كانت علاقتها بابنها آدم علاقة غير عادية، بالرغم من عمره الذي لم يتخط الأربعة أعوام، فقد كانت لا تشعر بالأمان إلا بجانبه.
آدم كما تقول كان سببها القوي للتمسك بالحياة، بعد محاولتها الانتحار لرفضها العيش مع رجل لا تحبه.
حاولت كثيراً الانفصال عنه لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل، بسبب رفض الأهل وتعنت المجتمع، وحبال المحاكم الطويلة التي لا تمنح المرأة حقها في انفصال آمن عن زوج استحالت معه العشرة، بحسب امرأة عشرينية تسكن في مدينة تابعة لمحافظة الإسماعيلية، وسمت نفسها هند.
الهروب بدلاً عن الانتحار
تقول هند لرصيف22: "أهلي غصبوني عليه، ماقدرتش أقبله، كان بيضربني ويعاشرني غصب، لحد ما خلفت آدم، اتمنيت إنه يتغير، بس بقى أسوأ، كان بيضربني قدام ابني، اللي كنت باحضنه واعيط بعد كل علقة سخنة، وأنا باوعده إن الكابوس ده لازم يخلص في يوم، بس ما كنتش عارفة إزاي".
لعل آدم، ذلك الطفل الصغير، لم يتخيل حينها أن نهاية كابوس أمه سوف تكون بداية كابوسه. استيقظ ذات يوم ولم يجدها، اختفت.
معاناة شديدة عاشتها هند طوال عام كامل، قررت فيه أن تفاوض زوجها على حريتها بعد أن استولت على أمواله، التي عثرت عليها صدفة في منزله، وإيصال أمانة كتبه لأحد المحال التجارية، سددت قيمته وحصلت عليه، وضاعفتها، تعترف لرصيف22. وتضيف: "ماكنش قدامي طريقة تانية غير كده، كان لازم أخلص منه بدل ما أخلص من حياتي، ومالقيتش غير التحايل بعد ما أهلي اتخلوا عني ورفضوا يساعدوني على الطلاق، وأنا ماكنش معايا فلوس عشان أرفع قضية، فجأة لقيت فلوس كتير في البيت، ما فكرتش غير وأنا باخدها وأهرب".
"وابنك ما اخدتيهوش ليه؟"
"ماكنتش عارفه إيه مصيري؟ وما حبيتش أبهدله".
"وليه ما طلبتيش حضانته بعد الطلاق؟"
"جاتلي فرصة ارتباط بشاب كويس، حبيته، وحسيت إني هاعوض بيه سنيني اللي راحت، ورفض ناخد ابني، ماكنش قدامي حل غير إني أسيبه مع أبوه، لو أخدته وما تجوزتش هاصرف عليه منين وأنا ماباشتغلش، ماكنش قدامي حل تاني".
"زوجتي تحلم بالفن"
إن كان الخيار الأليم الذي وقعت فيه هند، بين الزواج الآخر وابنها، فإن خيار زوجة يوسف لا يقل عنها ألماً، بين مشوارها الفني في الغناء وبين حياتها الزوجية والأمومة، بعد رفض زوجها بشكل قاطع أن تكون زوجته "ست البيت وأم العيال"، فنانة أو مغنية.
يوسف ذكري (35 عاماً) محاسب في أحد البنوك، يرعى طفلاً عمره سبع سنوات وطفلة عمرها خمس سنوات.
"تزوجت زواج صالونات، وأنجبنا الأولاد، وكانت حياتنا مستقرة، تخلو من المشكلات والأزمات إلا العادية منها"، يقول يوسف لرصيف22.
"أهلي غصبوني عليه، ماقدرتش أقبله، كان بيضربني، ويعاشرني غصب، لحد ما خلفت آدم، استوليت على أمواله في البيت، وطلبت الطلاق، وارتبطت بغيره"
ويضيف: "ذات يوم وهي تتابع برامج التليفزيون التي تهتم باكتشاف المواهب التي تغرقنا بها الفضائيات طوال العام، صارحتني برغبتها في التقدم لأحدها لأنها تريد أن تصبح مطربة، لم آخذ الموضوع على محمل الجد. فلم أكن أعرف عنها عشقها للغناء لهذه الدرجة، كل ما أعرفه أنها كانت تغني في المطبخ والحمام مثل أي ست مصرية".
تشاجرت زوجته معه لأنه لا يهتم بأحلامها، رفض يوسف بشدة، يقول: "لا أريد أن تصبح زوجتي فنانة"، ويرى أن هذا "حقه" كزوج، ولكنها التحقت بأحد البرامج، وسافرت إلى لبنان، لم تعلمه إلا في لحظة السفر، مما جعله يشعر بـ"إهانة شديدة".
"خيرتها بيني وبين الطفلين ومستقبلها الفني المزعوم. اختارت الغناء وتركتني والطفلين بلا تردد"، يقول يوسف، بعد أن أنهى علاقته بها، بالطلاق الرسمي.
"أمي نستني"
محمد فاروق، (13 عاماً) يسكن بدمياط الجديدة بمحافظة دمياط، تركته أمه لوالده بعد أن أصرت على الانفصال، ووافقت على التنازل عن حضانته حتى يمنحها حريتها.
يحكي محمد عن تجربته بطريقته الطفولية البريئة، قابلناه بحضور والده، فيقول: "كانوا بيتخانقوا كتير، ماعرفش ليه، وكنت بأخاف أنا وأخوي إسلام، وأفضل أحضنه ونستخبي تحت السرير لحد ما يخلصوا خناق وضرب في بعض. وفي يوم جه ناس كتير البيت عندنا، وقعدوا يتكلموا ويتخانقوا وبعدين مشيت أمي معاهم، وأخدت هدومها وشوية حاجات وسابتنا أنا وأخويا".
ويتابع: "يومها عيطينا كتير، وكنت فاكر إنها هاترجع تاخدنا بعد كام يوم، لكن ما رجعتش، كنت باقول أكيد هي بتعيط زينا وهاتيجي تتحايل على بابا وتاخدنا أو هو يرضى يخليها تعيش معانا تاني".
وعندما سألته حول رؤيته لأمه، فأجاب باكياً: "لا خلاص. اتجوزت راجل تاني وجابت ولد غيرنا، بأشوف صورهم على الفيسبوك وهي بتلعب معاه أو بيصيفوا في البحر، ومابتسألش علينا خالص، تقريباً كده نسيتنا".
حزن محمد جعلني أتوجه بالسؤال للدكتورة سهام حسن، أخصائية تعديل سلوك، عن التأثير النفسي والسلوكي لغياب الأم عن حياة طفلها بشكل مفاجئ، تقول: "للأسف غياب الأم، واختفاء دورها الفعلي من حياة أطفالها له بالغ الأثر، فالطفل في أول ثلاث سنوات من عمره يحتاج إلى الإشباع العاطفي والنفسي وإحساس الاستقرار، الذي يستمده من محيطه، مما يشكل شخصيته بشكل كبير".
وتضيف سهام لرصيف22: "عندما تصاب هذه المنظومة (الأسرية) بخلل ما، يفقد الطفل التوازن، ويتأثر استقراره النفسي، ويفتقد لمشاعر الإشباع العاطفي التي لا تشبع من أي شخص آخر يتولى رعايته بديلاً للأم".
الأمومة والطموح
تتوقع سهام لغالبية الأطفال الذين هجرتهم أمهاتهم، بسبب "التعنت الاجتماعي"، مستقبلاً عاطفياً غير مستقر، فينتاب الطفل المتروك شعور بأنه غير مرغوب، ويزداد ميله للارتباط بالأكبر منه سناً، أو يتطور الأمر لرفض الجنس بأكمله، وفقدان الثقة في النساء، وإن تزوج فسيكون أشد سيطرة على زوجته خوفاً من أن تفعل مثل أمه.
وتشدد المعالجة النفسية والكاتبة وفاء شلبي في تصريح لرصيف22 أنه على الأم في حال إنهاء علاقة مؤذية، أو بداية علاقة جديدة عدم التنازل عن مسؤوليتها كأم، تقول: "لا بد أن تظل في حياة أبنائها حتى لو لم يجمعهم بيت واحد، فغيابها الكامل من الصورة يوقع ضرراً كبيراً على الأبناء، خاصة البنت، فمشاعر الرفض تكبر معها، وتتحكم طوال الوقت، وتؤثر عليها بشكل سلبي".
"لا أريدها أن تصبح فنانة، خيرتها بين الفن وبيني أنا والأولاد، فاختارت الغناء"، "للأم كامل الحق في البحث عن مستقبلها وتشكيل حياتها كما تريد"
وتستنكر الدكتورة آمال عويضة، كاتبة بجريدة الأهرام ومهتمة بشؤون المرأة، تركيز الإعلام المصري على فكرة "مسؤولية المرأة الكاملة عن الأبناء، وهذا ليس صحيحاً، لذلك إذا ما فكرت عكس السائد يندهش المجتمع لكسرها الصورة النمطية المتداولة، ويتم مهاجمتها لا لشيء سوى لأنها رفضت أن تتحمل بمفردها مسؤولية يجب أن يتقاسمها معها الأب".
وتشير آمال إلى تأصيل الدراما المصرية لهذه الفكرة الظالمة للأم، عبر أعمال تبجل الأم المضحية، وتتنمر على الأم التي اختارت حقها في الحياة، واعتبارها مذنبة، "في حين أن للأم كامل الحق في البحث عن مستقبلها وتشكيل حياتها كما تريد مثل الزوج تماماً".
وتتابع: "الزوج يستطيع أن يحقق ذاته علمياً وعملياً ومادياً، في حين تفرغ الأم لتربية الأبناء يحرمها من هذا، وتقضي سنوات عمرها في عمل غير مدفوع الأجر، فإذا ما قررت الانفصال تجد نفسها بلا دخل أو مأوى، ومع كل ذلك يطالبها المجتمع بمنتهى الظلم بتحمل مسؤولية الأطفال وحدها".
وتنصح آمال الأزواج بعدم التسرع في الإنجاب، "فالانفصال صعب في وجود أطفال، وزيادة عدد الأبناء تجعل خروج الأم من علاقة سامة أمراً في منتهى الصعوبة"، بحسب رأيها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون