خلال سنوات الحرب الممتدة من 2015 إلى اليوم، أُتيحت أمام صحافيي اليمن القادرين على الوصول إلى الإنترنت فرصٌ للتدريب وتنمية المهارات، خاصة مع تراجع الأوضاع واتساع نطاق الحرب وانهيار الحالة الأمنية التي جعلت الصحافيين اليمنيين بسبب درايتهم بجغرافيا بلادهم قادرين على الحركة والتغطية في منطقة صارت من أسوأ مناطق الحرب في العالم.
ومع تقدم المهارات المهنية، ظهرت مشروعات إعلامية متعددة تعتمد على "ترندات" الصحافة الجديدة. في ما يلي، يرصد رصيف22 ما أحدثته الصحافة الجديدة من تغييرات في المشهد الإعلامي اليمني.
ساهمت الصحافة الجديدة في طرح الكثير من القضايا التي كان من الصعب الوصول إليها، وخصوصًا في ظل أنظمة تمنع الصحافي من الوصول إلى المعلومات
يقول الصحافي هيثم الحصباني: "ساهمت الصحافة الجديدة بشكل كبير في طرح الكثير من القضايا التي كان من الصعب الوصول إليها، وخصوصًا في ظل أنظمة تمنع الصحافي من الوصول إلى المعلومات، بل قد تعتبر عمله تهمة يُحاسب عليها. اكن في المقابل زادت الحرب الدائرة في اليمن الأمور تعقيدًا، فمثلًا صار من الصعب جدًا تناول المواضيع العسكريّة والصراع المسلّح".
وتقول الصحافية عبير محسن إنّ الصحافة الجديدة، أو تلك التي وُلدت مع الحرب، انقسمت إلى فريقين، الأول: إعلام حربي تصفه بالـ"منحاز ومُضلّل"، يتبع طرفي الصراع الرئيسييّن (جماعة أنصار الله أو الحوثيين المدعومة إيرانيًا، أو الحكومة المدعومة من قوات التحالف العربي بقيادة السعوديّة)، ويتميّز هذا الإعلام – بحسب عبير محسن- بصفات أبرزها "التلفيق والمبالغة". أما النوع الثاني، والحديث لا يزال لمحسن،ًفقد ركّز على الجانب الإنساني والمعاناة اليمنيّة.
الصحافة اليمنيّة تحاول خلق بداية جديدة إذ أصبحت أكثر وعيًا بأهميّة الاستقلال والمهنيّة في تناول القضايا، وباتت تأخذ في الاعتبار المعايير الأخلاقيّة والتوجهات الجديدة… كما يوجد توجّه مهم نحو الصحافة الاستقصائيّة وإنتاج تحقيقات حسب المعايير العالميّة للصحافة.
وتضيف أنّ المشهد الإعلامي اليمني شهد في السنوات الأخيرة "ولادة جديدة"، لكنّها "لم تكن وفق المعايير المطلوبة، وكانت نابعة من مؤسسات مُستقلة. وبسبب استقلاله صار مستهدفًا بشكل مباشر أو غير مباشر".
مشكلات هيكلية
يفند عبد الرشيد الفقيه، المدير التنفيذي لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، مشكلات الصحافة اليمنيّة، التي قسّمها زمنيًا إلى الصحافة الممتدة منذ وحدة شطري اليمن سنة 1990 حتى بدء الحرب سنة 2015، وصحافة ما بعد انطلاق الحرب الأخيرة، التي انحصر التنافس الإعلامي فيها بين أطراف الحرب، باستثناء محاولات مستقلة قليلة لم تترك – في تقديره- أثرًا يُذكر.
يقول الفقيه إنّ المشكلة الرئيسيّة والبنيويّة في الصحافة اليمنيّة هي غياب الأجناس الصحافيّة المختلفة، حيث تغلب صحافة الرأي والمقال الإنشائي الهجائي وصحافة الموقف على أنواع الصحافة الأخرى، فتكاد تختفي صحافة التقارير والاستقصاء والمعلومات.
أما ثانية المشكلات، حسب الفقيه، فهي غياب البنى المؤسساتيّة، إذ "لم تُخلق بُنى مؤسساتيّة مستدامة ومتماسكة وقادرة على العمل في إطار مؤسسي فاعل وجيّد". يُرجع الفقيه سبب ذلك إلى نقص التمويل الذي لم يسمح بتشكيل صحافة مستقلة، "مما أدى إلى استئثار القوى المنظمة، مثل الأحزاب السياسيّة والجماعات الدينيّة، بالمشهد الإعلامي".
وبذلك خُلقت مشكلة الاستقطاب السياسي في المشهد الإعلامي، فصارت أطراف الحرب المختلفة تستخدم الوسائل الإعلاميّة وسائل دعائيّة، وقامت بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال رسائلها السياسيّة".
انتهاك الصحافة
حسب التصنيف العالمي لحريّة الصحافة لعام 2021، والذي تعدّه منظمة "مراسلون بلا حدود" سنويًا، يقبع اليمن في المركز 169 عالميًا، من أصل 180 دولة ضمن القائمة، إذ تعاني الصحافة في اليمن بشكل رئيسي من سيطرة أطراف النزاع المختلفة، فضلًا عن الانتهاكات المستمرة بحق الصحافيين والصحافيات في المؤسسات الإعلاميّة المختلفة.
في تقريرها السنوي، قالت نقابة الصحافيين اليمنيين إنّها رصدت 112 انتهاكًا طال حريّة الصحافة خلال العام 2020، تنوعت بين الاختطاف والاعتقال والتحريض والمنع والمصادرة والمحاكمات والتحقيقات والإيقاف عن العمل والتعذيب والاعتداءات الجسديّة وحالات القتل.
وأضاف التقرير أنّ الحكومة بتشكيلاتها وهيئاتها المختلفة ارتكبت نحو 44.6% من إجمالي حالات الانتهاك، فيما ارتكب الحوثيون 29.5% من الانتهاكات، وارتكب المجلس الانتقالي الجنوبي 10.7% من الانتهاكات، وارتكبت وسائل إعلاميّة خاصة 2.7% منها، وفصيل المقاومة 0.9%، في الوقت الذي ارتكب فيه "مجهولون" 11.6% من الانتهاكات بحق الصحافيين.
فيما أعلن مرصد الحريات الإعلاميّة في اليمن أنّه قد وثّق 143 انتهاكًا ضدّ الصحافيين والصحافيات وضدّ حريّة الإعلام في البلاد خلال العام 2020، أبرزها مقتل ثلاثة صحافيين، هم نبيل القعيطي وأديب الجناني وبديل البريهي، وكذلك الحكم بإعدام أحد عشر صحافيًا.
كما يهدد شبح التغييب والاعتقال والاحتجاز والتعذيب صحافيي البلاد وصحافياتها، مما جعلهم يعملون وكأنهم في وجه مدافع الحرب، فوصفت منظمة "مراسلون بلا حدود" الصحافة في اليمن بأنّها "مهنة خطرة"، فيما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش إنّ الصحافة في اليمن قد تودي إلى الإعدام، وذلك في مقالة نشرها موقع المنظمة ردًا على حكم بالإعدام صدر عن "المحكمة الجزائيّة المتخصصة" في العاصمة صنعاء -والتي يسيطر عليها الحوثيون- بحق أربعة صحافيين، هم عبد الخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث حميد وتوفق المنصوري.
كذلك يعاني الصحافيون والصحافيات في اليمن من حملات تشهير منظمة، إذ "تصاعدت حملات التشهير الإلكترونيّة التي طالت عددًا من الصحافيين والصحافيات"، بحيث أصبحت "مواقع التواصل الاجتماعي منصاتٍ للانتقام والتشهير وتصفية الحسابات، وأصبح الجميع مستهدفين، تحديدًا من قبل الأنظمة الحاكمة ونشطاء الأحزاب والجماعات الدينيّة".
أمل في صحافة بديلة
رغم صعوبات العمل الصحافي في دولة اليمن، شهدت البلاد في السنوات الأخيرة تحركات صحافيّة بوتيرة عالية، متناولة قضايا جديدة غابت عن الإعلام التقليدي، مما "فتح آفاقًا جديدة وأساليب جديدة للتغطية الصحافيةّ"، حسب تعبير الصحافيّة عبير محسن، التي أضافت: "هناك قضايا جديدة بدأت تحظى بالاهتمام من قبل الجيل الجديد من الصحافيين والصحافيات، مثل القضايا المُتعلقة بالمرأة، إذ قام أولئك الصحافيون والصحافيات بنقل هذه القصص بأسلوب جديد يناقض الأسلوب القديم الذي ساهم في تنميط المرأة في الإعلام".
في السياق ذاته،ًيقول الصحافي هيثم الحصباني إنّ "الصحافة الجديدة تناولت القضايا المجتمعيّة والإنسانيّة بكثير من العمق والمصداقيّة، فالاعتماد على المصادر المفتوحة والأدوات المختلفة التي أوجدتها الصحافة الجديدة شكّلت فارقًا كبيرًا في عمل الصحافي، وعملت على تقليل نسبة المخاطر التي قد يتعرض لها".
وتذكر عبير محسن أنّ الصحافة اليمنيّة تحاول خلق بداية جديدة إذ أصبحت "أكثر وعيًا بأهميّة الاستقلال والمهنيّة في تناول القضايا، وباتت تأخذ في الاعتبار المعايير الأخلاقيّة والتوجهات الجديدة… كما يوجد توجّه مهم نحو الصحافة الاستقصائيّة وانتاج تحقيقات حسب المعايير العالميّة للصحافة". لكنها تضيف أنّ الصحافيين والصحافيات والإعلاميين بشكل عام مطاردون ومستهدفون من قبل جميع أطراف الصراع، وأنّ هامش الحريّة ضيّق جدًا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت