شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"ألعبُ وآكل وأرقص مع الأموات"... كوابيس وهلاوس مرضى كورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 15 سبتمبر 202104:06 م

منذ أكثر من عام ونصف يواجه العالم كله انتشار فيروس كورونا بسلالات متحولة، حتى باتت أعراض المرض وأوجاعه معروفة لدى الجميع، على غرار آلام الرأس، والمفاصل، والحمى، والسعال التي يعانيها المصابون بها بضعة أيام.

ولكن هناك أعراضاً لم تؤخذ على محمل الجد، هي الكوابيس المصاحبة لمرضى كوفيد19، أبرزها رؤية الموتى في المنام، وحكايات أخرى سنرويها على ألسنة أصحابها في تونس، الذين أصيبوا بالفيروس التاجي، وعاشوا ليالٍ في عالم آخر.

"أتجنب النوم"

تسترجع سارة (28 عاماً)، موظفة اتصالات، ذكرياتها غير البعيدة مع الفيروس اللعين الذي أصابها منذ شهر، وأنهك قواها، وألزمها الفراش 14 يوماً تقريباً، وصفت تلك الأوقات بـ "الجحيم".

تقول لرصيف22: "سمعت كثيراً عن آلام كورونا، لكنني لم أتوقع مطلقاً أنها بتلك الدرجة من العذاب، فحتى النوم بات صعباً، وأصبحت أتجنبه كي لا أرى كوابيس مرعبة، كالتي رأيتها في الليالي الأول من إصابتي".

تضع سارة يديها على وجهها، وكأنها ترى مشهداً مرعباً، وتقول: "كانت حرارتي مرتفعة جداً في اليوم الثالث من إصابتي، شربت دواءً زاد من نعاسي ثم نمت ويا ليتني لم أنم، رأيت جنازتي تمر من أمام عيني، وعشت لحظة انهيار أمي وأبي عند خروجي في صندوق الموتى من بيتنا".

"أقضي الليل بأكمله ألعب وآكل وأرقص مع أفراد من عائلتي المتوفين، فتارة أركض وراء جدي المتوفي قبل 10 سنوات، وطوراً أتشاجر مع جدتي التي فقدناها قبل أعوام طويلة"

تنزل دمعة من عيني سارة، تمسحها بسرعة، مبتسمة، وتواصل حديثها عن ليلة الرعب كما وصفتها: "رأيت تفاصيل جعلتني أصرخ، وأشد شعري، وقد تداخلت علي الأحاسيس بين الحياة والموت حتى أنني لم أستطع معرفة ما إذا كان ما أراه كابوساً أم حقيقة بعد استفاقتي".

اللعب مع الموتى

يرى مرضى كورونا كوابيس غريبة وأحلاماً مدهشة وقصصاً أبطالها موتى، تقول رانية (30 عاماً)، تعمل في محل حلويات، لرصيف22: "صحيح أنني شفيت من فيروس كورونا بأعجوبة، لكنني لم أنس الكوابيس التي رافقتني طوال فترة مرضي ومقاومتي له، إنها أشد فتكاً من الفيروس نفسه".

وتضيف الشابة التونسية، وقد ملأت الدموع عينيها: "كلما أتذكر الكوابيس التي عشتها أثناء فترة إصابتي أنهار، وأشعر بالخوف الشديد، فهي ليست مجرد كوابيس عادية، بل إنها غريبة ومختلفة تماماً".

وتتابع: "أقضي الليل بأكمله ألعب وآكل وأرقص مع أفراد من عائلتي المتوفين، فتارة أركض وراء جدي المتوفي قبل 10 سنوات، وطوراً أتشاجر مع جدتي التي فقدناها قبل أعوام طويلة، وفي بعض الأحيان أقضي ساعات من المشاجرات مع زوجة عمي المتوفاة هي الأخرى".

وتضيف رانية: "من بين الكوابيس الأخرى التي تعرضت لها، هي أنني أرى أثناء نومي جنازتي بشكل مفصل. رأيت أنني توفيت بسبب الفيروس اللعين وكانت جنازتي حاشدة حضرها الموتى قبل الأحياء، ورأيت أمي تبكي، ورأيت كيف وضعوني في قبري، عندما أستيقظ من نومي أبكي من السعادة وأشكر الله أنني حية أرزق، وأن ما رأيته مجرد كابوس".

آلة الزمن

قضى محمد (45 عاماً) معظم ليالي إصابته بكوفيد19 مع جدته المتوفاة قبل 20 عاماً، يقول لرصيف22، ضاحكاً: "عشت أشياء في المنام مع جدتي المتوفاة منذ عقدين يكاد المرء يصدقها لدقتها، فقد كنت أرافقها في المطبخ، وأتناول معها الفطور، ورأيت ضحكتها وجمال يديها المخضبتين بالحناء، وكانت تحدثني عن شبابها وتصف لي حياتها في البادية بتفاصيل مملة. لو لم أستيقظ لقلت إنني أعيش في ذاك الزمن".

ويضيف محمد، وقد اغرورقت عيناه بالدموع: "لشدة حبي لجدتي واشتياقي لها صرت أنتظر الليل، رغم الألم وارتفاع درجة الحرارة فقط لأعيش لحظات من الزمن الجميل مع أناس رائعين فقدناهم إلى الأبد، فكأن آلة الزمن تأخذني إلى هناك ليلاً فأبتهج، وتعود بي صباحاً إلى زمن الواقع لأستفيق على آلامه المبرحة".

"لم أنس إلى اليوم الكوابيس التي رافقتني طوال فترة مرضي ومقاومتي له، إنها أشد فتكاً من الفيروس نفسه"

تقول سهى (22 عاماً)، طالبة، متحدثة عن معاناتها مع الكوابيس الليلية التي عاشتها فترة إصابتها بكوفيد19: "كنت أرى بعض الكوابيس في نومي، لكنها تختلف تماماً عن تلك التي رأيتها بسبب إصابتي بالسلالة الهندية".

وتضيف: "مرة أحلم أنني أنزلق في قبر ضيق بينما يخنق رقبتي حبل سميك، ومرة أخرى رأيت نفسي بين القبور أتحدث إلى الموتى وأضحك معهم، ورأيت جدتي رحمها الله، وهي تداعب خصلات شعري، ثم قامت بخنقي بنية قتلي، وبالفعل عندما أفقت من نومي أحسست بألم في رقبتي وقفصي الصدري، لا يمكنني نسيان ذلك الشعور أبداً".

وتواصل: "كنت أخاف من الليل كثيراً، ففيه أجري وراء خالي المتوفي، وهو يهرب مني، وفيه أرى القبور والموتى يتسلقون جدار بيتنا ويريدون الوصول إلي".

حالة شائعة

يرى المختص في علم النفس الاجتماعي محمد بن دالة أن الكوابيس تعتبر "حالة عادية بالنسبة لمرضى كورونا، فالأحلام ترجمة للعقل الباطن، وقد لاحظنا مؤخراً، حسب شهادات الكثيرين ممن أصيبوا بالفيروس، رؤيتهم كوابيس غريبة، ومفعمة بالأحداث والتفاصيل، وقد أثّر انتشار فيروس كوفيد19 على نفسية العالم أجمع، وانتابت الجميع مشاعر جديدة تماماً، وغير مسبوقة، لذلك من منطلق نفسي ينسج الدماغ تفسيرات، وقصصاً عديدة لاستيعاب تلك الأحاسيس، وأهمها الخوف من الموت أو ترقبه، ما جعل أغلبية الكوابيس تتمحور حول رؤية الشخص لجنازته مثلاً أو رؤيته لأناس متوفين وحديثه معهم، فالإنسان بطبعه لا يميل كثيراً إلى ما هو دنيوي، بل يعطي الأولوية لما أثر عليه عاطفياً، وأغلب الأبحاث تشير إلى أن الحلم بأشياء مخيفة هو آلية دفاع ضرورية، تجعل الدماغ أكثر قدرة على التعامل مع التوتر والأحداث الواقعية المؤلمة والتفاعل معها".

وقال بن دالة إن الكوابيس واضطرابات النوم في فترات الكوارث شائعة جداً، وهو ما فسره سيغموند فرويد بأن الأحلام انعكاس للواقع، فعندما يشعر الإنسان بالقلق نهاراً يرى أحلاماً أكثر قلقاً ليلاً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard