أثار منشور على فيسبوك، منسوب إلى إدارة البعثات المصرية، يتضمن تهديداً للباحثين المصريين المبعوثين في الخارج، جدلاً واسعاً، لاحتوائه على تعهد كتابي يلزم للباحثين بالإشارة إسم جمهورية مصر العربية والجهة الموفدة (الجامعة التي ينتمي إليها الباحث) على جميع الأبحاث التي يقوم بنشرها المبتعث، حتى وإن كان في منحة دراسية كاملة من جامعته الأجنبية.
ونشر أستاذ الهندسة المصرية في جامعة جون هوبكنز الأمريكية جعفر العوضي، عبر حسابه على الفيسبوك، صوراً من تعهدات وجهها الملحق الثقافي المصري في واشنطن إلى طلاب الدكتوراه، طالبهم فيها بالالتزام بكتابة اسم جمهورية مصر العربية على أي بحث حتى لو كان بمنحة خاصة ومن دون تمويل من الحكومة أو الجامعة المصريتان، مبيناً في رسالته "من لم يلتزم بذلك سيعرض نفسه للمساءلة الجنائية والمدنية، أو أي إجراءات قانونية تتخذها اللجنة التنفيذية لإدارة البعثات".
وعلّق العوضي "إدارة البعثات في جمهورية مصر العربية بدأت عبر الستة أشهر الماضية في ترويع وتخويف وتهديد المعيدين في الجامعات المصرية، والذين حصلوا على إجازة خاصة للدراسة في الخارج، والحاصلين على تمويل ومنح كاملة من جامعات الولايات المتحدة الأمريكية أو حكومتها، [تتوعدهم] بالمساءلة الجنائية إن لم يضعوا اسم الجامعة التي خرجوا منها واسم جمهورية مصر العربية على جميع الأبحاث التى سيقومون بنشرها، حتى وإن كانت مصر أو الجامعة التي خرجوا منها لا تدفع مليماً واحداً من مصاريف دراستهم للدكتوراه أو في أبحاثهم"، مضيفاً أن هذ الطلب يحمل في طياته "مصائب أخلاقية جمة" لأنه يضع الطلاب المصريين في موقف حرج أمام جامعاتهم التي يتعلمون فيها، وأساتذتهم الذين يدرسون معهم. و يضع "هالة سيئة" حول أي طالب مصري يريد التقديم لاحقاً لدراسة الدكتوراه في الخارج.
واستند التعهد إلى المادة (17) بقانون البعثات رقم 149 لسنة2020، التي تنص على "تكون للموفد حقوق الملكية الفكرية عن الاختراعات التى يبتكرها أثناء البعثة أو المنحة أو الإجازة وبسببها، وتسجل باسمه مقرونا باسم جمهورية مصر العربية واسم الجهة الموفدة".
وتضيف المادة "فإذا كان للاختراع صلة بالشئون العسكرية أو الأمنية، فيكون ملكا للدولة، ويعوض الموفد فى هذه الحالة تعويضاً عادلاً تقدره لجنة فنية يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص. وفى جميع الأحوال، يتعين الإشارة إلى اسم جمهورية مصر العربية واسم الجهة الموفدة وفقا للصياغة التى تحددها اللجنة، وذلك فى أى أوراق بحثية أو أبحاث ينشرها الموفد أو يقدمها لأى جهة".
ويعرف القانون الموفد بأنه " الشخص الطبيعي الذي يوفد فى بعثة أو إجازة دراسية طبقا لأحكام هذا القانون".
وعليه فإن التعهد المنسوب إلى إدارة البعثات المصرية يشمل عضو الإجازة الدراسية، أي الباحث الدارس في الخارج على نفقته الخاصة أو بمنحة خارجية حسب ما ينص عليه القانون "دون أن يكون ممولاً"، ويشمل أيضاً الشخص المبعوث على نفقة الدولة "سواء كان تمويل الدولة كلياً أو جزئياً، أو كان التمويل منحة أجنبية أو دولية مقدمة للدولة أو من أى جهة مانحة تعمل داخل الدولة"، حسب نص القانون أيضاً.
وعلم رصيف 22 أن الإجراءات القانونية المنصوص عليها في الإقرارات المتداولة، والتي ستتخذ في حق الباحث الذي يمتنع عن الإشارة إلى اسم مصر وجامعاتها في دراساته، متروك اتخاذ القرار فيها وتحديدها للجنة التنفيذية لإدارة البعثات، لكنها في كل الأحوال ستبدأ من إنهاء إجازة لعضو الهيئة الدراسية ومن ثم قطع الراتب الخاص به من الجامعة أو حسب ما تقدره اللجنة.
وتشير بنود قانون البعثات لسنة 2020 حسبما ورد إلى رصيف22 من معلومات رسمية، بأن المادة رقم 22 من القانون هي المرجع الرئيسي لأعضاء اللجنة التنفيذية لإدارة البعثات "في حال خالف الباحث بنود القانون"، وتنص على "إنهاء بعثة المبعوث أو عضو الإجازة الدراسية، الذى يتضح من التقارير الدورية الواردة عنه من الجهات المعنية أن حالته تنبئ بعدم إمكانية تحقيق الغرض المقصود من البعثة، أو فى حالة مخالفته لأى حكم من أحكام هذا القانون" - بما فيها المادة 17 على وجه الخصوص".
في إطار سعيها لرفع تصنيف الجامعات المصرية دولياً، أصدرت مصر قانون البعثات سنة 2020، من دون زيادة ميزانية البحث العلمي أو إصدار قوانين من شأنها كسر الحصار المفروض على الحريات الأكاديمية
توقيت التحرك
صدر قانون البعثات لسنة 2020، ليلغى بموجبه قانون البعثات رقم 112 لسنة 1959، وجاء القانون الجديد بعد تصريحات رسمية من الرئيس عبدالفتاح السيسي قال فيها إن رفع تصنيف الجامعات المصرية عالمياً هدف قومي.
واتخذت الدولة بالفعل عدة خطوات في مجال التعليم الجامعي بافتتاح "الجامعات الأهلية" وهي جامعات مملوكة للدولة لكنها تدار بطريقة القطاع الخاص ويكون الانضمام إليها بمصروفات خارج القدرات الاقتصادية للقطاعات الأوسع في مصر.
وأصدرت مصر قانون البعثات السابق الإشارة إليه، من دون زيادة ميزانية البحث العلمي أو إصدار قوانين من شأنها كسر الحصار المفروض على الحريات الأكاديمية.
ويحتاج رفع تصنيف الجامعات الذي وضعه الرئيس السيسي ضمن الأولويات القومية إلى تحقق ستة معايير أسساسية هي: سمعة الجامعة أكاديمياً في جودة التدريس وجودة الأبحاث الصادرة عن وإضافتها إلى المجتمع العلمي، سمعة العاملين في الجامعة أكاديمياً من حيث التزامهم بأخلاقيات البحث والاقتباس، معدلات الطلاب والأقسام، عدد مرات الاستناد إلى الأبحاث الصادرة عن الجامعة كمراجع لدى أبحاث أخرى، ومعدلات الطلاب، ومعدلات الجامعة في إطار دولي.
هذه المعايير جميعها تعتمد على توفير الميزانيات للأبحاث، وإتاحة الفرص للباحثين الجادين، والتوسع في إتاحة الحريات الأكاديمية، وعمل الباحثين في مناخ لا يتعرضون فيه إلى تضييق أمني أو تهديد اجتماعي، وهي عناصر يفتقر إليها المناخ البحثي في الجامعات المصرية وفقاً لتقارير حقوقية.
ويأتي إلزام الباحثين المصريين الدارسين في الخارج بوضع أسماء الجامعات المصرية التي ينتمون إليها على أبحاثهم، ليمثل فرصة فير مكلفة لذكر اسم الجامعات المصرية ضمن المصادر التي تستند إليها أبحاث أخرى، ما من شأنه أن يسهم في رفع تصنيف الجامعات المصرية دولياً.
معايير تصنيف الجامعات تعتمد على توفير ميزانيات للأبحاث، والتوسع في إتاحة الحريات الأكاديمية، وعمل الباحثين في مناخ لا يتعرضون فيه إلى تضييق أمني أو تهديد اجتماعي، وهي عناصر يفتقر إليها المناخ البحثي في الجامعات المصرية وفقاً لتقارير حقوقية
"لا يتناسب مع المعايير الدولية"
تحدث رصيف22 إلى مصدر على صلة بإدارة البعثات للتعرف على موقف الدولة الرسمي، واستبعد المصدر استخدام اللجنة التنفيذية القانون رقم 22 بإنهاء بعثة الموفد. إلا أنه أكد أن عقوبة الاستبعاد مثبتة في القانون وقائمة وبالتالي يمكن اللجوء إليها.
"في كل الأحوال ليس هناك ضمان لعدم وجود مساءلة جنائية، لأن من يطبق القانون ممكن يطبقه براحته"
وقال إن "من حق الدولة والجامعة الأدبي أن يتم الإشارة إلى اسمها على الأبحاث، وصيغة الإشارة ستحددها اللجنة التنفيذية، وفي كل الأحوال لن تخرج عن نطاق كتابة الباحث اسمه، والجامعة التي يعمل بها، والدولة التي ينتمي إليها". ونفى أن يكون الهدف من كتابة الاسم هو رفع تصنيف الجامعات المصرية، قائلاً" هذا حق أدبي ولا عائد من ورائه".
ويؤكد مهاب سعيد المحامي المختص بالحريات الأكاديمية لـ رصيف 22 أن إشارة عضو الإجازة الدراسية الموفد للخارج بموجب منحة خاصة (غير ممولة من الحكومة) إلى اسم الجامعة والدولة ليس له مبرر، ولا يتناسب مع المعايير الدولية، وإن نص عليه القانون المحلي.
وقال إن قانون البعثات لا ينص على عقوبة قانونية أو جنائية على الباحث في حال عدم التزامه بالإشارة إلى اسم مصر على بحثه، لأن المادة 17 لم تنص صراحة على جزاء للمخالفة، وبالتالي فإن "العقوبة الجنائية والمدنية" المنصوص عليها في التعهد الذي تضغط السفارات المصرية على الباحثين للتوقيع عليه "ليست أكثر من ديباجة ولا تعنى بالضرورة وجود مساءلة جنائية".
أضاف أن تعريف القانون لشخص"الموفد" يشمل كل من يتم ابتعاثه إلى الخارج سواء كان عضو إجازة دراسية (يحصل على راتبه الشهري فقط من جامعته أثناء البعثة، من دون مصاريف الدراسة أو تكاليف البحث) أو مبعوث (تتحمل جامعته الاجنبية مصروفاته كاملة)، وبناء على ذلك مسألة إلزام الباحثين بكتابة اسم جمهورية مصر العربية على الأبحاث وبراءات الاختراع مطابق لنص قانون البعثات. وفي حال قرر الموفد عدم الإشارة إلى اسم مصر على أبحاثه فإن الجزاء هنا - في رأي سعيد - إداري أو تأديبي لا يرتقى إلى مساءلة جنائية، وإنما تستوجب جزاء إداري مناسب، عملاً بالمبدأ القانوني “تناسب الفعل مع العقوبة".
وقال الحقوقي المختص بالحريات الأكاديمية "في كل الأحوال ليس هناك ضمان لعدم وجود مساءلة جنائية، لأن من يطبق القانون ممكن يطبقه براحته"، وبالتالي فإن معرفة الجزاءات والعقوبات لن تظهر إلا بوجود حالات حقيقية يتم تطبيق القانون عليها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...