شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"كان خائفاً"... نساء يخطبن لأنفسهن في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 17 أكتوبر 202105:47 م

تعرفت جميلة، وهي جزائرية في العقد الرابع من عمرها موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية، على زميل لها في العمل، يكبرها بعامين، وبعد فترة وجيزة صارا يخرجان سوية بشكل معتاد، أعجبت بطباعه، وحسن خلقه.

"بعد فترة وجيزة من التعارف، بدأت تظهر عليها أبرز علامات الشعور بالحب، كالتحديق في عينه عند التحدث معه، والتفكير فيه طوال اليوم، وهي نفس العلامات التي كانت تظهر عليه".

شعرت جميلة أن صديقها "متردد إلى أقصى الحدود"، رغم أن عينيه كانتا تعبران عن "الكثير من الكلام"، بررت جميلة ذلك لنفسها أنه كان خائفاً من أن "تنكسر رجولته إذا رفضته، وتهتز ثقته، وذلك بسبب فارق العمر".

تنهدت جميلة، مضيفة: "في الصغر كنت أسمع أن الرجل هو من يبادر بخطبة المرأة، إذا ما قرر الزواج وإتمام نصف الدين، وهو تقليد لا بد منه في مجتمعنا، فالرجل يقطع أشواطاً كثيرة من أجل الحصول على موافقة أهل من ينوي الاقتران بها".

"منذ القدم والآباء هم من يخطبون، ولا يمكن للزوج رؤية زوجته حتى ليلة الدخلة، ولا يزال هذا التقليد سائداً حتى الآن، لذا لم أكن أتصور يوماً أني سأكون من بين اللواتي يخطبن لأنفسهن".

الخاطبة جميلة وثرية

وقد أثارت الصحافة الجزائرية منذ عقد تقريباً موضوع خطبة النساء لأنفسهن، أو لبناتهن، وحرضت بعض المقالات على ذلك، وتوقع تقرير منشور في صحيفة الشروق عام 2011 أن يأتي زمان تقصد الفتاة فيه إحدى العائلات "التي تعلم بأن لها ابناً عازباً، لتعرض عليهم الزواج".

ولكن التقرير شدَّد على ضرورة أن تكون المرأة المتقدمة هي الأكثر ثراءً، ومتفوقة في الجمال، حتى لا يُستهان بها.

رفضها بسبب أنها "فقيرة"، و"متوسطة الجمال".

واستعرض قصة "حفيظة"، خطبت ابن عمتها، فرفضها بسبب أنها "فقيرة"، و"متوسطة الجمال"، لذا فقد ترددت جميلة طويلاً، فهي أيضاً كانت تخشى أن تفقده، والصمت الذي التزمه سبب لها "توتراً، وخوفاُ شديداً".

تقول جميلة: "قررت الاختفاء عن الأنظار حتى أستكشف نفسي داخلياً، وقد كانت هذه التجربة مؤلمة جداً لأنني كنت أكره منذ الصغر حالات الظلمة والوحدة، لكني كنت مضطرة لخوضها لأنني لا أستطيع أن أرى الأمور بوضوح إلا إذا ابتعدت".

"كل الخيارات كانت مطروحة أمامي بما فيها أن أعرض عليه الزواج، رغم أن هذه الخطوة تتعارض مع الاعتقادات والسلوكيات المتوارثة من جيل إلى آخر".

وتكمل: "قررت في آخر المطاف أن أكمل حياتي معه، غير آبهة بالعواقب الوخيمة التي يمكن أن تقع وراء عاطفتي".

"عرضت عليه أن أتزوجه خلافاً للتقاليد، لأنه كان خائفاً أن تنكسر رجولته إذا رفضته، ونعمت بالاستقرار بعد الزواج، فلا أحد يعرف أنني أكبر منه عمراً، أو أنني من خطبته"

ترى جميلة أن المرأة الجزائرية، خاصة في حال الرفض، إذا خطبت الرجل تتعرض لإهانة كبيرة، وينظر لها باعتبارها "سلعة للبيع".

"رغم أن الأمر لم يكن هيناً في البداية، وتطلب الوضع بذل مجهود كبير، غير أنني عشت علاقة زواج طبيعية مليئة بالحب، ومفعمة بالسعادة والاستقرار العاطفي، بسبب تفهم زوجي، وتكتمه على طريقة ارتباطنا، فلا أحد يعلم أنني أكبره سناً أو أنني من عرضت عليه الارتباط وليس العكس".

"خطبته في مجلس عزاء"

ذهبت يسرا، ربة بيت في العقد الرابع من عمرها، إلى مجلس عزاء الرجل الذي أصبح زوجها، كانت زوجته الأولى وقريبته قد رحلت، وتركت خلفها ثلاثة أطفال صغار.

"بمجرد نهاية العزاء، فكرت في أن أعرض الزواج عليه، وإحياء سنن زوجات الأنبياء، فهو كان في أمس الحاجة لزوجة ترعى أطفاله الصغار، وتوفر لهم الحب والأمل، وحتى أنا كنت أبحث عن الاستقرار لأنني لم أتذوق طعم الحياة الهادئة بعد وفاة والدي"، تقول يسرى.

يسرى هي الأخرى، عرضت عليه الزواج، ونجحت في مسعاها.

"لا تتكلل هذه العلاقات دائماً بالنجاح"، تقول الناشطة دليلة حسين لرصيف22: "بعض الشباب في المجتمع الجزائري يلجؤون للتشهير بهذه العلاقات على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف التهكم والسخرية والاستهزاء من النساء اللواتي يبادرن بالخطبة، وهو ما يجعلهن عرضة لاضطرابات نفسية خطيرة بسبب التشهير بهن".

"كان ينزل كل رجل معروف بأخلاقه النبيلة إلى الأسواق الأسبوعية، مثل سوق الماشية، وهو يضع نعناعة فوق أذنه كدليل على أنه أب لامرأة أو نساء بلغن سن الزواج"

ورغم حديث الصحافة الجزائرية عن النساء المبادرات بالزواج، إلا أن دليلة حسين ترى أن تلك الحالات لم تصل إلى مرحلة الظاهرة بعد، واستبعدت حدوث ذلك، ولكنها موجودة في بعض العائلات، وترتبط بالطريقة التي يُعرض الموضوع بها، فهل هي مثلاً مبتذلة جاءت بعد علاقة غرامية وجنسية انتهت بثمرة "غير شرعية"، على حد تعبيرها، وفي هذه الحالة تتنازل المرأة عن كبريائها وكرامتها أو أنها تتبع طريقة تحفظ من خلالها ماء وجهها.

وتنظر الناشطة إلى المثل الشعبي القديم المتداول في الجزائر: "اخطب لبنتك ومتخطبش لابنك"، وهو يحض الوالد على اختيار الرجل المناسب لابنته، إلى أنه لا يعكس السلوكيات المألوفة في المجتمع، تقول: "هذه القضية يتعامل معها بنوع من الإحراج والحساسية المفرطة".

نعناعة فوق أذن الأب

تقول دليلة: "في زمن الأجداد، كان الرجل ينزل إلى السوق وهو يضع فوق أذنه نعناعة (عشب عطري) كدليل على أنه أب لبنات وصلن إلى عتبة الزواج، فهو يوجه دعوة غير مباشرة لمن يريد أن يتزوج ويكمل نصف دينه، أن يخطب واحدة من بناته".

بهذه الطريقة، تزوجت الخالة وردية، في العقد السادس من عمرها، تقول عن والدها: "في زمن مضى كان ينزل كل رجل معروف بأخلاقه النبيلة إلى الأسواق الأسبوعية، مثل سوق الماشية، وهو يضع نعناعة فوق أذنه كدليل على أنه أب لامرأة أو نساء بلغن سن الزواج".

وتتذكر دليلة حسين، إحدى القصص التي صادفتها خلال عملها كرئيسة جمعية "نور" للمرأة والأسرة والطفل، تعود لفتاة تعلقت بحب طالب في الجامعة، كان يقدم دروساً في المصلى، ويخطب بالناس، ويصلي بهم يوم الجمعة.

"تعاملت الفتاة مع الموضوع بنوع من الذكاء والفطنة حتى لا تتعرض لأي نوع من الإحراج، إذ عرضت عليه الزواج في رسالة بعثت بها مع صديقتها، وتعامل الشاب باحترام وتقدير معها، إذ اعتذر وأخطرها أنه مرتبط وطويت القصة دون أن يسمع بها أحد".

ويثمن رئيس نقابة الأئمة بالجزائر جلول حجيمي، مبادرات الفتيات في التقدم لخطبة الرجال، ويشدد على أنها لا تقلل أبداً من شأن المرأة، "بل بالعكس، فهذه المبادرات من شأنها التقليل من ظواهر الانحلال الأخلاقي في المجتمع"، على حد تعبيره.

ويقارن جلول تلك الطريقة، بطرق أخرى شائعة مثل اللجوء للسحر والشعوذة، أو استخدام أساليب "خادشة للحياء".

ورغم سيادة الطابع المحافظ على المجتمع الجزائري، وعدم مخالفة تلك الطريقة للأحكام الدينية، إلا أننا يبدو أن أمامنا شوط كبير لتقبل المجتمع مبادرات النساء تلك، وتطبع المجتمع بها، خاصة إن لم تكن المرأة المبادرة هي الأكثر تفوقاً على الرجل، اجتماعياً ومادياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard