"والدي ساعد خطيبي"
تروي أحلام: "عندما أراد زوجي التقدم لطلب يدي، كدت أجنّ من كثرة التفكير، لم أذق طعم النوم لأيام طويلة لأني كنت على علم بوضعه المادي، وشرحت لوالدتي الأمر حتى لا يثقل والدي كاهله بالشروط المادية، حتى هو تعب من التفكير الطويل، وفكر مرات عديدة بالانسحاب وعدم الارتباط، لأن تكاليف الزواج في مجتمعنا تضاهي قيمة إنشاء مشاريع استثمارية من الدرجة الأولى"، وتضيف: "استغرقت أياماً طويلة في التفكير، لعلي أجد مخرجاً لمساعدته حتى نجتمع سوياً، وكلما كان يقترب موعد لقاء زوجي بوالدي كنت أريد يتوقف الزمن، وبالفعل دقت ساعة الحسم ووقع ما لم يكن في الحسبان".
تقول أحلام إن والدها وافق دون أية شروط تذكر، حتى إنه لم يستفسر عن مكان إقامتنا بعد العرس، وأبلغه أن الأهم بالنسبة إليه هو سعادتي، "حينها انهمرت الدموع من عيني وانتابني شعور غامر بالفرح".
"الناس ابتكروا أساليب وطرقاً جديدة للاحتفال، فهناك من يأخذ عروسته وينزل إلى الشاطئ وهي بفستان الزفاف الأبيض، ويلتقطان صوراً، وهناك من يفضل الهروب إلى حضن المناطق السياحية والطبيعية التي تزخر بها الجزائر، بعيداً عن الصخب والضجيج"
مساحة الفرح عند أحلام اتسعت كثيراً بعد أن مد والدها يد المساعدة لخطيبها، وتضيف: "عندما اقترب موعد الخطبة اتصل والدي بزوجي ليبلغه بعدم اقتناء الذهب، حيث يتكفل الزوج في الجزائر بشراء خاتم وأقراط وأساور وعقد، وطالبه بالاكتفاء ببعض الألبسة التي تدخل في جهاز العروس، كالعطور ومساحيق التجمل وحقائب اليد وغيرها، كما أن والدي اكتفى بأخذ مبلغ قدره ألف دينار جزائري من أصل 15 مليون سنتيم قدمها زوجي كمهر، حتى أن والدتي اقتنت بعض الهدايا، وطالبت مني تقديمها لزوجي ليضعها في جهاز العروس".
"تسقيف المهور"
وبموازاة ذلك، تذكر أحلام أن الكثير من المناطق في الجزائر لجأت إلى "تسقيف المهور" لتشجيع الشباب على الزواج، وهو الإطار الوحيد المقبول اجتماعياً للممارسة الحميمية في البلاد، تقول: "الكثير من أصدقائي في الجامعة تخلّوا عن فكرة الزواج، رغم علاقة الحب القوية التي كانت تجمع بينهم، بسبب المغالاة في تكاليف الأعراس التي تتجاوز في بعض المناطق 5000 دولار".
وقبل عامين، اضطر العديد في قرى المداشر والأعراش في الجزائر، على إبرام اتفاقيات جماعية لتسقيف المهور لإسقاط المغالاة في تكاليف الأعراس. ففي عام 2016 كشف الديوان الجزائري للإحصاء، أن معدل الزواج في الجزائر تقلص هذه السنة إلى 12 ألف حالة مقارنة مع 2015، أي ما يعادل انخفاضاً بنسبة 3%، حيث تراجع الإقبال على الزواج عموماً إلى 9%، وقفز سنُّ الزواج عند الرجال إلى 33 سنة وعند النساء أصبح 29 سنة.
قفز سنُّ الزواج عند الرجال إلى 33 سنة وعند النساء أصبح 29 سنة.
ومن بين ما تم الاتفاق عليه، تخفيض تكاليف الزواج إلى 20 مليون دينار، بعدما ارتفعت إجمالا إلى أكثر من 80 مليون، عشرة آلاف دولار، في السنوات الأخيرة، وتجسدت هذه النظرة بشكل كبير في خضم أزمة كورونا عند الشباب، حيث قرّروا طي صفحة الطقوس التقليدية الخاصة بالزفاف ومواكبة العصر.
ويقول محمد، في العقد الثالث من عمره، من منطقة آريس، شرق العاصمة الجزائر، يعمل بوظيفة حكومية، في حديث لـرصيف22، إن العديد من الأعراس المنتشرة في حيه الذي يسطن فيه، لجأت إلى مراجعة تكاليف الزواج، بما فيها تسقيف المهور، وجميع مظاهر التبذير والبذخ، لتسهيل الزواج، ومواجهة ظاهرة تأخر الزواج المتفشية بشكل كبير في المجتمع الجزائري. ومن بين الشروط التي وضعها سكان منطقته، تقديم مبلغ مالي يتراوح بين 300 و500 دولار أمريكي، يقدمه العريس لـ"ولي العروسة"، لاقتناء بعض من متطلباتها الشخصية، كالعطور والألبسة اليومية.
"لا حمام عروس ولا حنة"
ريما، شابة جزائرية، في العقد الثاني من عمرها، موظفة في القطاع الخاص، من عائلة محافظة، متزوجة حديثاً، تقول لرصيف22 إنها تحدت برفقة زوجها رغبة عائلتيهما في إقامة مراسيم عرس تقليدي، وتحكي ريما: "كوني طفلة وحيدة عند والدي، أصر أبي على إقامة عرس فاخر في إحدى قاعات الأفراح الفاخرة، وتأجيل حفل الزفاف إلى العام القادم بسبب جائحة كورونا التي باغتت الجزائر والعالم بأسره، غير أنني اتفقت مع زوجي على إقامة حفل بسيط للغاية، ونجحنا في إقناع والدي، لأنه لا أحد يعرف متى سيزول هذا الوباء".
وتقول: "حفل الزفاف كان مختلفاً عن الأعراس التي حضرتها أو نظمتها عائلتي، حضره 29 شخصاً فقط من أسرتينا، جميعهم أجبروا على وضع الكمامات واحترام مسافات التباعد الاجتماعي، لم يكن هناك غناء ورقص وتسامر، حتى أن طريقة اللباس عند النساء تغيرت، حيث عوضت فساتين السهرة البسيطة الأزياء التقليدية الجزائرية، وأيضاً أدخلت تغييرات جذرية على قائمة الأطعمة، واستغنينا على الأطباق التقليدية المعروفة، كالمثوم وطبق الكسكسي الشهير والبوراك والشربة، وعوضناها بأطباق المطاعم الجاهزة المكونة من الدجاج المحمر وبعض المملحات والمقبلات الغربية".
إضافة إلى ذلك تؤكد ريما أنها تخلت عن كثير من الطقوس التي كانت تمتد على مدار 7 أيام و7 ليال، منها حمام العروس الجزائرية و "الحنة" و"التصديرة"، وهي طقوس مشتركة بين كل المناطق في الجزائر، لكنها تختلف بتنوع الموروث الثقافي لكل منطقة، فهي عبارة عن ملابس تقليدية تقوم العروس بشرائها أو خياطتها.
"الكثير من أصدقائي في الجامعة تخلّوا عن فكرة الزواج، رغم علاقة الحب القوية التي كانت تجمع بينهم، بسبب المغالاة في تكاليف الأعراس التي تتجاوز في بعض المناطق 5000 دولار"
وتحكي ريما عن أعراس صديقاتها وأصدقائها، فتقول إن الناس ابتكروا أساليب وطرقاً جديدة للاحتفال، فهناك من يأخذ عروسته وينزل إلى الشاطئ وهي بفستان الزفاف الأبيض، ويلتقطان صوراً، وهناك من يفضل الهروب إلى حضن المناطق السياحية والطبيعية التي تزخر بها الجزائر، بعيداً عن الصخب والضجيج، وهي عادات لم نشهدها من قبل في الجزائر.
ورحب رئيس نقابة الأئمة، جلول حجيمي، بهذه التغيرات التي طالت مراسم الزواج، وقال في تصريح لرصيف22: "إن الظروف الراهنة أجبرت المجتمعات، ومنها الجزائر، على التعامل مع الأوضاع والحفاظ على الأصل".
يقول حجيمي: "ولعل من فوائد كورونا أنها قلّصت الأعباء الإضافية على المتزوجين وأسرهم، وأجبرتهم على الاكتفاء بعقد شرعي، لوازم بسيطة وعدد قليل من المدعوين، فمقتضيات الحال دفعت إلى عدم الإسراف والتلف والمزايدة".
وتوقع جلول حجيمي، أن يساهم هذا التوجّه في التخفيف من ظاهرة تأخر الزواج لدى الفتيات والشباب الجزائريين، والتي شهدت ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون