"كنت طفلة صغيرة بريئة، في السادسة من عمري، أحتضن دميتي التي أهداني إياها جدي رحمه الله، كنت غارقة في خياطة فستان دميتي من ثياب أمي البالية، حينها طلب مني الوقوف أمام عجوز ستينية، وفتحت رجلي الاثنتين، ثم بدأت بتمرير قفل بمفتاحه، وبدأت تتفوه بكلمات لم أفهمها"، تروي سهام، شابة جزائرية في العقد الثالث من عمرها، من منطقة "باب الزوار" شرقي العاصمة الجزائر.
تقول سهام لـرصيف22: "في تلك اللحظة، فضولي دفعني لمعرفة ما كانت تفعله المرأة العجوز بين رجلي، كنت أريد أن أعرف كل شيء، لكن كل محاولاتي باءت بالفشل، حتى أنني فشلت في سماع الكلام الذي دار بين والدتي والعجوز، بعدما أغلقتا باب الصالون على نفسيهما، وعدت بعدها إلى عالمي، الذي كان صغيراً وبريئاً".
أسطورة "الربط"
"بقيت على ذلك الحال، أحسب الأيام والسنين لأصبح كبيرة وأنضج، كما قيل لي، لأعرف ما كانت تقوم به تلك العجوز، لكن حينما علمت بالأمر تمنيت لو أنني بقيت طول العمر طفلة صغيرة".
وتشرح سهام ما قامت به المرأة ذات الوجه الأسمر المستدير، قائلة: "السيدة تمتهن مهنة ربط الفتيات وهن في مرحلة الطفولة المبكرة، والهدف من هذه العملية هو عدم إفساد "شرف" الفتاة، والحفاظ على عذريتها حتى زواجها".
ويتداول الناس، بحسب سهام، أن هذه العملية برزت بشكل كبير خلال فترة الاستعمار الفرنسي و"العشرية السوداء" التي شهدتها الجزائر في سنوات التسعينيات.
ومن الطرق المستعملة كثيراً، تذكر سهام، عملية سحرية تعتمد على تعاويذ، ويتشارك الاعتقادَ بتأثيرها كثيرٌ من أهل بلدتها، ويحرمها دينيا المشايخ على المنابر، حتى بعض الأطباء يعتقد بتأثيرها السحري، رغم وجود شقها الجراحي، في العملية يتم تمرير قفل بمفتاحه بين رجلي الفتاة حتى لا يتمكن أي رجل من إفساد عذريتها، وهي طريقة سحرية، على أن يفك هذا "السحر" قبيل ساعات قليلة فقط من زواج الفتاة، لكن الكثيرات تحولت ليلة عرسهن لمأساة، وذكريات مؤلمة.
"بقيت على ذلك الحال، أحسب الأيام والسنين لأصبح كبيرة وأنضج، كما قيل لي، لأعرف ما كانت تقوم به تلك العجوز، لكن حينما علمت بالأمر تمنيت لو أنني بقيت طول العمر طفلة صغيرة"
تتذكر سهام ما حدث لها ليلة عرسها، تحكي لرصيف22: "ساعات قليلة قبل أن أُزفّ لعريسي، جاءت نفس المرأة التي قابلتها قبل 22 سنة، وقامت بوضع رأس خروف بين رجلي، وقسمته بطريقتها الخاصة في محاولة منها لفك رباطي".
تحبس سهام أنفاسها وتتابع: "دقت ساعة الحسم، دخل عليَ زوجي وحبيبي وعيناه مليئتان بالشوق، لكن للأسف غطت مسحة من الحزن عينيه بعد أن وجد نفسه عاجزاً، وظلت الأمور على حالها لمدة أسبوع، بعدها أجبرت على الذهاب إلى طبيبة أمراض النساء والتوليد، حينها أبلغتني أن وضعيتي تستدعي القيام بعملية جراحية بسيطة لفك غشاء بكارتي، وأخطرتني أن زوجي سيفشل في القيام بهذا الأمر بسبب آثار عملية تعرّضت لها وأنا صغيرة ".
وتنهي سهام حديثها قائلة: "لولا ثقة زوجي الشديدة لفقدته، ودخلت أروقة المحاكم، لأن مسألة "الشرف" قضية لا تزال حساسة، ومن أجلها تراق الدماء في بعض المحافظات".
"ضاعت أحلامي"
حكاية فطيمة لا تختلف كثيراً عن قصة سهام، رغم نهايتها المأساوية أكثر، تقول فطيمة لرصيف22: "ضاعت أحلامي، وتبددت براءتي كالسحب في السماء. عندما كنت في الثامنة من عمري، قامت جدتي برفقة عجوز أخرى على مشارف الموت بربطي بمبرر حماية شرفي، وبمجرد أن أصبحت فتاة شابة، تعرفت على شاب في نفس عمري، كان يدرس معي في الطور الجامعي، هو شاب خلوق ومتدين، أحببته، في البداية كانت علاقتنا علاقة صداقة فقط، لكن تطورت بمرور الوقت، وأحببنا بعضنا البعض؛ فقررنا الزواج".
وتقول فطيمة عن يوم زفافها، الذي تتذكره كأنه البارحة: "كنت أزهو بدلال بين شقيقاتي وصديقاتي وقريناتي، لقد حظيت بالزوج الذي لطالما أحببته وتمنيته، أهم شيء كنت أفكر فيه في تلك اللحظة، كيف سأملأ حياتي بجو مفعم بالرومانسية والحب والآمال، رغم أن ظروفنا المادية كانت صعبة للغاية، بينما التوتر بادٍ على وجهه وهو يدخل غمار هذه التجربة لأول مرة".
"أخبرته أني مصفحة فطلقني".
"بعدما اجتمعنا في فراش واحد، حصل أمر غريب لم أتوقعه ولم يتوقعه، وجد نفسه عاجزاً على فعل ما يريده، حينها بكيت وأخبرته أنني مربوطة ومصفحة، ومن قامت بهذا الأمر توفيت، احمرت عيناه واسود وجهه، وشعر بخيبة أمل كبيرة لعدم توافق الواقع مع خياله، كان رده قاسياً جداً، طلب مني جمع أغراضي والعودة إلى بيت أهلي، وطلقني لأن تفكيره يستند لأصول شرعية، واعتبر ما قامت به جدتي يدخل في إطار السحر الذي يضر بالناس في الدنيا، وتكررت مأساتي مع والدتي بعد ما علم والدي بالموضوع"، تحكي فطيمة لرصيف22.
أما نورة، من مدينة الحراش، الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائر، في العقد الثالث من عمرها، كان عمرها 19 عاماً عندما تقدم لخطبتها شاب في العقد الثالث من عمره، "خلوق، متدين، وميسور الحال"، زواجهما كان تقليدياً فلم يعرفا بعضهما البعض قبل الزواج.
تروي نورة لرصيف22، أن في ليلة زفافها حدث ما لم يكن في الحسبان، "فبعد منتصف الليل أرجعني إلى بيت أهلي، بعد أن عجز عن معاشرتي، فصدم أبي وأمي التي كانت على علم بالسبب الذي كان وراء ذلك، غير أنها تكتمت على الموضوع خشية من والدي".
"غادر وتركني أتخبط من الألم، ودخلت بعدها في رحلة بحث عن طريقة فك "رباطي" بعد أن توفيت جدتي".
"رهينة المعتقدات البالية"
وحول هذه الظاهرة تقول دليلة حسين، رئيسة المكتب الولائي للجزائر العاصمة لجمعية حورية للمرأة الجزائرية، في تصريح لرصيف22: "المرأة في الجزائر لازالت رهينة لهذه المعتقدات والتقاليد البالية، والمجتمع الجزائري لازال مجتمعاً تقليدياً، ينظر إلى المرأة بالنظرة البائدة والبائسة، ويحاسبها على أخطاء لم تقم بها".
الباحثة الجزائرية، خديجي مختارية، علقت في مقال في مجلة محلية (جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية)، تحت عنوان "شرف المرأة في الثقافة الجزائرية بين الثابت والمتغير" على ظاهرة "الرباط" أو "طقس الإغلاق"، وكتبت: "ظاهرة ثقافية بامتياز، عرفها المجتمع الجزائري التقليدي، وهي عبارة عن سلوك سحري كان يستخدم كوسيلة وقائية لحماية شرف الفتاة".
"بعدما اجتمعنا في فراش واحد، حصل أمر غريب لم أتوقعه ولم يتوقعه، وجد نفسه عاجزاً على فعل ما يريده، حينها بكيت وأخبرته أنني مربوطة ومصفحة، ومن قامت بهذا الأمر توفّيت، فطلّقني"
وبحسب ما أوردته خديجي مختارية أنه، وفقاً للمُعتقدات السائدة، فإن "الرباط" يمنع أي فتاة من مباشرة أي علاقات جنسية حقيقية وكاملة، ومن بين الطرق المعتمدة، تشير صاحبة المقال، إلى "فتح فجوة من الأسفل نحو الأعلى في فخذ الطفلة، فجوة عميقة بما فيه الكفاية إلى أن يسيل قليل من الدم، وأثناء ذلك تردد سبع مرات متتالية، ولد الناس خيط وأنا حيط (حائط)".
ويتم تكرار نفس العملية على نفس المكان من الجسد، مع فتح فجوة في النهاية من الأعلى نحو الأسفل، وتردد الفتاة سبع مرّات عكس الصيغة الأولى: "ولد الناس حيط (حائط) وأنا خيط".
وتوضح الباحثة أن أشكال هذه الممارسة تختلف من منطقة لأخرى، رغم أن هدفها واحد، وواضح، وتستدل بمحافظات غرب الجزائر، كمحافظة تيسمسيلت، سيدي بلعباس، معسكر، تيارت، غليزان وشلف، حيث كان "الرباط" يستخدم بعدّة طرق، كأن يستخدم "قفل"، وذلك بربطه في الرجل اليسرى للفتاة بمفتاح من طرف امرأة متقدمة في السن، وعليها أن تحتفظ بذلك المفتاح إلى أن يحين موعد زواجها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...