تعرفت جميلة، وهي جزائرية في العقد الرابع من عمرها موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية، على زميل لها في العمل، يكبرها بعامين، وبعد فترة وجيزة صارا يخرجان سوية بشكل معتاد، أعجبت بطباعه، وحسن خلقه.
"بعد فترة وجيزة من التعارف، بدأت تظهر عليها أبرز علامات الشعور بالحب، كالتحديق في عينه عند التحدث معه، والتفكير فيه طوال اليوم، وهي نفس العلامات التي كانت تظهر عليه".
شعرت جميلة أن صديقها "متردد إلى أقصى الحدود"، رغم أن عينيه كانتا تعبران عن "الكثير من الكلام"، بررت جميلة ذلك لنفسها أنه كان خائفاً من أن "تنكسر رجولته إذا رفضته، وتهتز ثقته، وذلك بسبب فارق العمر".
تنهدت جميلة، مضيفة: "في الصغر كنت أسمع أن الرجل هو من يبادر بخطبة المرأة، إذا ما قرر الزواج وإتمام نصف الدين، وهو تقليد لا بد منه في مجتمعنا، فالرجل يقطع أشواطاً كثيرة من أجل الحصول على موافقة أهل من ينوي الاقتران بها".
"منذ القدم والآباء هم من يخطبون، ولا يمكن للزوج رؤية زوجته حتى ليلة الدخلة، ولا يزال هذا التقليد سائداً حتى الآن، لذا لم أكن أتصور يوماً أني سأكون من بين اللواتي يخطبن لأنفسهن".
الخاطبة جميلة وثرية
وقد أثارت الصحافة الجزائرية منذ عقد تقريباً موضوع خطبة النساء لأنفسهن، أو لبناتهن، وحرضت بعض المقالات على ذلك، وتوقع تقرير منشور في صحيفة الشروق عام 2011 أن يأتي زمان تقصد الفتاة فيه إحدى العائلات "التي تعلم بأن لها ابناً عازباً، لتعرض عليهم الزواج".
ولكن التقرير شدَّد على ضرورة أن تكون المرأة المتقدمة هي الأكثر ثراءً، ومتفوقة في الجمال، حتى لا يُستهان بها.
رفضها بسبب أنها "فقيرة"، و"متوسطة الجمال".
واستعرض قصة "حفيظة"، خطبت ابن عمتها، فرفضها بسبب أنها "فقيرة"، و"متوسطة الجمال"، لذا فقد ترددت جميلة طويلاً، فهي أيضاً كانت تخشى أن تفقده، والصمت الذي التزمه سبب لها "توتراً، وخوفاُ شديداً".
تقول جميلة: "قررت الاختفاء عن الأنظار حتى أستكشف نفسي داخلياً، وقد كانت هذه التجربة مؤلمة جداً لأنني كنت أكره منذ الصغر حالات الظلمة والوحدة، لكني كنت مضطرة لخوضها لأنني لا أستطيع أن أرى الأمور بوضوح إلا إذا ابتعدت".
"كل الخيارات كانت مطروحة أمامي بما فيها أن أعرض عليه الزواج، رغم أن هذه الخطوة تتعارض مع الاعتقادات والسلوكيات المتوارثة من جيل إلى آخر".
وتكمل: "قررت في آخر المطاف أن أكمل حياتي معه، غير آبهة بالعواقب الوخيمة التي يمكن أن تقع وراء عاطفتي".
"عرضت عليه أن أتزوجه خلافاً للتقاليد، لأنه كان خائفاً أن تنكسر رجولته إذا رفضته، ونعمت بالاستقرار بعد الزواج، فلا أحد يعرف أنني أكبر منه عمراً، أو أنني من خطبته"
ترى جميلة أن المرأة الجزائرية، خاصة في حال الرفض، إذا خطبت الرجل تتعرض لإهانة كبيرة، وينظر لها باعتبارها "سلعة للبيع".
"رغم أن الأمر لم يكن هيناً في البداية، وتطلب الوضع بذل مجهود كبير، غير أنني عشت علاقة زواج طبيعية مليئة بالحب، ومفعمة بالسعادة والاستقرار العاطفي، بسبب تفهم زوجي، وتكتمه على طريقة ارتباطنا، فلا أحد يعلم أنني أكبره سناً أو أنني من عرضت عليه الارتباط وليس العكس".
"خطبته في مجلس عزاء"
ذهبت يسرا، ربة بيت في العقد الرابع من عمرها، إلى مجلس عزاء الرجل الذي أصبح زوجها، كانت زوجته الأولى وقريبته قد رحلت، وتركت خلفها ثلاثة أطفال صغار.
"بمجرد نهاية العزاء، فكرت في أن أعرض الزواج عليه، وإحياء سنن زوجات الأنبياء، فهو كان في أمس الحاجة لزوجة ترعى أطفاله الصغار، وتوفر لهم الحب والأمل، وحتى أنا كنت أبحث عن الاستقرار لأنني لم أتذوق طعم الحياة الهادئة بعد وفاة والدي"، تقول يسرى.
يسرى هي الأخرى، عرضت عليه الزواج، ونجحت في مسعاها.
"لا تتكلل هذه العلاقات دائماً بالنجاح"، تقول الناشطة دليلة حسين لرصيف22: "بعض الشباب في المجتمع الجزائري يلجؤون للتشهير بهذه العلاقات على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف التهكم والسخرية والاستهزاء من النساء اللواتي يبادرن بالخطبة، وهو ما يجعلهن عرضة لاضطرابات نفسية خطيرة بسبب التشهير بهن".
"كان ينزل كل رجل معروف بأخلاقه النبيلة إلى الأسواق الأسبوعية، مثل سوق الماشية، وهو يضع نعناعة فوق أذنه كدليل على أنه أب لامرأة أو نساء بلغن سن الزواج"
ورغم حديث الصحافة الجزائرية عن النساء المبادرات بالزواج، إلا أن دليلة حسين ترى أن تلك الحالات لم تصل إلى مرحلة الظاهرة بعد، واستبعدت حدوث ذلك، ولكنها موجودة في بعض العائلات، وترتبط بالطريقة التي يُعرض الموضوع بها، فهل هي مثلاً مبتذلة جاءت بعد علاقة غرامية وجنسية انتهت بثمرة "غير شرعية"، على حد تعبيرها، وفي هذه الحالة تتنازل المرأة عن كبريائها وكرامتها أو أنها تتبع طريقة تحفظ من خلالها ماء وجهها.
وتنظر الناشطة إلى المثل الشعبي القديم المتداول في الجزائر: "اخطب لبنتك ومتخطبش لابنك"، وهو يحض الوالد على اختيار الرجل المناسب لابنته، إلى أنه لا يعكس السلوكيات المألوفة في المجتمع، تقول: "هذه القضية يتعامل معها بنوع من الإحراج والحساسية المفرطة".
نعناعة فوق أذن الأب
تقول دليلة: "في زمن الأجداد، كان الرجل ينزل إلى السوق وهو يضع فوق أذنه نعناعة (عشب عطري) كدليل على أنه أب لبنات وصلن إلى عتبة الزواج، فهو يوجه دعوة غير مباشرة لمن يريد أن يتزوج ويكمل نصف دينه، أن يخطب واحدة من بناته".
بهذه الطريقة، تزوجت الخالة وردية، في العقد السادس من عمرها، تقول عن والدها: "في زمن مضى كان ينزل كل رجل معروف بأخلاقه النبيلة إلى الأسواق الأسبوعية، مثل سوق الماشية، وهو يضع نعناعة فوق أذنه كدليل على أنه أب لامرأة أو نساء بلغن سن الزواج".
وتتذكر دليلة حسين، إحدى القصص التي صادفتها خلال عملها كرئيسة جمعية "نور" للمرأة والأسرة والطفل، تعود لفتاة تعلقت بحب طالب في الجامعة، كان يقدم دروساً في المصلى، ويخطب بالناس، ويصلي بهم يوم الجمعة.
"تعاملت الفتاة مع الموضوع بنوع من الذكاء والفطنة حتى لا تتعرض لأي نوع من الإحراج، إذ عرضت عليه الزواج في رسالة بعثت بها مع صديقتها، وتعامل الشاب باحترام وتقدير معها، إذ اعتذر وأخطرها أنه مرتبط وطويت القصة دون أن يسمع بها أحد".
ويثمن رئيس نقابة الأئمة بالجزائر جلول حجيمي، مبادرات الفتيات في التقدم لخطبة الرجال، ويشدد على أنها لا تقلل أبداً من شأن المرأة، "بل بالعكس، فهذه المبادرات من شأنها التقليل من ظواهر الانحلال الأخلاقي في المجتمع"، على حد تعبيره.
ويقارن جلول تلك الطريقة، بطرق أخرى شائعة مثل اللجوء للسحر والشعوذة، أو استخدام أساليب "خادشة للحياء".
ورغم سيادة الطابع المحافظ على المجتمع الجزائري، وعدم مخالفة تلك الطريقة للأحكام الدينية، إلا أننا يبدو أن أمامنا شوط كبير لتقبل المجتمع مبادرات النساء تلك، وتطبع المجتمع بها، خاصة إن لم تكن المرأة المبادرة هي الأكثر تفوقاً على الرجل، اجتماعياً ومادياً.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.