وصلت روزا عمر، إلى هولندا، في العام 2018، لتلتحق بزوجها الذي سبقها إلى هناك. بعد ثلاث سنوات، امتلكت الحق في تقديم طلب الحصول على الجنسية الهولندية، لأنّها كردية سورية مكتومة القيد، أي أنّها تنتمي إلى الأكراد غير الحاصلين على الجنسية السورية، نتيجة سياسات دولة البعث، حسب ما قالت لرصيف22.
تقول عمر إنّ الأكراد السوريين المكتومي القيد، والفلسطينيين السوريين، ومن في حكمهم من الذين يُصنَّفون تحت خانة "بلا وطن"، يُعامَلون معاملةً خاصة، فعادة ما يحتاج اللاجئون إلى أن يحصلوا على حق إقامة في هولندا، وبعد ذلك عليهم أن ينتظروا خمس سنوات، من أجل الحصول على الإقامة الدائمة، ليحق لهم بعدها تقديم طلب الحصول على الجنسية، شرط اجتياز بعض الامتحانات، ومنها امتحان اللغة الهولندية. إلّا أنّ أولئك الـ"بلا وطن"، يستطيعون تقديم طلباتهم بعد ثلاث سنوات فقط من تاريخ حصولهم على حق اللجوء والإقامة في المملكة الهولندية.
منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، توجّه بعض السوريين نحو هولندا، للاستقرار فيها، ثمّ ازداد العدد خلال الثمانينيات، والتسعينيات، وسنوات بداية الألفية الجديدة، من دون أن تُوجد أرقام رسمية تحصي أعداد السوريين، خلال تلك السنوات
هجرة السوريين إلى هولندا
تُعدّ هولندا من الدول الأكثر تساهلاً في منح الجنسية للأجانب، مقارنةً بالدول الأوروبية الأخرى، إذ تتنازل عن شرط العمل مثلاً، ومستوى اللغة الذي تطلبه، هو المستوى الثاني A2 فقط (حسب المعلومات التي توصّل إليها رصيف22، فإنّ مستوى اللغة المطلوب بعد بداية السنة القادمة، سيصبح B1)، ممّا يغري الكثيرين من المهاجرين، بالتوجه إلى الدولة الواقعة في غرب قارة أوروبا، والتي لا يتجاوز عدد سكانها عشرين مليون نسمة.
منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، توجّه بعض السوريين نحو هولندا، للاستقرار فيها، ثمّ ازداد العدد خلال الثمانينيات، والتسعينيات، وسنوات بداية الألفية الجديدة، من دون أن تُوجد أرقام رسمية تحصي أعداد السوريين، خلال تلك السنوات.
تُعدّ هولندا من الدول الأكثر تساهلاً في منح الجنسية للأجانب.
حينها، أي قبل سنة 2013، لم يكن الحصول على حق اللجوء والإقامة سهلاً على السوريين، حسب السياسي الكردي الهولندي من أصل سوري، عبد السلام يوسف، الذي يقيم في هولندا منذ العام 1993، والذي أضاف في حديثه لرصيف22: "إنّ السوريين آنذاك، لم يستطيعوا الحصول على حق الإقامة بسهولة. بعضهم كانوا ينتظرون أكثر من عشر سنوات، كي يحصلوا على حق اللجوء، وآخرون واجهوا قرارات الطرد، وبعضهم بقوا في المحاكم يقدّمون استئنافاً وراء الآخر، سنواتٍ طويلة".
لكن، وحسب يوسف، فإنّ الأوضاع تغيرت بعد انطلاقة الثورة السورية، وتحولها لاحقاً إلى حرب مفتوحة، وازدياد أعداد اللاجئين السوريين القادمين إلى أوروبا، وضمناً إلى هولندا، حيث قدّمت الحكومة الهولندية تسهيلات للسوريين، لم تكن تقدّمها سابقاً.
يقول يوسف إنّ ذلك حدث قبلاً، حين وصلت أعداد كبيرة من اللاجئين العراقيين إلى أوروبا، وقبلهم اللاجئون الصوماليون، بعد لاجئي دول يوغسلافيا، والمغاربة والأتراك وهكذا، إذ تقدّم الحكومة الهولندية، والحكومات الأوروبية بشكل عام، تسهيلاتٍ للاجئي منطقة معينة، حين تعيش هذه المنطقة حرباً ما، أو وضعاً خاصاً يؤدي إلى موجات نزوح وهجرة.
وجود أعداد كبيرة من السوريين، منذ فترات طويلة، ساهم في وصولهم إلى مراكز مهمة في الحياة الهولندية، حتى أنّ ثلاثة مرشحين إلى مجلس النواب في الانتخابات الأخيرة، من أصول سورية؛ أولهم سومر شعبان الذي ترشّح على قائمة حزب D66، أحد أكبر الأحزاب الألمانية، ومحمد عكّاري الذي ترشّح على قائمة حزب نداء الإسلامي، أول حزب إسلامي هولندي، وأخيراً أندرياس باكير الذي ترشّح على قائمة حزب المنتدى اليميني المتطرف الذي ينتهج سياسات معادية للّجوء والمهاجرين، علماً أنّ الثلاثة لم ينجحوا في الوصول إلى مجلس النواب.
"توجد نظرة عامة مريحة تجاه سوريا، والسياسة الهولندية تجاه السوريين جيدة نسبياً، وذلك لأن الحكومة تعتمد على تحالفات بين أحزاب بعضها متساهل مع اللاجئين، وبعضها الآخر متشدّد، ما يخلق حالة من التوازن"
أرقام رسمية
في بيانات أصدرتها هيئة الإحصاء الهولندية، قالت إنّ حوالي 49 ألف أجنبي حصلوا على الجنسية الهولندية خلال عام 2020، يمثّل السوريون أكثر من 30% منهم، أي ما يقدر بنحو خمسة عشر ألف شخص، بالإضافة إلى الأشخاص المنضوين تحت فئة "عديمي الجنسية، أو مجهولي الجنسية/ بلا وطن"، من أكراد، وفلسطينيين.
وحسب وزارة العدل الهولندية، فإنّ أعداد السوريين الذين وصلوا إلى هولندا، وقدّموا طلبات اللجوء فيها، منذ العام 2013 وحتى شهر نيسان 2021، بلغ 45،240 شخصاً، في الوقت الذي حصل فيه خلال الفترة نفسها، 22،820 سورياً على الجنسية الهولندية، ويُتوقَّع أن يرتفع هذا العدد مع مرور الوقت، "بسبب سهولة الحصول على الجنسية الهولندية نسبياً، وذلك بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى"، حسب ما قال لرصيف22، الطالب الجامعي والناشط أكرم سعود، الذي وصل إلى هولندا، وقدّم فيها طلباً للّجوء في العام 2016.
على سبيل المثال، رفض مجلس الدولة الهولندي ترحيل عدد من السوريين ممن يحملون إقامات يونانية، بحجة "أنّ أوضاع طالبي اللجوء في اليونان غير إنسانية، وتالياً لا تجب إعادتهم إلى ذلك البلد"، على الرغم من وجود اتفاقية دبلن، التي تعطي الحق للدولة الأوروبية بإعادة اللاجئين إلى أول دولة أوروبية وصلوا إليها.
يضيف سعود في حديثه مع رصيف22، أنّ تجربته الشخصية "كانت جيدة جداً، إذ توجد نظرة عامة مريحة تجاه سوريا، والسياسة الهولندية تجاه السوريين جيدة نسبياً، وذلك لأن الحكومة تعتمد على تحالفات بين أحزاب بعضها متساهل مع اللاجئين، وبعضها الآخر متشدّد، ما يخلق حالة من التوازن، وخاصةً أنّ قرارات الحكومة تعتمد بشكل رئيسي على تقارير أمنية يكتبها أشخاص تكنوقراطيون، يهتمون بالحقائق، أكثر من اهتمامهم بالتجاذبات السياسية". لكن سعود يستدرك قائلاً إنّه و"على الرغم من تجربتي الجيدة نسبياً، إلّا أنّني أعي التجارب السيئة، وأنا على علم بالمشكلات والثغرات التي يعاني منها النظام الهولندي، وأرى التمييز العنصري الذي يحدث في بعض الحالات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...