شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"الشعب يريد الإنكليزية"... مطالب مغربية بالتخلّي عن لغة موليير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 12 أكتوبر 202103:01 م

في السنوات الأخيرة، وأنت تحدّث الشباب المغاربة، أصبح من السائد أن يردّوا عليك بكلمات من اللغة الإنكليزية، موظفين لغة بديلة عن اللغة الفرنسية التي تُعد اللغة الأجنبية الأولى في المغرب، بعد اللغتَين العربية والأمازيغية اللتين يعدّهما الدستور المغربي اللغتَين الرسميتَين في البلاد. ظاهرة قد تبرر انتشار المطالب باستعمال اللغة الإنكليزية، في شبكات التواصل الاجتماعي، كان آخرها قبل أسابيع.

"باي باي" للفرنسية

في بداية أيلول/ سبتمبر الماضي، نشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية مقالاً عن اختيار فريق الرجاء البيضاوي اللغة الإنكليزية، للتواصل على الشبكات الاجتماعية. خيار جعل الجريدة تستنتج أن حضور الفرنسية في المغرب، أصبح مهدّداً. فهل اختار الجيل الجديد من المغاربة اليوم، التمرد والتخلص من لغة مستعمِرتِهم السابقة فرنسا؟

بعد أكثر من ستين عاماً من الاستقلال، ما زالت اللغة الفرنسية تدرَّسُ كلغة ثانية في المدارس، وتُعْتَمَد في العديد من جوانب حياة المواطن المغربي، كاستعمالها في صياغة العقود، أو المراسلات الرسمية، إلى جانب اللغة العربية. وإن كان استعمال اللغة العربية مرتبطاً أساساً بالمؤسسات الحكومية، وما يتبع لها، إذ تختار الشركات الخاصة اللغة الفرنسية للتواصل مع شركائها، أو زبائنها. ظاهرة أصبحت تغضب جزءاً من الشباب المغاربة الذين يتبنون الإنكليزية كلغة للانعتاق من "سلطة" الفرنسية.

قبل أسابيع، انتشر "هاشتاغ" يدعو إلى اعتماد اللغة الانكليزية كلغة أجنبية أولى في المغرب، بدلاً من اللغة الفرنسية، تحت وسم "#نعم_للإنجليزية_بدل_الفرنسية_في المغرب".

وبرّر الناشطون المغاربة مطلبهم بكون الإنكليزية هي اللغة الوحيدة التي قد تفتح لهم آفاق العمل في السوق العالمية، بما أن مجموعة من الدول تعتمدها كلغة أجنبية أولى، معززين طرحهم بتصريحات لرئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد فيليب، قال فيها: "إن التحدث باللغة الإنكليزية بشكل جيد، هو الطريق الصحيح لضمان مستقبل أفضل".

ودعم المدوّنون المغاربة رأيهم بكون اللغة الإنكليزية الأكثر استعمالاً في الشركات العالمية الكبرى، على عكس اللغة الفرنسية، زيادة على استعمالها أيضاً في الأبحاث العلمية، أو التقنية، وسهولة تعلمها بالنظر إلى قواعدها البسيطة، وغير المعقدة، خلافاً للفرنسية التي تحتوي على قواعد معقدة جداً، حسب رأيهم.

التعليم أول الغيث؟

قبل أيام قليلة، أصدرت وزارة التعليم المغربية بياناً أعلنت فيه عن الشروع في بث برنامج إذاعي لتعلم اللغة الإنكليزية، أُطلق عليه "english time". وذكر البيان أنه وفق شراكة موقعة بين الشركة الوطنية المغربية للإذاعة والتلفزيون، والمجلس الثقافي البريطاني في المغرب، تعود إلى تموز/ يوليو الماضي، تقرر بث برنامج إذاعي لتعلم اللغة الإنكليزية على أمواج الإذاعة الوطنية، موجّه إلى تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية، أربعة أيام في الأسبوع.


وتمنى المدير التقني السابق للاتحاد المغربي لألعاب القوى، عزيز داودة، في تدوينة له على موقع "تويتر"، أن تُقدِم الحكومة المغربية المقبلة على اعتماد اللغة الإنكليزية، كلغة تعليم في المغرب، بدءاً من سنة 2025، لضمان فترة تكوين جيدة للمدرّسين، على امتداد أربع سنوات.

"من الجيد أن يتعلم ابني اللغة الفرنسية، وأنا كأب، أتمنى أن يتعلم مجموعة من اللغات. لكن الأهم بالنسبة إليّ أن يتقن الإنكليزية". #نعم_للإنجليزية_بدل_الفرنسية_في المغرب

وأجمع مجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، على ضرورة وضع حد لهيمنة اللغة الفرنسية في العديد من المؤسسات، وأبرزها النظام التعليمي، الذي يحتاج حسب رأيهم، إلى إدخال تعديلات بشكل يتوافق مع جعل اللغة الإنكليزية، اللغة الأجنبية الأولى في المغرب.

وأبدى الناشطون أنفسهم، استغرابهم من تأخر المؤسسات الرسمية في تغيير توجهها، بما أن المغرب يحتل الرتبة 74 فقط، على الصعيد العالمي، من بين الدول الأكثر إتقاناً للغة الإنكليزية، وفق معلومات نشرها موقع "موروكو ورلد نيوز"، في الوقت الذي يتحدث فيه ما يقرب من 13 مليون مغربي اللغة الفرنسية، وفقاً لمعطيات صادرة عن المنظمة الدولية للفرنكفونية.

شكسبير يغري أكثر من موليير

يبدو أن الوعي بضرورة اتخاذ اللغة الإنكليزية كلغة أجنبية أولى للتعليم في المغرب، بدلاً من الفرنسية، أصبح يغري أولياء أمور التلاميذ بدورهم، إذ أصبحوا أكثر إلحاحاً على توجيه أبنائهم، وبناتهم، نحو تعلم الإنكليزية أكثر من الفرنسية.

وتساءل الحسين فدواش، وهو رب أسرة مغربية، عن أسباب تأخر الدولة المغربية في إيلاء اهتمام أكبر باللغة الإنكليزية، كونها اللغة الأكثر تداولاً على الصعيد العالمي، ولغة المال والاقتصاد حسب رأيه.

وأبرز الحسين أنه منذ أول يوم أخذ فيه ابنه لتسجيله في مدرسة خصوصية، استفسر من المديرة عما إذا كانت اللغة الإنكليزية ضمن البرنامج التعليمي للمؤسسة، وتحظى باهتمام القائمين عليها.


وتابع الحسين قائلاً: "من الجيد أن يتعلم ابني اللغة الفرنسية، وأنا كأب، أتمنى أن يتعلم مجموعة من اللغات، مثل الإسبانية، أو الإيطالية، لكن الأهم بالنسبة إلي أن يتقن الإنكليزية، فالعالم اليوم كله يتكلم الإنكليزية، والفرنسيون واعون اليوم بأن لغتهم لا تساعد على ولوج آفاق مستقبلية، ولهذا فأنا مستعد اليوم للتضحية، ومساعدة ابني على تعلم إنكليزية سليمة، بتسجيله في مؤسسة مختصة في تعليمها، بالموازاة مع متابعته دروسه في المدرسة. المهم أن يتقن لغة العصر".

في السياق ذاته، يرى أستاذ اللغة الإنكليزية خالد أعشيش، أنه وبحكم تجربته في التعليم، يلحظ إقبالاً متزايداً، ورغبة أكبر لدى الطلبة المغاربة في تعلم اللغة الإنكليزية، خلال العقد الأخير.

وشدد أعشيش في حديثه، على أن اللغة الفرنسية التي باتت جزءاً من الهوية الثقافية المغربية، توظَّف في بعض الأحيان لتمييز الطبقات، بين من يوصفون بالنخبة لإتقانهم الفرنسية، وبين البقية الذين يتحدثون اللغة العربية فحسب، في الوقت الذي تبقى فيه لغة يمكن توظيفها للتواصل مع جنسيات أخرى، كأي لغة بديلة.

وأشار أعشيش إلى أن التطور العلمي، وسهولة الولوج اليوم إلى برامج تتيح تعلم اللغة الإنكليزية، وحضور دورات تدريب، زاد من اهتمام الشباب والطلبة المغاربة بتعلم اللغة الإنكليزية، مضيفاً أن اعتمادها اليوم كلغة أجنبية أولى بديلة للغة الفرنسية، هو قرار سياسي يحتاج إلى الجرأة فحسب.

ماذا عن العربية؟

ويرى المحلل السياسي عادل بنحمزة، أنه من الجيد الانفتاح على اللغة الإنكليزية، وإتقانها من قِبل الجيل القادم من المغاربة، كونها اللغة الأولى عالمياً، والمستخدمة في مجال الاقتصاد والبحث العلمي، والتي ستتيح للمغاربة الانفتاح على مجموعة من التطورات.

يبدو أن الوعي بضرورة اتّخاذ اللغة الإنكليزية لغةً أجنبية أولى للتعليم في المغرب، بدلاً من الفرنسية، أصبح يغري أسر التلاميذ، مثلما يغري الشباب الذين أصبحت الإنكليزية جزءاً من حياتهم اليومية

لكن في المقابل، أشار بنحمزة، وهو قيادي في "حزب الاستقلال"، إلى أن الإنكليزية ليست هي السبيل لتنمية المغرب، مستدلاً بنماذج من دول آسيوية رائدة نجحت في تطوير اقتصادها، مستعينةً بلغاتها المحلية فحسب، مثل الصين، وفيتنام، وكوريا الجنوبية، واليابان.

وشدد بنحمزة على أن المشكلة الأساسية مرتبطة بمناهج التدريس المعتمدة في المغرب، والتي تعاني حسب رأيه من خلل كبير، وأن إصلاح هذه المناهج سيكفل تنمية جيدة بالاعتماد على اللغتين الرسميتَين في المغرب فقط، وهما العربية والأمازيغية، في الوقت الذي سيكون فيه لزاماً تعليم الإنكليزية، لضمان تواصل جيد مع بقية الشركاء الاقتصاديين على الصعيد العالمي.

واستدل بنحمزة باعتماد مجموعة من الدول الإفريقية للغة الإنكليزية، لغةً رسمية، من دون أن تنجح هذه البلدان في تحقيق إقلاع اقتصادي، وتنمية اجتماعية، بما أنها تعتمد مناهج لا تسهم في تحقيقها تنمية جيدة، على الرغم من توفّرها على موارد اقتصادية مهمة.

وذكَّر بنحمزة بعجز فئة كبيرة من الطلبة المغاربة عن التحدث بطلاقة باللغة الفرنسية، على الرغم من اعتمادها في مناهج التعليم مدة 12 سنة، من المرحلة الابتدائية وحتى نيل شهادة البكالوريا، في الوقت الذي يتعلم فيه طلبة مغاربة لغات أجنبية بديلة، في ظرف يقل عن سنة، بعد انتقالهم للعيش مثلاً في روسيا، أو رومانيا، لدراسة طب الصيدلة، وهو ما يعني وجود خلل في بيداغوجيا التعليم في المغرب، ينتج عنه ضعف مكاسب الطالب المغربي في اللغة الفرنسية، على امتداد 12 سنة.

وأكد بنحمزة على ضرورة اعتماد اللغات الوطنية الرسمية، لتطوير الاقتصاد الوطني، اقتداء بنماذج دول آسيوية رائدة على الصعيد العالمي.

وبخصوص إمكانية إصدار قرار سياسي يعتمد فيه المغرب الإنكليزية كلغة أجنبية أولى بدلاً من الفرنسية، يرى بنحمزة أنه لن يؤثر على الدولة بما أنه قرار سيادي يخصها، مذكراً بقرارات سابقة شملت علاقة المغرب بفرنسا.

وأضاف بنحمزة أن الدولة المغربية رهينة نفسها، ومسؤولة عن قراراتها التي لا تحتاج إلى الوصاية من أي طرف، مع تذكيره بأن هذا التحول، وفي حال اعتماده، سيحتاج على الأقل إلى عقد من الزمن، بما أن الفرنسية أصبحت جزءاً من الهوية المغربية، مستدلاً ببعض العائلات التي تقطن في المغرب، وتعيش نمط حياة فرنسي صرف.

واستبعد بنحمزة أن يتضرر اللوبي الفرنسي في المغرب بقرار اعتماد الإنكليزية لغة بديلة من الفرنسية، بما أن غالبيتهم، وعلى الرغم من تشبعهم بالثقافة الفرنسية، يتحدثون اليوم الإنكليزية بطلاقة، وهم واعون بشكل كبير بأنها لغة الاقتصاد والبحث العلمي. فهل يهزم شكسبير موليير في المغرب، كما فعل في العالم؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image