شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
توقّع زيادة الفجوة الاقتصادية بين الدول العربية… الخاسرون والرابحون من ارتفاع أسعار النفط

توقّع زيادة الفجوة الاقتصادية بين الدول العربية… الخاسرون والرابحون من ارتفاع أسعار النفط

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الثلاثاء 12 أكتوبر 202109:20 م

مع زيادة الطلب العالمي على النفط، يُتوقع أن تستولد العائدات المالية المرتفعة فجوات اقتصادية واسعة بين مصدري النفط، الذين عانوا من عام أعجف في 2020، والمستوردين الذين يتكبدون المزيد من الخسائر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديداً.

بطبيعة الحال، سوف تستفيد دول الخليج والعراق وليبيا والجزائر من ارتفاع أسعار النفط والغاز، فيما ستتكبد مصر ولبنان والسودان وتونس والمغرب مزيداً من الخسائر المالية، لكن ستظل هذه الأزمة محفزاً قوياً لتلك الأخيرة للاتجاه نحو الطاقة المتجددة.

في الأثناء، يحذّر محللون دول الخليج من إنفاق الإيرادات والعوائد القادمة من ارتفاع أسعار النفط في خطط التنشيط الاقتصادي للقطاعات غير النفطية بغزارة، لأنها استنزفت أموالاً ضخمة مع ضرورة عدم التراجع عن الإصلاحات الاقتصادية.

المصدّرون في رخاء 

وتشهد المنطقة العربية نمواً في الناتج المحلي بنسبة 2.3% هذا العام و4.3% في عام 2022 بعد انكماش بنسبة 3.8% في العام الماضي، وفقاً لما ذكره معهد التمويل الدولي، وهو هيئة تجارية للصناعة المالية العالمية.

وأفاد المعهد بأنه "بينما يستمر الانتعاش الاقتصادي في اكتساب الزخم، ظهر انقسام في آفاق الاقتصاد الكلي داخل المنطقة... وقد اتسع التباين في الأداء الاقتصادي بين البلدان المصدرة للنفط والبلدان المستوردة للذهب الأسود".

وأضاف أن الدول المنتجة للنفط تستعد لتحقيق فوائض في الحساب الجاري بقيمة 165 مليار دولار هذا العام و138 ملياراً العام المقبل بعد عجز في الحساب الجاري بلغ ستة مليارات العام الماضي بناءً على توقعات أسعار النفط عند 71 دولاراً للبرميل هذا العام و66 دولاراً العام المقبل.

ارتفاع أسعار النفط يهدد بـ"خلق فجوات اقتصادية واسعة" بين المصدّرين الذين عانوا عاماً أعجف في 2020، والمستوردين الذين يتكبدون المزيد من الخسائر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديداً

ومن المرجح أن ترتفع الأصول الأجنبية العامة لدول الخليج - بما في ذلك الاحتياطيات الأجنبية وصناديق الثروة السيادية- إلى أكثر من ثلاثة تريليونات دولار بنهاية عام 2022، أي ما يعادل 170% من الناتج المحلي الإجمالي.

سلطنة عمان من مستقرة إلى إيجابية

ويمكن الإشارة إلى ثلاث دول كأمثلة على الرخاء المنتظر، أولاها سلطنة عمان وهي إحدى منتجات النفط الخليجيات. كانت السلطنة قد تضررت بشدة من انهيار الأسعار العام الماضي ضمن الآثار السلبية لجائحة كورونا وحالات فرض الإغلاق المترتبة عليها في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى ارتفاع الديون وزيادة البطالة وحدوث مظاهرات تطالب بفرص عمل.

في العام الماضي، ارتفعت ديون السلطنة إلى نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما كانت النسبة 5% عام 2014. وتجدر الإشارة إلى أن عبء دين البحرين، التي يشبه وضعها الاقتصادي الوضع الاقتصادي للسلطنة كثيراً، قد قفز من 44% إلى 105%.

والأسبوع الماضي، قالت وزارة المالية العمانية إن عجز الموازنة العام بلغ نحو مليار ريال (2.6 مليار دولار) في آب/ أغسطس الماضي، في انخفاض سنوي بنسبة 46.2% في عجزها المالي، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط. كما ارتفعت إيرادات الدولة، وفق المصدر نفسه، بنسبة 13.9% لتصل إلى 6.3 مليار ريال (15.5 مليار دولار) في نهاية آب/ أغسطس الماضي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

"ارتفاع أسعار الوقود سيعزز استقلالية بعض الدول مثل البحرين" و"يخدم العمالة العربية في الخليج وليبيا"... كيف ذلك؟

وأضافت الوزارة العمانية: "انعكست هذه الزيادة من خلال تحسن أسعار النفط والغاز خلال الأشهر الماضية" برغم زيادة الإنفاق العام بنسبة 1.7% على أساس سنوي.

وذكرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية أنها عدّلت توقعاتها بشأن سلطنة عمان من مستقرة إلى إيجابية بسبب ارتفاع أسعار النفط وخطط الإصلاح المالي، التي من المتوقع أن تقلّص عجز الدولة وتبطئ ارتفاع مستويات الديون على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

ليبيا تحقق "فوائض"

في ليبيا، التي يتشابه وضعها مع وضع عملاق إنتاج النفط، العراق، من حيث عدم الاستقرار الأمني، وتدهور الأوضاع المعيشية، توقع البنك الدولي أن تسجل البلاد نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.78%، وأن تسجل أرصدة التجارة والحساب الجاري فوائض كحصة من الناتج المحلي الإجمالي. كما سيسجل الميزان المالي فائضاً أيضاً، نظراً للانتعاش القوي في إنتاج النفط وصادراته وانخفاض قيمة العملة مما قلل من تكلفة تمويل رواتب القطاع العام والسلع والخدمات باستخدام عائدات النفط المقومة بالدولار.

كذلك أعلنت مؤسسة النفط الليبية أن إجمالي الإيراد الصافي من المبيعات النفطية بالدولار الأمريكي قد وصل إلى 1,9 مليار دولار، وهو ارتفاع كبير وصفته بـ"المجزي".

وفي انعكاس لتحسن الوضع الاقتصادي، أعلن رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة عن منحة للشباب المقبل على الزواج استفاد منها حتى مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري 42 ألفاً و28 متقدماً من جميع أنحاء البلاد. ويحصل الزوجان على 40 ألف دينار (نحو تسعة آلاف دولار)، أي 20 ألفاً لكل فرد.

وأعلن مجلس النواب الليبي الموافقة بالإجماع على قانون دعم الأسرة بـ50 ألف دينار (11 ألف دولار أمريكي) باستثناء المستفيدين من منحة الزواج. فيما أمر الدبيبة بتنفيذ قانون أصدره مجلس النواب عام 2018 ويقر زيادة رواتب المعلمين، مع تنفيذ الزيادة منذ أيلول/ سبتمبر من العام الجاري.

السعودية "ستتحرر" من عجز الميزانية

وفي السعودية حيث يخطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإطلاق مشروعات بمليارات الدولارات، توقع البنك الدولي أن يصل متوسط الناتج المحلي الإجمالي السعودية إلى 2.4% في العام 2021 و3.3% في العام المقبل.

زيادة أسعار النفط سهّلت في الماضي تمويل الصراعات في المنطقة العربية من قبل الدول الغنية. لم يكن ذلك حافزها الأساسي وإنما رغبتها في وقف موجات الربيع العربي.

وقال البيان الأولي لميزانية 2022 إن السعودية عدلت توقعاتها لعجز الميزانية لهذا العام إلى 2.7 من الناتج المحلي الإجمالي من 4.9، وزادت الإيرادات من 849 مليار ريال (نحو 230 مليار دولار) في الميزانية إلى تقدير معدل عند 930 مليار ريال (نحو 250 مليار دولار)، مع زيادة إنتاج النفط وانتعاش أسعار الخام.

وأضاف بيان الميزانية أن الرياض تتوقع نمواً اقتصادياً بنسبة 2.6% هذا العام و7.5% في العام 2022 بعد انكماش بنسبة 4.1% في العام الماضي. وحسبما أعلنت وزارة المالية، فقد قُدر نمو الإيرادات للعام ما بعد المقبل (2023) بإجمالي 968 مليار ريال (258 مليار دولار)، قياساً بصرف 941 مليار ريال (250 مليار دولار)، وهو ما قد يواكب إعلان أول عام تتحرر فيه الميزانية من العجز منذ تسع سنوات (منذ عام 2013)، وتحقق فائضاً يبلغ 27 مليار ريال (7.2 مليار دولار).

زيادة أسعار النفط و"تنمية" العراق

وقال لرصيف22 أنس القصاص، الباحث والمحاضر في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية والسياسات الدفاعية المقارنة وقضايا الأمن الدولي، إن أكثر دولة من المحتمل أن تستفيد من زيادة أسعار النفط في التنمية هي العراق الذي يعتمد في السنوات الماضية على النفط في إعادة الإعمار خصوصاً في عهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وأشار القصاص إلى أن زيادة أسعار النفط سوف تُسرع من إنشاء خط البصرة العقبة لنقل النفط العراقي إلى مصر، وعليه سيعزز من تحالفاته وتحركاته الإقليمية الجديدة.

وحذّر من أن دول الخليج التي ستحقق عوائد كبيرة ربما لن تتراجع عن الإصلاحات الاقتصادية للتخلي عن الاعتماد على النفط في ميزانيتها، وبخاصة الإمارات. لكن سيكون ذلك استنزافاً لموارد الدولة في ضخ هذه العوائد في القطاع غير النفطي لتنشيطه، وهو ما يبتلع أموالاً كثيرة من دون عوائد مماثلة للنفط، على حد قوله.

وشدد القصاص على أن ارتفاع أسعار الوقود سيعزز استقلالية بعض الدول مثل البحرين التي كانت تعتمد على جيرانها، كما يخدم العمالة العربية سواء المصرية أو اللبنانية أو السورية المشتغلة بالخليج، وكذلك في ليبيا حيث تنوي طرابلس استثمار عوائد النفط في إعادة الإعمار بمشاركة دول الجوار.

وفي رأيه أن زيادة أسعار النفط سهّلت في الماضي تمويل الصراعات في المنطقة العربية من قبل الدول الغنية، مستدركاً بأن ذلك لم يكن حافزها الأساسي وإنما رغبتها في وقف موجات الربيع العربي.

المستوردون في ضنك

على النقيض من ذلك، بالنسبة لمستوردي النفط الإقليميين - مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس والسودان- سيرتفع إجمالي عجز الحساب الجاري إلى 35 مليار دولار هذا العام مقارنةً بـ27 مليار دولار في العام 2020، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف استيراد النفط وانخفاض عائدات السياحة.

في هذا الصدد، أوضح معهد التمويل الدولي أن الأصول الأجنبية العامة بين المستوردين ستعادل 15.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. علماً أنه لا يتوقع عودة السياحة، التي تمثل جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان، إلى مستويات ما قبل الجائحة حتى عام 2023.

"زيادة أسعار النفط قد تسبب قلقاً أو اضطرابات شعبية في الدول المستوردة وتزيد العجز وتعرقل التنمية. لكنها تظل محفزاً لهذه الدول كي تتجه نحو الطاقة البديلة وهو ما يجري في مصر وتونس والمغرب على سبيل المثال"

ورجّح المعهد أن تكون الزيادة في النمو في العام 2022 في هذه البلدان مدفوعة بالاستثمار والصادرات. ومع ذلك، سيظل هذا غير كافٍ للحد بشكل كبير من معدلات البطالة المرتفعة، بمتوسط 14%، مع بطالة الشباب بنسبة 28%، وهي الأعلى في العالم.

وفي مصر، رفعت الحكومة سعر صفيحة البنزين ثلاث مرات في غضون ستة شهور بقيمة 75 قرشاً (جنيه إلا ربعاً) منذ بداية نيسان/ أبريل من العام الحالي من دون المساس بأسعار الديزل الذي ثبت عند 6.75 جنيه للتر (0.43 دولار للتر) منذ العام الماضي، للحفاظ على أسعار الغذاء والنقل.

وحددت الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2021 - 2022 مخصصات المحروقات على أساس أن متوسط سعر خام برنت 60 دولاراً أمريكياً، في الوقت الذي وصل فيه هذا الشهر لـ81.44 دولار أمريكي بزيادة قدرها 21.44 دولار. كما حددت في موازنتها العامة مبلغ  17.4 مليار جنيه (1.8 مليار دولار) لدعم المواد البترولية لكن الزيادة الجديدة عالمياً ترفع فاتورة الدعم بمقدار 25 مليار جنيه (نحو 1.5 مليار دولار) ويتسبب في تفاقم عجز الموازنة العامة بنفس المبلغ.

في تونس، رفعت الحكومة منذ فبراير/شباط الماضي أسعار الوقود بنحو 2%، إذ تحاول كبح العجز في الميزانية. وحذر البنك المركزي في الأسبوع الماضي من أن "تدهور المالية العمومية التي تعاني وضعية هشة، علاوة على تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، من شأنه المساس باستدامة الدين العمومي".

وفي لبنان الذي يشهد انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، يعاني المواطنون أزمة وقود أثّرت على استخدام سياراتهم وعلى إمداد المنازل والمنشآت بالكهرباء الحكومية والأهلية، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده، علاوة على الارتفاع الكبير في الأسعار عالمياً. بات انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة يومياً متكرراً هناك.

وقبل شهرين، رفعت الحكومة اللبنانية أسعار المحروقات بنسبة تراوح بين 50 و70%، ثم بنسبة 38% في الشهر الماضي، ضمن مسار رفع الدعم تدريجياً عن المحروقات مع نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان المركزي.

في سياق متصل، قال القصاص إن "زيادة أسعار النفط قد تسبب قلقاً أو اضطرابات شعبية في الدول المستوردة وتزيد العجز وتعرقل التنمية. لكنها تظل محفزاً لهذه الدول كي تتجه نحو الطاقة البديلة، وهو ما يجري في مصر وتونس والمغرب على سبيل المثال".

ونوّه القصاص بالتجربة المصرية، مشيراً إلى أنها أنشأت لجنة تسعير لرفع الأسعار تدريجياً لتخفيف العبء على ميزانية الدولة والإسراع في خطط تسيير السيارات الكهربائية وزيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image