شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الضفة الأخرى من النهر"، والمقاربات السينمائية الغربية لطرح الحكاية السورية الكردية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 7 أكتوبر 202106:08 م

"من أجل تجنّب الزواج القسري، وجدت هالة، البالغة من العمر 19 عاماً، نفسها في أكاديمية عسكرية للنساء، إلى جانب نهر الفرات، شمال شرق سوريا، وبينما تتعلم كيف تقاتل، تستلهم الوعد بتحرير كل امرأة. بعد أن استولى الجيش الكردي على مدينتها من داعش، تعود هالة كقوة شرطة مخوّلة حماية النساء الأخريات المعرّضات للخطر. تجد هالة نفسها على استعداد لتحقيق حلمها الأكبر: تحرير شقيقاتها الصغيرات من يد والدها".

بهذه الكلمات، يقدّم طاقم عمل فيلم "الضفة الأخرى من النهر"، الحكاية، عبر موقعه الرسمي، وهو فيلم ألماني عُرض في مهرجان "برلين للانتباه achtung berlin"، في التاسع من أيلول/ سبتمبر الفائت، وحصلت مخرجته على جائزة أفضل تصوير سينمائي وثائقي، وكان قد افتُتح في مهرجان الأفلام الوثائقية في ميونخ DOK.panorama fest، في شهر تموز/ يوليو من هذه السنة أيضاً.

وعلى الرغم من حداثة الفيلم، إلا أن العمل عليه بدأ فعلياً منذ وقت طويل، أو كما تقول المخرجة أنتونيا كيليان Antonia Kilian: "ذهبت إلى شمال شرق سوريا، في صيف 2016، عندما استولت قوات سوريا الديمقراطية (قوات منطقة الحكم الذاتي الكردية المسماة "روج آفا")، على مدينة منبج، من الدولة الإسلامية. كنت جزءاً من حركة التضامن مع روج آفا التي تشكلت بين النشطاء اليساريين في أوروبا".

وهو فيلمها الطويل الأول الذي أخرجته، وصوّرته، وشاركت في كتابته، مع السينمائية السورية غيفارا نمر، والإيراني أريش أزادي Arash Asadi.

الحضور الغربي لتغطية تفاصيل الحياة في شمال شرق سوريا

كثُر، في الفترة الأخيرة، الاهتمام العالمي بما يحدث في سوريا. فبعد أن كانت في العيون العالمية ثورة ضمن الربيع العربي، صارت أحداثاً مشكّكاً فيها، ثم سرعان ما أُطلق مصطلح "حرب أهلية"، في الإعلام الغربي، لوصف الكارثة التي فاقمها النظام على رأس الشعب السوري، ولاحقاً ظهرت داعش في الجزء الشمالي من سوريا، وغرب العراق. وبعد مجموعة من المجازر والإجرام الممنهج المرعب، اتّفق العالم على أنها عدو حي، وحاول توحيد الجهود للقضاء عليها بأسرع الطرق، وتالياً تحولت الحرب ضد داعش، إلى حرب عالمية، وقررت مجموعات مختلفة من الناس حول العالم، السفر إلى سوريا، للتغطية، أو للمشاركة في هذه الحرب. وقبلها بفترة، كانت سوريا مسرحاً ومقصداً للقادمين/ ات المدافعين/ ات عن داعش.

لا داعي لشرح الرعب الذي عاشه الشعبان السوري والعراقي بالتفاصيل كلها، بما يتعلق بداعش، من دمار البشر، والحجر، والتغييب القسري، ولا داعي للحديث عن جهد من حاربوا هذه المنظومة الممنهجة للقتل والإقصاء، كلهم، وعن شجاعتهم، وعليه فإن الحديث هنا هو لتوصيف ما ظهر وتم تناقله في الإعلام الأوروبي والأمريكي، والصورة المنمطة لما يحدث في بلادنا كله، ضمن منظومة من الآخرين، والتي رأت فينا ما ترغب في أن تراه فحسب، حدثاً "إكزوتيكياً"، أي غرائبياً، وفي الوقت نفسه متوقعاً إلى حد كبير، عن هذه المنطقة من العالم.

ما يهمنا هو الصورة النمطية التي تم تأطير النساء الكرديات فيها، وأغرت الكثيرين/ ات للقدوم إلى سوريا، أو لتصدير هذه الصورة وتوسيعها.

صودرت الوكالة الحقيقية من الناس كلهم على الأرض، وصارت الصور والفيديوهات التي تخرج إلى العالم، ذات توجهات استشراقية لصورة الرجل المحارب، وبالأخص لحضور المقاتلة، وهي في هذه الحالة المقاتلة الكردية التي تدافع بكل شراسة عن وطنها، وبلدها.

في الحقيقة، هنالك الكثير من التعقيدات بما يخص الحضور الكردي العربي في شمال شرق سوريا، ولم تكن السنوات الأخيرة سوى انفجار جديد من تاريخ طويل ومرتبط بحيثيات متنوعة جغرافية، واقتصادية، وسياسية، ولكن ما يهمنا هنا هو الصورة النمطية التي تم تأطير النساء الكرديات فيها، وهي الصورة التي أغرت الكثيرين/ ات للقدوم إلى سوريا، أو لتصدير هذه الصورة النمطية وتوسيعها، من أمثال هيلاري كلينتون التي أعلنت عن رغبتها في صنع مسلسل عن المقاتلات الكرديات، ووحدات حماية المرأة، أو مخرجون/ ات غربيون/ ات حاولوا/ ن تقديم صور مختلفة للمقاتلة الكردية، كما المخرجة الفرنسية كارولين فوريست، التي أنتجت فيلم "أخوات السلاح"، الذي يجسّد مقاومة المقاتلات الكرديات، والفرنسية إيفا هوسون التي كانت تنافس على السعفة الذهبية في مهرجان كان، بفيلمها الطويل الأول "بنات الشمس"، والمخرج الفرنسي ستيفان بريتون، في فيلم "فتيات على خط النار".

هذا الاهتمام الغربي في طرح الحكاية الكردية، ترافق أيضاً مع مجموعة كبيرة من الأفلام الكردية عن الموضوع نفسه، وإن كانت الأفلام الكردية من الفضاء نفسه، ومن صلب الحكاية، ولكن هذا يدل على أن القضية باتت فعلاً في منتصف العدسة.

ومن مجمل هذه الأفلام، يأتي فيلم "الضفة الأخرى من النهر"، كنظرة ألمانية لما يحدث هناك في منبج، وإن حسبنا لهذا الفيلم، أن أحد كتّابه هي غيفارا نمر، ابنة السياق السوري الكردي.

تأتي أهمية المعلومات السياقية، في أن الفيلم ألماني، وموجّه بشكل مباشر إلى الجمهور الألماني، فالراوية هي نفسها، والمخرجة تحكي القصة وتعقّب عليها باللغة الألمانية، بالإضافة إلى محاولتها شرح مكان الحدث، ووضع إطار للحكاية

فيلم "الضفة الأخرى من النهر"

يتابع الفيلم حكاية هالة، وهي صبية سورية تبلغ من العمر 19 عاماً، وتحاول جاهدةً الهروب من قيودها العائلية والمجتمعية، فهي التي عاشت تحت حكم داعش، وخرجت بكامل الصلابة لتحاول أن تقرر موقفها من الحياة، والانتماء المطلق للحياة العسكرية، والانخراط في الشرطة في منبج، والدفاع الشرس عن أخواتها، وعن النساء جميعهن، كما عبّرت بوضوح خلال الفيلم.

هالة التي يتابع قصتها الفيلم، هي فتاة عربية خرجت من مجتمعها علناً، لتنخرط مع القوات الكردية العسكرية في المنطقة. وعلى الرغم من عدم تكلمها بالكردية، إلا أنها كانت مثالاً واضحاً على المقاتلة الشرسة، وهي الصورة التي تأرجح الفيلم في موقفه من تصويرها، بشكل نمطي أحياناً، ونقدي أحياناً أخرى. ففي حين كان الفيلم حساساً في توضيح السياق، والبيئة التي تعيش فيها هالة، في الأكاديمية العسكرية، والعنف الرمزي الذي يمارَس على الفتيات في دفعهن لكبت أي مشاعر حميمية مع أجسادهن، للإخلاص للقضية، والقتال في سبيلها، إلا أنه أغفل ذكر أن هالة من عائلة عربية، وتالياً توضيح الإشكالية الكبرى في حياتها، وفي صراعها المحموم مع والدها الذي يبعد هالة عن أخواتها الصغيرات، اللواتي هن بوصلتها الدائمة في محاولتها لجعل حياتهن أفضل، وحمايتهن من أي تزويج قسري قد يُفرض عليهن، وقد قدّم الفيلم هذه العلاقة بشكل متكامل، وحميمي، في تصوير أهداف هالة التي تتعلق بعائلتها، وليس بها شخصياً، فحسب.

على صعيد آخر، حاول الفيلم أن يلتقط الجو العام الذي يحيط بهالة، خاصةً بعد تخرّجها من الأكاديمية العسكرية، ووصولها إلى مقر شرطة منبج، وتسلمها منصباً ما هناك، ولكنه أيضاً كان ضبابياً في شرح علاقة هالة مع البيئة الأهلية في المكان، خارج حدود مقر الشرطة، وهكذا تذبذب في إيصال مجموعة من المعلومات المهمة.

في حين كان الفيلم حساساً في توضيح السياق، والبيئة التي تعيش فيها هالة في الأكاديمية العسكرية، والعنف الرمزي الذي يمارَس على الفتيات في دفعهن لكبت أي مشاعر حميمية مع أجسادهن، إلا أنه أغفل ذكر أن هالة من عائلة عربية، وتوضيح الإشكالية الكبرى في حياتها

تأتي أهمية المعلومات السياقية، في أن الفيلم ألماني، وموجّه بشكل مباشر إلى الجمهور الألماني، فالراوية هي نفسها، والمخرجة تحكي القصة وتعقّب عليها باللغة الألمانية، بالإضافة إلى محاولتها شرح مكان الحدث، ووضع إطار للحكاية، ولذا فإن النقاط السابقة كانت مهمة لإكمال الفكرة للجمهور البعيد عن حساسيات الحكاية، حكاية هالة، أو حكاية نساء تلك المنطقة في سوريا.

وربما نطالب الفيلم هنا بأمور إضافية تأتي من معرفتنا بهذا السياق، ومن إحساسنا بأن الحديث حساس تماماً بما يتعلق بالنساء، فهن على أطراف المعادلة جميعها في المنطقة، يقعن تحت أعباء وضغوط إضافية، تكاد تكون جحيمية، فصورة المقاتلة الكردية تقرب من أن تكون صورة قسرية في بعض الأحيان، ترتبط فيها النساء بشكل معين يحرمهنّ من العيش بحرية. فالمؤسسة العسكرية التي يعشن فيها، تفرض نظاماً عاماً عليهن، ليس من السهل العيش فيه، وهذا جانب حاول الفيلم أن يلمسه في مواقع معينة، لكنه لم يفرد له مساحة حقيقية، لأن المقابل كان النساء اللواتي يتعرضن للتزويج القسري، أو العنف الزوجي، أو حتى العنف السابق من الحياة تحت حكم داعش، وهي بالتأكيد معادلة غير متوازنة.

يُحسب للفيلم أنه حاول ملاحقة تفاصيل حياة الشخصية، وسرد حكاية شبه متكاملة فنياً للبطلة، لكن وعلى الجانب الآخر، نقصته خاتمة واضحة، أو مترابطة. فبعد أن تتعقد الحياة مع هالة بمحاولتها ترهيب والدها بالسلاح، وُجه لها إنذار في مكان عملها، ثم فُصلت نهائياً من الخدمة، وتالياً خرجت من الحالة العسكرية من دون أي معونات، أو خطة حياتية، ومع ذلك تشكل الأحداث الدرامية هذه، آخر الدقائق المتسارعة من الفيلم، ليكون السؤال الواضح في عيون الجمهور بعد النهاية: ما الذي حدث لهالة بعد ذلك؟ على الرغم من المونولوج الختامي المؤثر لها، وهي تأخذ عهدها المتجدد على نفسها في حماية أخواتها، حتى من دون سلطة عسكرية تحميها.

يبقى في النهاية، أن نقول إن علاج موضوعات معقدة، وبهذه الحساسية، في سياقات مركبة مثل الوضع في شمال شرق سوريا، هو أمر شاق حتى على أصحاب الأرض أنفسهن/ م، لذا فإن تصدي الفيلم لهذه النقاشات والأفكار بمحاولة متابعة قصة حياة مليئة بهذه الجروح والآمال كلها، مثير للاهتمام فعلاً، ويفتح لنا مجموعة من الأسئلة على واقع الفتيات ومستقبلهن، ربما من الجيد أن تخرج إلى العلن، وتصل إلى بقاع العالم المختلفة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image