شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أدلّل نفسي لأني أنا الأساس"... أمّهات يودّعن التضحية والتبعية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 27 أكتوبر 202104:54 م

اطلعتُ مؤخراً للمؤثرة السورية في مجال التربية والطفل، غزل البغدادي، صوراً لها في بلد أجنبي، بعيداً عن ابنتها، وسرعان ما انهالت عليها الرسائل التي تحمل عدة أسئلة، منها: كيفَ سافرت دون ابنتك؟ كيفَ استطعت تركها بمفردها؟

جاء رد البغدادي كالتالي: "هذه مساحتي الشخصية التي دربت ابنتي عليها وتقبلتها، أنا هنا لأنني في عطلة هي من حقي ولا أحتاج موافقة من ابنتي، أنا هنا لأكون أحسن لنفسي ولابنتي أيضاً، وهذه من نِعم الاستقلال المادي عليَ كامرأة وكأم أيضاً".

تُطرح أسئلة كهذه على أمهات عاملات، وناجحات، ومستقلات، يأتي فيها العمل والاستقلال المادي في واجهة النقاشات المحتملة والمحتدمة.

تتكرر التعليقات التي قرأتها عن ربط الناس بين خيار النساء للعمل والتحقق المادي بتقصيرهن في دورهن كأمهات، ويوصمن بالتقصير، أو بأن مشاعرهن ليست مرتبطة بما يكفي بأطفالهن.

"لولا الاستقلال المادي.. لما كنت أماً".

تربط هدى، إعلامية جزائرية ثلاثينية، وأم لطفلين، بين نجاحها في عملها، واستقلالها المادي بقدرتها على اختبار تجربة الأمومة، تقول: "لولا الاستقلال المادي.. لما كنت أماً، ولا اختبرت مشاعرَ الأمومة".

اضطرت هدى لخوض تجربةَ علاج حتى تتمكن من الإنجاب، استمرت ثلاث سنوات، مترددة بين الأطباء والتحاليل، دفعت مبلغاً طائلاً تقول إنها لم تكن لتستطيع دفعه دون عملها، الذي حقق لها قبل كل ذلك "أماناً مادياً".

ترفع هدى شعار "أدلل نفسي لأني أنا الأساس"، فلا بد أن تتمتع بصحة جيدة، ومتابعة طبية مستمرة، لتستطيع رعاية أطفالها نفسياً وجسدياً، وترى أن كل ما تفعله في سبيل راحتها وتدليل نفسها ينعكس بالضرورة على مشاعر الأمومة حيال أبنائها.

العمل الحر والأمومة

تخشى الكثير منا، نحن الأمهات المبدعات، أن تضيّق الأمومة علينا خياراتنا، فنجنح إلى الأمان على حساب الشغف وروح الإبداع، ولكن لأميمة رأياً آخر.

أميمة صبحي، مترجمة وكاتبة مصرية، وأم لطفلين، تركت عملها المنتظم الذي كان يوفر لها ذمة مالية مستقلة عن الأهل قبل الزواج، وانتقلت إلى العمل الحر (الفريلانس) في الكتابة والترجمة بعد امتثالها لأعباء الأمومة، ولكن هذا الوضع لم لم يدم طويلاً.

ترفع هدى شعار "أدلل نفسي لأني أنا الأساس"، وترى أن كل ما تفعله في سبيل راحتها وتدليل نفسها ينعكس بالضرورة على مشاعر الأمومة حيال أبنائها

الأعباء كانت أكبر من إمكانية استمرارها في الكتابة، وأدى إلى توقفها نهائياً عن الترجمة، تقول: "عدت للعمل المنتظم بعد انفصالي لأكون لأول مرة، أماً ومستقلة مادياً".

لا تفصل أميمة بين مشاعر الأمومة وتلك الناجمة عن الاستقلال المادي، ولا بين هذين الشعورين وكونها امرأة، تبدو المشاعر متداخلة ومتمازجة حتى النهاية.

وترى أن المال ليس له علاقة بمشاعر الأمومة ونوعيتها، ولكنه بالتأكيد الوسيلة الأمثل لتحسين جودة الحياة، تقول: "لقد مكنني المال من توظيف "ناني" تجلس مع الأطفال طوال أيام الأسبوع بينما أذهب لعملي، محافظة على المستوى المادي لعائلتي وسلامي النفسي أيضاً". ترى أميمة أن احتياجها كأم إلى استقلالها المادي يأتي من متطلبات الأمومة بتوفير كل ما يحتاجه الأبناء مادياً ومعنوياً، ويعود إليها بالضرورة، فهي المسؤولة عنهم، لتحقيق شعور مرضٍ اتجاه أمومتها ونفسها.

تشاطرها في الرأي هبة خميس، قاصة مصرية وأم لطفل، وتضيف أن إحساسها بالأمان المادي تغير بعد الإنجاب، صار مركباً أكثر، ومتداخلاً مع أحاسيس أخرى، تقول: "ابني دائماً هو الأولوية، ينتابني شعور سلبي لو أنفقت المال على نفسي ولم أخصه بشيء". وجود ابن لها دفعها أكثر إلى العمل، والاستقلال المادي، فبعد وفاة زوجها، خرجت لتوفرَ لابنها حياة أحسن، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وهي تشعر بالفخر الآن لأنها استطاعت أن تسجل ابنها في مدرسة دولية لتضمن له تعليماً جيداً.

هندسة الحياة من جديد

دخلت إيمان ريان، فلسطينية، عالم الأمومة كامرأة عاملة. تقول إن عملها أعاد هندسة حياتها وحياة ابنتها. وتضيف: "ساعدني العمل والمال لأكون أماً أحسن".

أحبت إيمان روتين يومها، وتلك الأوقات المفعمة بالمشاعر التي تترك فيها ابنتها، ثم تلقاها من جديد. وتشرح: "أحب وأقدر كثيراً أن هناك مساحة من الوقت بيني وبين إبنتي يافا، كنت أتركها بالحضانة، وحالياً بالروضة، وهذا يجدد طاقة الأمومة بداخلي، لألتقي بها مجدداً، أراها وأحضنها وينعكس عليها ذلك أيضاً، تشتاق لي، وهكذا تقدر أوقاتَ وجودي أكثر".

برغم الوقت القصير الذي تقضيه مع ابنتها، فإنها تسميه "كواليتي تايم"، في إشارة إلى زخمه رغم ضيقه، تقول: "إنه مثمر، وغني، ونستطيع تعويض الأوقات الأخرى أيامَ العطل، لقد ساعدني العمل أن أرتبَ يومي، وجعلت ابنتي رغمَ صغر سنها تفهم هذا وتقدره، من خلال خروجنا صباحاً، بعدَ قيامنا باكراً وتغيير ثيابنا".

تترك إيمان ابنتها أحياناً لأحدهم يعتني بها في غيابها هي وزوجها، بينما تنجز هي مهام "ضرورية" في حياتها.

الاستقلال المادي

ترى سارة، أستاذة جزائرية في التعليم المتوسط، وأم لطفلين، أن الاستقلال المادي سمحَ لها بتصدير صورة جيدة كأم وموظفة ناجحة في آن واحد إلى ابنتها، كما زاد هذا من تقديرها لذاتها.

وتشدد على أن الاستقلال المادي ضمن لأطفالها نفس المستوى المعيشي بعد انفصالها عن زوجها، وحافظ على مساحة الحرية لها ولأبنائها أيضاً.

تمارس سارة حياتها العملية وأمومتها، وهذا خيار تراه أفضلَ من عودتها لبيت أهلها، تقول: "يعني لي أيضاً أن تأتي ابنتي لمكتبي، وتخبر الجميع: ذهبت إلى عمل ماما، ما يرسخ هذه الصورة في ذاكرة ابنتي، وهي صورة قيمة، يهمني أن تجسدها في حياتها".

لقد غيّر الاستقلال المادي للنساء شكلَ الأمومة التقليدية، وأخرجها من دور التضحية الذي تأسست عليه

مؤخراً، أصرت سارة على فتح حساب مصرفي لابنتها، حتى تمنحها مساعدة للانطلاق في الحياة متى كبرت واستقلت، تقول: "لم أكن أستطع القيام بهذه الخطوة لولا عملي ومرتبي".

لقد غيّر الاستقلال المادي للنساء شكلَ الأمومة التقليدية المتعارف عليها، ومنحها صورة جديدة ودوافعَ أكبر لتحقيق الذات، والخروج شيئاً فشيئاً من دور التضحية الذي تأسست عليه، ومنح الوقت الكامل للطفل. هكذا تعود مرة أخرى في اختبار مشاعر مغايرة للنساء الأمهات، أهمها احترام أكبر للذات، والنجاح والاستقلال المادي، وترسيخ صورة ذهنية جديدة قد تتشكل مع الوقت.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard