أعلنت الشركة التونسية للسكك الحديدية عن حادث تصادم قطارين، أسفر عن 36 إصابة متفاوتة الخطورة، في صفوف المسافرين. واصطدم في الحادث، قطار "الأحواز الجنوبية"، بآخر قادم من محافظة قابس، كان متوقفاً في محطة "مقرين الرياض". وقد فتحت الشركة تحقيقاً، للكشف عن ملابسات الحادث، وأسبابه، وتحديد المسؤوليات.
الحادثة أعادت ملف حوادث القطارات إلى الواجهة، خاصةً وأنها تعدّدت في السنوات الأخيرة، وتنوّعت بين انقلابٍ، وتصادمٍ، وخروج عن السكة، وحتى "تحرّك قطار من دون سائقه"، وهو ما تسبب بخسائر بشرية ومادية فادحة، وطرح أكثر من سؤال حول أسباب تكرر الحوادث القاتلة، ومدى جدية الشركة في التعامل مع هذا الملف.
وأكد المتحدث الإعلامي لشركة السكك الحديدية، حسان الميعادي، أن الأسباب الأولية للحادث الذي وقع يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، "تتمثل في الإفراط بالسرعة، في انتظار ما سيكشف عنه التحقيق الذي فتحته الشركة".
ويضيف العيادي، في تصريح لرصيف22، أن أغلب حوادث القطارات تحدث عند التقاطعات، وأن لكل حادث أسبابه، أي أنه لا يمكن الجزم فيها، بشكل عام.
حادث قطار في تونس يعيد إلى الأذهان الوضع المتدهور للتنقل بالقطارات. بين تقادم أسطول النقل، وعمليات التخريب، والإفراط في السرعة، يظل مصير المواطن التونسي في خطر
بدوره، أكد الناطق الرسمي باسم الديوان الوطني للحماية المدنية، العميد معز تريعة، أن القطار لم يخرج عن السكة، كما رُوِّج، وأن أغلب الحالات هي حالات فزع وهلع، بسبب قوة التصادم.
وأفاد تريعة، في تصريح لرصيف22، أن 33 مصاباً من مجموع 36، غادروا المستشفيات، وتم الاحتفاظ بحالة واحدة في مستشفى شارل نيكول، كما تم وضع حالتين تحت المراقبة، في مستشفى الحروق، في محافظة بن عروس.
تساؤلات مقلقة
وإذا كان القطار يُعدّ الوسيلة الفضلى للسفر، لدى المواطن التونسي، والأكثر رفاهية، وأمناً، بحكم سرعته، وطاقة استيعابه، فقد أصبح اليوم مصدر تهديد لسلامة الركاب، بسبب تقادم عرباته، واهتراء السكك الحديدية، بالإضافة إلى غياب حواجز تنبيه المارة في الكثير من الطرقات والتقاطعات.
وتبلغ حوادث القطارات سنوياً مئة حادث تقريباً، 50 بالمئة منها سببها "تقاطعات السكك"، وهي نسبة مرتفعة جداً تثبت وجود تهاون في تطبيق إجراءات السلامة الواجب السهر عليها، طبقاً لمقتضيات القانون عدد 74 لسنة 1998، الذي ينص "على وجوب اتخاذ جميع الاحتياطات والإجراءات اللازمة، لتجنب اصطدام قطارين على السكة نفسها، أو خطين حديديين متقاطعين، وعلى ضرورة وضع حواجز عند التقاطعات، بين السكة، والطريق، والإشارة إليها بعلامات مرورية قبل 50 متراً من موقع الحاجز، لتحذير المارة والسائقين".
وتسجل تونس مؤخراً، ارتفاعاً مفزعاً، وغير مسبوق في عدد حوادث القطارات، خلال فترات متقاربة، ولأسباب متكررة، لعل أبرزها غياب الحواجز، أو وقوع أعطاب فيها. فقد شهدت منطقة قعفور، في محافظة سليانة، في 16 حزيران/ يونيو 2015، حادث قطار مروع تمثل في اصطدام قطار بشاحنة ثقيلة، وأسفر عن مصرع 18 شخصاً، وإصابة 98 بجروح متفاوتة الخطورة. كما أدى حادث انقلاب القطار السريع الرابط بين محافظتي تونس والكاف، في 9 آب/ أغسطس 2018، على خلفية خروجه عن السكة، إلى إصابة 26 مسافراً، من بينهم سائق القطار، وعُزيت حينها أسباب الحادث إلى نقص في الصيانة.
وفي 3 أيار/ مايو 2018، أسفر حادث اصطدام قطارين لنقل المسافرين، في منطقة سيدي رزيق، في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، عن وفاة مرافق سائق القطار، وإصابة أكثر من 60 راكباً بجراح متفاوتة الخطورة. أما الحادث الذي وقع يوم 26 شباط/ فبراير 2018، فنتج عن اصطدام قطار لنقل البضائع، بشاحنة ثقيلة، في محافظة قابس، وتسبب بانقلاب أربع عربات مجرورة للقطار، وإصابة السائق والمرافق، بجراح طفيفة.
حوادث القطارات في تونس خلّفت أضراراً جسدية ومادية كبيرة، وتسببت باهتزاز ثقة المواطن بها، مما يطرح تساؤلات جدية عن أسباب هذه الحوادث
كما تسبب حادث اصطدام قطار بعربة خفيفة، يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، عند تقاطع سكة حديدية في محافظة قفصة، بوفاة أربعة أشخاص، وإصابة أربعة آخرين.
أما في 26 حزيران/ يوليو 2018، فشهدت تونس حادثة غريبة، وفريدة من نوعها، تمثلت في تَحرّك قطار من دون سائق في الضاحية الجنوبية للعاصمة، على امتداد عشرة كيلومترات، مما اضطر أعوان شركة السكك الحديدية إلى قطع الكهرباء عنه، ليتوقف. وحسب التحقيقات التي أعلنت الشركة عن نتائجها، فان الحادث نجم عن خطأ بشري تمثل في سهو سائق القطار.
وإن كانت الحوادث خلّفت أضراراً جسدية ومادية كبيرة، فإنها تسببت أيضاً باهتزاز ثقة المواطن التونسي بالقطارات، مما يطرح تساؤلات جدية عن أسباب هذه الحوادث، وسبل تفاديها في المستقبل.
أسطول متقادم
يُعد اهتراء أسطول القطارات في تونس، وتردّيه، عاملاً من عوامل تكرر الحوادث القاتلة في تونس.
وحسب وزير النقل السابق محمد الفاضل كريم، فإن أسطول عربات نقل المسافرين للخط تونس-المرسى، قد تقادم أكثر من 40 سنة، حتى أن بعض قطع الغيار لم تعد متوفرة، مما يفرض تجديد الأسطول الوطني للنقل الحديدي، ليتماشى وحاجات المرحلة الراهنة.
وتشهد جل القطارات، سواء في الخطوط الطويلة، أو في قطارات الضواحي، ظاهرة تعطّل الأبواب، إذ يتحرك القطار مئات الكيلومترات بأبواب مفتوحة، ما يجعل الركاب عرضة للخطر. وقد وقعت حوادث سقوط عدة من القطار، تسببت ببتر أعضاء الضحايا، أو وفاة بعضهم.
وزيادةً على تقادم الأسطول، فإن تخلي الشركة عن "المواطن المراقب"، في تقاطعات السكك، والذي يتمثل دوره بالأساس، في إبلاغ من يجتازون السكك الحديدية باقتراب موعد وصول القطار، واستفحال ظاهرة غياب الحواجز والإشارات الضوئية، عاملان من عوامل ارتفاع عدد الحوادث.
ويمثل التهاون في صيانة السكك الحديدية والقطارات، عاملاً آخر لها، خاصةً مع الإفراط في السرعة، في بعض الحالات.
عمليات تخريب
يمثّل تردّي خدمات وسائل النقل "السككية"، أحد أبرز الإشكالات التي يعاني منها المواطن التونسي، فعوامل الاكتظاظ، وتقادم العربات، والتأخير عن موعد الرحلات، تمثّل الخبز اليومي للمسافر، وإن كانت شركة القطارات تتحمل جزءاً مهماً من المسؤولية، فإن الجزء الآخر يتحمله بعض "المخربين" الذين يعمدون إلى إتلاف محتويات وسائل النقل، ورشقها بالحجارة، وحتى سرقة بعض المعدات.
وقد أعلنت الشركة الوطنية للسكك الحديدية، يوم 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، عن تعرّض "التجهيزات والمعدات الفنية التابعة للشركة، في محطة سوسة للبضائع، لعمليات نهب وتخريب. إذ تمت سرقة كوابل تشوير (أسلاك الإشارات)، وعلامات ضوئية، بالإضافة إلى إتلاف أجهزة إلكترونية وكهربائية، ما أدى إلى اضطراب الحركة بين محطتي سوسة للبضائع، والقلعة الصغرى". ونبّهت الشركة في بيانها إلى خطورة العبث بتجهيزات القطارات، على سلامة المسافرين والسائقين.
كما أكدت الشركة في بلاغ لها، أن مجهولين عمدوا إلى وضع حواجز على السكّة (عارضة إسمنتيّة)، عند مدخل محطّة تونس للأرتال، صباح يوم الأربعاء 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وتمّ اكتشاف هذا الحاجز، فتوقّف القطار لتفادي كارثة محتملة.
وعلى الرغم من أن مثل هذه "الجرائم" تعرّض فاعليها لعقوبات قاسية تصل إلى السجن عشر سنوات، طبقاً لمقتضيات الفصل 53 من القانون عدد 74 لسنة 1998، والذي ينص على أنه "يعاقب بالسجن عشر سنوات، كل من يتعمد تخريب السكة الحديدية، أو إحداث خلل فيها، أو وضع أشياء، أو القيام بأي فعل من شأنه إخراج الأرتال عن السكة"، إلا أنها تتكرر في كل مرة، من دون أن يتم التعرف إلى الفاعل، الأمر الذي يستوجب البحث عن آليات أكثر نجاعةً، لردع المخالفين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...