن نُعدّ في ألمانيا مواطنين ألمان، ولكن من الدرجة الثانية؟"

هل نحن مواطنون؟

وبعد حصول محمد ح. على الجنسية، شعر بأنه مواطن ألماني، وبأنه حقق حلمه بعد جهد وتعب دام سبع سنوات، إلا أن حكم قاضي قضى على أحلام محمد ومستقبله، حسب تعبيره. ويسأل محمد نفسه بشكل مستمر بعد تلك الحادثة: إذا ما ارتكب مواطن ألماني من أصول ألمانية أي عمل جنائي، هل سيقوم القاضي، أو السلطات الألمانية، بمعاقبته وحرمانه من جنسيته الألمانية؟ ويتابع: "هل يخضع هذا المواطن أيضاً لفترة تجريبية، مع العلم بأننا نعيش في ألمانيا منذ أعوام؟ فإذا ما أرادوا تجريبنا، فهذه الأعوام التي قضيناها قبل الحصول على الجنسية الألمانية، تكفي لتجربتنا إذا ما صح التعبير، أم نحن نُعدّ في ألمانيا مواطنين ألمان، ولكن من الدرجة الثانية؟".

دور الإعلام الألماني

هذا السؤال يدور أيضاً في أوساط الأحزاب الألمانية، وفي أوساط الصحافة، ويُعدّ مشكلة لا حل لها إلى الآن، ومع ذلك تصف غالبية وسائل الإعلام في ألمانيا، وخصوصاً التابعة لليمين المتطرف، أو الشرطة الألمانية، في حال وقوع أي حادث، أو فعل خارج عن القانون، وكان الفاعل حاصلاً على الجنسية الألمانية، ضمن تقاريرهم، وأمام الرأي العام الألماني، بـ"المواطن الألماني ذي الأصول المهاجرة"، في حين أنه إذا قام مواطن ألماني بفعلٍ خارج عن القانون، يكفي فقط ذكر اسمه، من دون إضافة أي وصفٍ آخر له.

يشار إلى أن الدراسة شملت أيضاً فحص الصحف الألمانية اليومية الكبرى، وقد تبيّن أن الصحف تشير إلى أصول المشتبه بهم في جرائم العنف، بشكل أكبر، مقارنةً مع التقارير التلفزيونية، إذ تصل نسبة هذه التقارير إلى 44.1 في المئة.

وأما في جانب النجاحات التي يحققها الكثير من المواطنين الألمان ذوي الأصول المهاجرة، فتكتفي وسائل الإعلام الألماني بذكر اسم الشخص، والتأكيد على أنه مواطن ألماني، من دون التطرق إلى أصوله المهاجرة، في محاولة منهم لنَسب النجاح إلى الشعب الألماني، وإخفاء طابع التمييز والعنصرية الذي ينخر ألمانيا.

وهذا تماماً ما حصل مع مسعود أوزيل، لاعب كرة القدم في المنتخب الألماني، والذي ساهم في فوز منتخب ألمانيا بكأس العالم في عام 2014. في ذلك الوقت، كان مسعود أوزيل يُعدّ ألمانياً، ولكن عندما ارتكب خطأ، أصبح ألمانياً من أصول تركية، واتّخذ اليمين المتطرف الألماني من هذه الحادثة تحديداً، سلاحاً لمحاربة اللاجئين، والأجانب، ومشاريع الاندماج التي كانت تتبناها الحكومة الألمانية، بقيادة ميركل، وهذا هو الحال أيضاً مع مكتشف لقاح كورونا، أغور شاهين الذي وُصِفَ بـ"العالم الألماني الذي اكتشف لقاح كورونا" فحسب، ولم يصفه أحد بالعالم الألماني ذي الأصول المهاجرة.

مثل هذه الصفات التي تُطلق على أبناء الجاليات المهاجرة في ألمانيا، والحاصلين على الجنسية الألمانية، كفيلة بأن تقوم بعزلهم ضمن المجتمع، وإعطائهم صفة الخارجين عن القانون، بالإضافة إلى أنها كفيلة لجعل تلك المجتمعات منغلقة نوعاً ما على نفسها، وهذا كله سوف يصعّب على الحكومة الألمانية خططها، ومشاريعها لدمج الأجانب في المجتمع الألماني. ومما يعزز هذا أيضاً، الشرخ الثقافي الموجود بين المجتمع الألماني والجاليات الأجنبية. وهذا كله يعدّه الكثيرون من أبناء الجاليات المهاجرة، عنصريةً وتمييزاً يمارَس ضدهم، من قِبل مؤسسات الدولة، ويعزز لديهم الشعور بأنهم مواطنون ألمان، ولكن من الدرجة الثانية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard