بدأت رحلتي برفقة أصدقائي إلى أفغانستان، من مطار طهران الدولي في الصباح الباكر من يوم الخميس الماضي باتجاه العاصمة الأفغانية، كابول. مكثنا فيها بضعة أيام، ثم رحلنا لزيارة المدينة التاريخية غزنة الواقعة جنوب غربي كابول، والتي كانت عاصمة الغزنويين، ومن أهم مراكز الأدب والعلم والثقافة في العالم الإسلامي. هذه العاصمة المزدهرة في عهد الغزنويين هي اليوم أشبه بقرية فقيرة ناسية مجدها العريق.
قبر السلطان محمود الغزنوي في مدخل غزنة، يقع في نهاية حديقة، حين زرناه كان أطفال عائدون من المدرسة يلعبون في باحتها. بحثنا فيها أيضاً عن قبر البيهقي، الكاتب والمؤرخ الشهير، وقيل لنا إنه لا يوجد، ضائع، وغير معروف. أما قبر أبي ريحان البيروني، فلا يمت بصلة أبداً بعالِم أكن له كل الاحترام، وأعتبره سيد العلماء القدامى، ستأتي صورته في ما يلي.
في اليوم التالي قصدنا مزار شريف وبلْخ؛ بلخ، المدينة التي طالما حلمت بزيارتها، حيث ولد ونشأ جلال الدين الرومي وكثير من العلماء والشعراء، وهي المدينة الأثرية التي أصبحت عاصمة خراسان في عهد الأمويين. رحلنا بالطائرة من كابول باتجاه مزار شريف، عاصمة ولاية بلخ، وبلخ المدينة هي إحدى مدن الولاية.
كثير من الأمور التي شاهدتها خلال هذه الرحلة التي لم تنته بعد، ستأتي في مقالات لاحقة، إلا أنني أحببت أن أستعجل مشاركتكم ببعض الصور التي التقطتها خلال هذه الرحلة الغريبة، وأنا جالسة على بعد بضعة كيلومترات من الحي الذي نشأ فيه جلال الدين الرومي.
في كابول
قالها شاعر أفغاني ذات يوم: "قلبي مساحة جغرافية يسمونها أفغانستان".
على الطفل الجميل يطلقون: "قَنْدولَك" (حبة السكر الصغيرة). معظم الأطفال الذين شاهدتهم هنا تصدق عليهم هذه الكلمة؛ خلفهم وحولهم من كل الجهات، رجال يحملون السلاح إلى مستقبلهم قبل أن يبلغوه.
إن لم تُعلّق هذه الصورة بأفغانستان، في أي بلد راق كان من الممكن أن نظنّ وجود هذا الجمال الراقي؟
تتمة الجمال المهدور.
طفولة عابسة!
كان يبيع أعلاماً وملصقات للإمارة الإسلامية. لم يضحك، ولم يعرف كم يبلغ من العمر.
لون أزرق في الثياب، حزن أسود في القلوب... قبل أن أراهنّ، شاهدني رجل من طالبان، وغطى عينيه بيده، وأدار وجهه. سألني: "من أين أنت يا أخت؟".
كل العيون تنظر، عينان فقط تصرخان... لوحة رسم في أحد محلات بيع الرسوم والصور في كابول.
جدارية ستمحى قريباً على أحد جدران كابول، كتب عليها: "النساء الأفغانيات لن يسكتن بعد الآن".
بقايا الصمود في كابول... صورة لأحمد شاه مسعود على جدار آخر.
في مدخل حديقة في أعالي المدينة، كانوا يسلمون أسلحتهم قبل الدخول. لم يتحدثوا معي؛ طلب صديقي منهم أن نصور أسلحتهم، فوافقوا. وافقوا. وحين سأل أن نشعل ضوء الهواتف المحمولة فوق الأسلحة لكي تظهر واضحة في الصورة، قال لهم قائدهم أعينوهم بإضاءاتكم! وكانت هذه الصورة:
السلاح بمثابة سندويتش!
في صالون التجميل... الصور التي طليت الآن بالأبيض من واجهة الشارع، لكنها مازالت على جدران الصالون من الداخل، حيث لا تراها عيون غير المحارم!
هكذا أصبحت.
في محل بيع الكتب... الرفوف التي أفرغت من الكتب التي تتحدث عن المقاومة المعارضة، وباكستان.
ثمة عرس... حفلات الأعراس قد تكون أهم مصدر الفرح في أفغانستان، واليوم ربما المصدر الوحيد.
أحزن الطيور المحبوسة في العالم تسكن قفصاً خشبياً في بيت يقع في زقاق ضيق في كابول.
قوانين جديدة، عادات قديمة!
أنابيب الدّم في هذا البلد أكثر من أنابيت المياه... يستخرجون الماء من بئر على رأس الشارع، ويحملونه إلى بيوتهم، فليست كل البيوت تتمتع بنظام مدّ أنابيب المياه.
معظم التدفئة في أفغانستان تأتي عبر الخشب والفحم الحجري. في بلد يتمتع بمصادر الغاز، ليس هناك غاز في البيوت للتدفئة. يقول صديقي الأفغاني إنه في الشتاء لا يمكنكِ أن تبصري مسافة أكثر من متر أو مترين أمامك لفرط التلوث الذي يصدره دخان هذا الخشب والفحم.
غزنة
بقايا تاريخ كان ينحني العالم أمامه.
أكثر أمراء العالم بؤساً؛ كأنه يحمل حزن هذا البلد كلّه، وكلّ قلقه، واضطرابه، وجماله الضائع... عند مدخل مزار السلطان محمود الغزنوي.
محاولة لارتداء الشادور الأفغاني... كل النساء هنا رددن على سؤالي: "الوضع سيء".
قبر أبي ريحان البيروني؛ العالم والباحث والفلكي والفيلسوف والجغرافي والرحالة والرياضي والصيدلاني والمؤرخ والمترجم الذي ألف ما يربو على مئة كتاب... هذا الجدار شيد عام 2013 حين عُرفت غزنة عاصمة الثقافة الإسلامية. هذا فقط!
في طريق العودة من غزنة إلى كابول، كنت أبحث عن ماء ساخن لفنجان قهوتي السريعة. وجدنا مطعماً بين الطريق، وكان يصادف عشاء طالبان. دخل أصدقائي وتحدثوا معهم، وكان نصيبي شباكاً صغيراً، ولبضع دقائق. ثم جاء كبيرهم وقال ابتعدي، وأسدل الستارة.
بَلْخ
في الطائرة التي ستنطلق من كابول نحو ولاية بلْخ.
بقايا تكية والد جلال الدين الرومي. هنا نشأ شاعري الحبيب، وبالقرب من هنا لعب مع أطفال حارته.
بلخ معروفة بعنبها؛ فيها أنواع من العنب، وهذا عنقود واحد يزن أكثر من كيلو... سأبقى أتذكر أن عنب بلْخ كان من أطيب العنب الذي ذقته طوال حياتي.
مسجد في باحة مرقد رابعة البلخية؛ أول امرأة شاعرة في تاريخ الشعر الفارسي.
عُرفت رابعة بـ"زين العرب". وجامعها أجمل بناء شاهدته في بلخ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...