محاربات وحدهن، اخترن المعركة بأنفسهن، لم يتوقفن أمام هجوم الجميع، لم ينهزمن أمام القيل والقال، يحاولن إضافة الجمال الخاصّ بهن، ورغم ما تعانيه المرأة العزباء في مصر، إلا أنهن اخترن أن يكملن الطريق وحدهن، ويصبحن أمهات بالاحتضان، يتبنَّين أطفالاً مجهولي الهوية.
"عائلتي رفضت وأصدقائي دعموني"
الاحتضان كان فرصتي في الأمومة، تروي نائلة عمر، مهندسة (40 عاماً)، محتضنة لطفلة منذ 3 سنوات، لرصيف22: "كانت الفكرة مسيطرة عليَّ منذ زمنٍ بعيد، وبعدما انفصلتُ عن زوجي منذ 13 عاماً، تجدّدت الفكرة مرة أخرى في ذهني، خاصة وأني أرغب في عيش حياة الأمومة جداً، ومع مرور وقت شعرت أنني أتقدّم في السن، فوجدت أنه الوقت المناسب لاتخاذ خطوةٍ كبيرة كتلك، ويمكن أن تكون تلك هي أهم رسالة لي في الحياة، ورغم توقع جميع من حولي أنني سأفشل في انتزاع الموافقة، لكنني بدأت الاجراءات في نوفمبر 2015، وأتممتها في فبراير 2016".
ترى نائلة أنها "ناجحة" في حماية حياتها الشخصية، ورغم كثرة الاعتراضات من الأهل إلا أنها أصرت على الاحتضان، وفي النهاية خضعوا لها، لأنهم "متدينون"، يرون أن كفالة الأطفال اليتامى لها شأن عظيم دينياً.
عرضت على من حولها من الأهل والأقرباء صورة الطفل التي ترغب في تبنيه، تقول نائلة: "لم يردوا بشيء، لا بالسلب أو الإيجاب".
من ناحية أخرى، تلقت نائلة دعماً معنوياً من أصدقائها، قالوا لها أن التجربة صعبة، ولكنهم وقفوا بجانبها.
أما والدتها، فكان لها شأن آخر، تحكي نائلة: "كانت تعتبر الأمر في البداية مجرّد نزوة أو فكرة عابرة، ولكن عندما جاءت الطفلة إلى المنزل، أدركتْ أن الأمر جاد جداً، في البداية كانت تتعامل معها بدون مشاعر واضحة سواء سلبية أو إيجابية، ولكن مع مرور الوقت وتقدّم ابنتي في السن، بدأت مشاعر الحب والعلاقة اللطيفة بينهم تظهر، وتحوّلت العلاقة لعلاقة جدة بحفيدتها".
البحث عن أب
لم تقف التحديات بالنسبة لنائلة عند هذا الحدّ، عندما أكملت ابنتها عامها الأول، بدأت تبحث عن أيّ رجلٍ ليلعب دور الأب في حياتها، وكانت تجري على أيّ رجل تقابله وتتخيّل أنه والدها.
"السبب الرئيسي في تفضيلي لكفالة طفل، أنني أؤمن أننا في عالم سيء وقاسٍ، فما الذي يدفعني لإنجاب أطفالٍ فيه، بينما هناك أطفال محرومون من الأب والأم والبيت الدافئ"
بدأت المشكلة تبرز لعيني نائلة عندما نزل زوج أخت نائلة من الإمارات في زيارة سريعة، فارتمت في حضنه، تقول: "كانت تلك صدمة لي، ولم أفهم ما تفعله، ثم مع مرور الوقت فهمت أنها بحاجة لرجل في حياتها ليلعب دور الأب، ثم توصلت لاتفاق مع صديقٍ منفصل عن زوجته وعنده طفلة أيضاً في نفس عمر ابنتي، للخروج أسبوعياً وقضاء اليوم معاً، فبدأت المشكلة تأخذ طريق الحل، فكانت فرصة لتعيش جواً أسرياً طبيعياً حتى ليوم واحد أسبوعياً".
وعن آخر ما عانته نائلة تحكي: "لأن ابنتي لم تبلغ 4 سنوات بعد، لم أصارحها حتى الآن، ولكنني واجهت مشكلة مع الحضانة في أحد الأيام، فقد قالت العاملة لها "دي مش مامتك"، ولم أفهم أبداً تصرّفها، وماذا استفادت من هذا التصرف، ففوجئت بها تسألني أكثر من مرة، "هو انتي مامتي"، وحتى الآن لم أفهم لماذا يمكن أن يقدم أحد على جرح طفلةٍ بهذا الشكل؟"
"أنا لست أمك"
أما دينا الغمري، كاتبة، فروت لرصيف22، حكاية احتضانها لطفلها إياد الذي يبلغ من العمر 4 سنوات، فتقول: "الفكرة كانت في رأسي وأنا عمري 20 سنة، وتقدّمت بأول طلب للكفالة في هذا السن، ولكنه طبعاً قوبل بالرفض، لكن السبب الرئيسي في تفضيلي لكفالة طفل، أنني أؤمن أننا في عالم سيء وقاسٍ، فما الذي يدفعني لإنجاب أطفالٍ فيه، بينما هناك أطفال محرومون من الأب والأم والبيت الدافئ".
أما عن ردِّ فعل المحيطين بها، من الأهل والأقرباء، فتقول دينا: "لم يشجّعني أحد، رغم أنه كان يحيط بي أنماط ونماذج مختلفة للتبنّي وكفالة الأطفال، فكان هناك قريبة لنا كفلت طفلاً في سن أحفادها، وكانت عمتي تربي أولاد زوجها، وهكذا، ما يعني أن الفكرة ليست غريبة علينا، كذلك في مرحلة مبكرة من شبابي بعد تخرجي، كنت أعمل مع الأطفال من خلال بعض المجالات التطوعية ولم أشعر يوماً أنهم أغراب عني، بالعكس كنت أحبهم جداً كأنهم أبنائي".
"تعرّضت لمواقف اجتماعية سلبية عديدة، كان أهمها عندما قيل لي "انتي كدة بتوقفي سوقك"
وتتذكر دينا الغمري، "تعرّضت لمواقف اجتماعية سلبية عديدة، كان أهمها عندما قيل لي "انتي كدة بتوقفي سوقك"، وغيره من تلك العبارات، وحتى عندما كان يتقدم لخطبتي أحدهم، كنت أخبره أنني أنوي كفالة طفل، فكان يرفض، ولكنني لست نادمة، فأنا أرى أنني سأكون في موقف صعب لو تزوجت، ثم فشلت في تحقيق أهم رغباتي، وهي كفالة طفل، ولكنني في بعض الأوقات كانت الفكرة تضيع عن بالي، خاصة في وقت الثورة ومع تدافع الأحداث وانخراطي بها وتفاعلي معها".
تحكي دينا عن أكثر مخاوفها، وكيف واجهتها، تقول: عندما أتمَّ طفلي "إياد" الـ4 سنوات، وكنت قد قرّرت مصارحته بأنه طفلي بالكفالة، خاصة وأن هذا السن هو بداية الوعي والإدراك، ولكن لن تكون صدمة بالنسبة له كذلك، وبالفعل تقبّل الموضوع، خاصة أنني لم أحط الموضوع بـ"دراما" أو مأساويات أو أعطيته أكبر من حجمه، وقتها أحضرت كتاباً ورسمت فيه حكايتنا، ووضعت صوراً لنا، ورويت له ما حدث كأنه قصّة للأطفال".
"أخبرت طفلي بالاحتضان عندما أصبح في سن الإدراك 4 سنوات أنه ليس ابني، أحضرت كتابا ورسمت فيه حكايتنا، بلا مأساويات، وتقبل الموضوع"
تدافع دينا عن اختيارها إخبار الطفل بالحقيقة في تلك المرحلة العمرية الحرجة قائلة: "أكبر مسؤولية تقع على عاتق الأم هي إخبار الطفل، خاصة وأن تأخير سن معرفة الطفل يدمّره نفسياً، فمن الوارد أن يعرف من الأغراب ووقتها قد تشكل له صدمة كبيرة، وكذلك من الناحية الطبية، لابد وأن يفهم أنه ليس وارثاً للتاريخ المرضي العائلي، وهو ما يكون مهم معرفته في حالة إصابته بأي مرض".
أحبت دينا تجربتها كأم محتضنة، وتمنت لو تكررها، تقول: "لست نادمة بأي شكل على تجربتي في كفالة الأطفال، بل أنني كنت أتمنى أن أكرّرها، ولكني أخشى أنه مع تقدّم سني، قد لا أستطيع أن أعطي نفس المجهود والطاقة والتركيز لأكثر من طفل".
"الأمومة احتياج ومتعة"
يمنى الدروج من أبرز المحتضنات المتزوجات، صاحبة مبادرة "الاحتضان في مصر"، روت في تصريحات صحفية سابقة عن بداية قصتها، أنها حُرمت من الأمومة لـ10 سنوات كاملة، حاولت فيها بكلّ الطرق ولكن لم تنجح في الإنجاب، حتى توصلت لفكرة كفالة طفلة، فاقترحتها على زوجها ووافق، وبعدها توجها لأحد دور الأيتام، قابلا ليلى، الطفلة ذات الأشهر الثلاثة، فاختاراها بالفعل وبدآ بالإجراءات القانونية.
وتتابع دحروج، رغم أن مصر بها 9543 أسرة محتضنة لـ 9704 طفل، حتى 2018، إلا أنها لاحظت أن المعلومات حول الاحتضان قليلة جداً، وهناك جهل وانعدام معرفة واضح جداً بتلك المسألة، فأسّست صفحتها "الاحتضان في مصر"، حتى تنشر تلك الثقافة بناءً على تجربتها الشخصية، كما تبنَّت مساعدة غير المتزوجات على تبني أطفالهن.
"الشعور بالأمومة ليس غريزة فقط، احتياج نفسي مبني على متعة العطاء"
المعالج النفسي دكتور أحمد نايل، يقول مسلّطاً الضوء على البعد النفسي في حياة المحتضنات العازبات: "أولاً علينا إيضاح أن الأمومة أو شعور الأمومة، ليس غريزة فقط داخل النساء، وإنما يمكن وصفها باحتياج أساسي مبني على متعة العطاء، لذلك لا يمكن الطعن بأي شكل من الأشكال في مشاعر الأم العزباء التي اختارت التبنّي طريقاً لعيش دور الأم، هذا من الناحية النفسية، أما الجانب الاجتماعي فالواقع من حولنا أكبر برهان على أن الأم وحدها قادرة على أن تلعب الدورين في حياة أطفالها، فمع ارتفاع نسب الطلاق بشكلٍ جنوني في السنوات الأخيرة، وتكفل الأمهات بالمسؤولية العاطفية كاملةً تجاه أطفالها، وأحياناً كثيرة المسؤولية المادية كذلك، بل وتنجح فيها، فلا يمكن أن نناقض الواقع وندّعي عدم مقدرة النساء على تلك المهمة".
ويتابع نايل، في تصريح لرصيف22: الأمومة في تلك الحالات ليست عملاً مأجوراً أو إجبارياً من قبل المجتمع والأسرة والعائلة، وإنما هو اختيار حر تماماً، تقبل عليه السيدة غير المتزوجة رغبةً منها في العطاء، في هيئة لعبها دور الأم تجاه طفلٍ تتبناه من دور الأيتام وتحت رعاية وزارة التضامن الاجتماعي، لذلك فأي محاولة في التقليل من أمومة المحتضنات غير المتزوجات، أو الطعن في مدى نجاحهن، ليست منصفة ولا صادقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم