"نسيت أنني امرأة، ولي رغبات جنسية، واحتياجات جسدية طبيعية، أمام هذا الكم من المسؤوليات التي أتحملها وحدي"، تقول غيثة، سيدة مغربية في منتصف الثلاثين من عمرها، بعد مضي ثماني سنوات عن انفصالها عن زوجها.
تحكي السيدة الثلاثينية، تسكن في الدار البيضاء، أنّ قرار الطلاق، اتخذته بنفسها، بعد صراع طويل مع طليقها. في هذا السياق، تقول إنها لم تشعر يوماً، أنها تحبه، أو حتى أنه "رجل يليق بها"، تفسر ذلك بالقول: "تزوجته، لأنه فُرض عليّ، من طرف والدي، كما أنني لا أعرف إلى الآن، كيف وافقت أن يكون زوجاً لي".
تكتفي غيثة بوصف خطبتها وزواجها بالقول إن "ما جرى، كان بمثابة حادث مرور مروّع في حياتها"، كان عليها أن تتعافى وحدها من تداعياته. لهذ تمردت، وقررت طلب الطلاق، وطفلتها لا تزال رضيعة.
"مسؤولياتي تقمع رغباتي"
والآن، مرت ثماني سنوات على طلاقها، ووفقاً لتعبيرها، "لم يلمسني رجل بعد الطلاق، ولم أشعر بأنوثتي أيضاً"، تحكي بنبرة حزينة: "كيبقا فيا راسي (أحزن لحالي) فلازلتُ شابة، جميلة، ومرغوبة"، تستطرد بسرعة: "ولكن متطلبات الحياة المادية، ومسؤولياتي اتجاه ابنتي، تجعلني أقمع رغباتي، وأقول لنفسي انسي، أنت أم لطفلة، عليك أن تتحملي مسؤوليتك اتجاهها وكفى، ما ذنبها هي في كل ما يجرى لك".
وجدت غيثة نفسها، "أمّاً مطلقة عازبة"، هكذا تصف نفسها، بعد طلاقها من زوجها، توضح بأن "زوجها السابق رفض تحمل نفقة طفلته"، وتعلّق على هذا الموضوع بكثير من الأسى: "انفصلت عنه، حين كانت طفلتي تبلغ من العمر ستة أشهر".
"لم يلمسني رجل بعد الطلاق، ولم أشعر بأنوثتي أيضاً، كيبقا فيا راسي (أحزن لحالي) فلازلتُ شابة، جميلة، ومرغوبة، ولكن متطلبات الحياة المادية، ومسؤولياتي اتجاه ابنتي، تجعلني أقمع رغباتي"
وتضيف: "وبعد صراع طويل أمام المحاكم، قضت محكمة الأسرة في الدار البيضاء، بطلاقي منه قبل ثماني سنوات، كما قضت بمبلغ النفقة الذي عليه أن يلتزم به شهرياً اتجاه الطفلة"، وتشير إلى أن يوم الطلاق كان يوماً سعيداً بالنسبة لها، "وأخيراً سأتحرر من رجل غير محترم".
تملّص هذا الرجل "غير المحترم"، كما تصفه غيثة، من مسؤولياته اتجاه طفلته، بعد أن فضل قضاء عقوبته بين جدران السجن، عوض منح مبلغ هزيل لطفلته شهرياً، تملصه أزَّم وضع غيثة، وبالتالي، عليها أن تتحمل مسؤولية الطفلة وحدها، خصوصاً أن أسرتها تنحدر من طبقة فقيرة.
"شخصيتي غامضة"
اشتغلت غيثة، التي تقطن في مدينة الدار البيضاء، "في كل مكان"، كما تقول، في المخبز، في الحمام، في معمل الخياطة، تعلّق على هذا الموضوع: "خصني نجيب الفلوس، يجب البحث عن المال لسد مصاريف الطفلة، من حليب ولباس ومدرسة، أقول وأكرر لا ذنب لها في كل ما يحدث".
وأمام هذا الوضع، قررت غيثة دفن أنوثتها، وعدم التفكير في الحب، أو حتى البحث عن شريك يعوضها عن علاقتها الأولى مع زوجها.
لكنها، في الواقع، سيدة جميلة، وإذا كانت لا ترغب في الدخول في علاقة مع رجل آخر، فالرجال، وفقاً لتعبيرها، لا يتركونها وشأنها، يحاولون إقناعها بفكرة الزواج للمرة الثانية، لكن يبقى هذا المقترح مجرد كلام فقط، فلم يطرق باب بيت والدها، منذ ثماني سنوات أي شخص، بهدف طلب يدها للزواج.
سألنا غيثة عما يعيقها للبدء من جديد مع رجل ثان، أجابت بأنها تتلقّى عروضاً من رجال، يدعونها إلى الدخول في علاقة جنسية تحت غطاء الحب، وتضيف: "لا أخفي أنني على علاقة غرامية مع رجل عازب لكن لا أعتقد اننا سنستمر معاً".
وتشرح السبب: "شخصيتي غامضة، ومحافظة جداً بالنسبة له، وأنا أرى أنه يبحث عن متعة عابرة معي، أرفض ممارسة الجنس معه، على الرغم من أنني أرغب في ذلك بشدة، لكني أخشى أن يتركني أو ينبذني بمجرد إنهاء لذته أو بعد قضاء وطره، أحمي نفسي من هذا الإحساس البشع، إذ يكفيني أنني انكسرت مرة".
لا شك أن غيثة تعيش صراعاً نفسياً، تارة اتجاه رغباتها، وتارة أخرى اتجاه الحدود الذي رسمها المجتمع لها، تخشى أن تتخطى تلك الحدود، وأن يرميها المجتمع بألقاب قاسية: "زانية"، "عاهرة"، كل تلك الأحكام والصفات ترعبها، بالإضافة إلى أنها تخشى الزواج للمرة الثانية، لكيلا يطالبها زوجها السابق بطفلتها، إذ يسقط القانون حضانة الطفل عن الأم بمجرد زواجها من رجل آخر.
"لا أنظر في المرآة إلا بالصدفة".
وأمام هذا الوضع، تقول غيثة: "أعيش وحيدة، حزينة، رفقة طفلتي وأسرتي، لا أنظر في المرآة إلا بالصدفة، أتحاشى التفكير في الحب والاشتياق والرغبات، لا أبالغ إذا قلت لك أنني أكبت مشاعري بواسطة العمل، فأنا أعمل من دون أن أرتاح، من أجل نسيان متطلباتي كامرأة، أرى أن المال وصحتي هما سندي، أحاول تلبية مطالب ابنتي، من مدرسة وملبس، لا أشتري لنفسي ملابس جميلة، فالمال أحياناً لا يكفيني، أكتفي فقط بشراء كل ما تحتاجه ابنتي".
أما عن ابنتها، فهي لم تسألها يوماً عن والدها، ولا تعرف السبب، أخبرتها ذات مرة أن لكل أطفال آباء وأمهات، لكن طفلتها طلبت منها ألا تخبرها بذلك، فهي لا تحب كلمة بابا"، صمتت غيثة، والحزن بادٍ على سحنتها، كما أن عينيها بدأت تدمعان، ثم أردفت: "عندما أخبرتني بذلك، حزنت لأجلها، بالتأكيد طفلتي هي الأخرى لها معاركها الصامتة، وأنا لا أدري بها".
أما فاطمة، فهي في منتصف الأربعين، ذات ملامح جميلة متناسقة، مظهرها يوحي أنها سيدة تقليدية، لباسها عبارة عن جلباب مغربي تقليدي، وغطاء للرأس. بعد عشرة طيبة رفقة زوجها، فاجأها مرضه، ثم توفي تاركاً لها أربعة أطفال، فضلاً عن ممتلكات خاصة.
الزواج والواقع المر
لم تخف فاطمة لرصيف22 رغبتها في الزواج مجدداً. تقول إنها امرأة لها مشاعر، وغرائز، لكن هذه الرغبة تصطدم بواقع مر، كما وصفته.
ترى فاطمة أن من الصعب أن تتزوج للمرة الثانية، وذلك لسببين، الأول أطفالها الأربعة، ففكرة أن يعيشوا تحت سقف رجل آخر صعبة بالنسبة لهم، أما السبب الثاني، فهي أنها تخاف من النصب عليها باسم الزواج، لا سيما أن زوجها المتوفي ترك لها عقارات قد تثير لعاب الطماعين.
لذا قررت كبت تلك المشاعر التي تتمرد عليها بين الفترة والأخرى.
"تأتي علي فترات في الشهر، تستفيض فيها أنوثتي، وتحيي فيّ تلك المشاعر الجياشة، والرغبة التي هي عبارة عن حب واشتياق لجسد رجل، ولسماع كلامه المعسول، لكنها تصطدم بواقع آخر"
تقول في هذا الصدد، إنها أمام مشاغل الحياة تتجاهل أنوثتها، ومع ذلك تخذلها الرغبات الجنسية التي تعكر مزاجها، تسترسل: "تأتي علي فترات في الشهر، تستفيض فيها أنوثتي، وتحيي فيّ تلك المشاعر الجياشة، والرغبة التي هي عبارة عن حب واشتياق لجسد رجل، ولسماع كلامه المعسول، الذي يحسن مزاجنا نحن النساء"، تصمت لبرهة، ثم تتابع: "لكن هذه الرغبات السالفة الذكر تصطدم بواقع آخر، واقع أنني امرأة بدون رجل".
وتعترف أن هذا الوضع المتمثّل في أنها أرملة وحيدة يغضبها، ويترجم هذا الغضب في تعكير مزاجها، بالصراخ على أطفالها، أو افتعال شجار مع معارفها، وأحياناً تكتفي بذرف الدموع وحيدة.
المجتمع والأمهات المثاليات
يقول شكري عواد، باحث في علم الاجتماع، لرصيف22 إن "ثقافة المجتمع المغربي تضع المرأة المطلقة او الأرملة، محط أنظار الرجال؛ فالبعض يراهنّ ضعيفات، من السهل الوصول إليهن، لأنهن وحيدات يبحثن عن العاطفة".
ويضيف: "فجأة، تجد المرأة نفسها مرغوبة من الرجال، يطلبون ودها، محاولين إقناعها بالموافقة على الدخول في علاقات غرامية مفتوحة معهم، وكثيراً ما تجد الأرملة والمطلقة نفسها ضحية تحرش من الذين لم يستطيعوا التجرؤ عليها قبل الزواج".
ويتابع شكري: "أطفال هؤلاء النساء يصبحون عرضة للتنمر بين أقرانهم، والسبب أن المرأة هي التي تشرف على تربيتهم بدون رجل، وبالتالي تجد البعض لا ينادي الطفل باسمه، بل باسم أمه، "ابن فلانة"، محاولاً التقليل من شأنه".
من الناحية الأخرى، يدعو المجتمع هؤلاء النسوة اللواتي يربين أطفالاً إلى أن "يكن أمهات وكفى، إذ يفرض عليهن أن يكن مثاليات، والعطاء بدون حدود ولا مقابل، كما يرفض أن تكون لهن رغبات واحتياجات جسدية وجنسية"، يقول شكري عواد ويضيف: "بعضهن يضعن أنفسهن محط التفاني والتضحية، فيصبحن سجينات لتصورات مثالية عن العطاء بلا مقابل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...