شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"الإهانة تطاردنا والتهميش يلاحقنا"... سخروا من إنجازات ذوي القدرات الخاصة في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 8 سبتمبر 202104:46 م

يبدو أن عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ، الذي صارع مرض العصبون الحركي معظم حياته، لا يعتبر الوحيد الذي لم تحرمه إعاقته الشديدة من ممارسة حياته بشكل طبيعي مثلنا نحن البشر "العاديين".

نجح هوكينغ في تحقيق إنجازات غير عادية، كذلك كشفت بارالمبياد طوكيو 2020 عن نماذج لأشخاص تغلبوا على الإعاقة، وكتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب، لكن النتائج المشرفة التي حققوها قوبلت بنظرة استهزاء، وحتى استخفاف من قبل بعض المسؤولين على الرياضة الجزائرية.

شهدت الجزائر، هذه الأيام، موجة استياء واسعة ممزوجة بالحسرة على ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب طريقة التعامل معهم قبل السفر، وحين عودتهم إلى أرض الوطن، حاملين في رصيدهم 12 ميدالية عالمية، مما وضع الجزائر في المرتبة الأولى إفريقياً وعربياً من حيث عدد الميداليات، وفي المرتبة الثانية بعد تونس، من حيث نوعية الجوائز، وفقاً للترتيب الرسمي للبارالمبية.

في وقت مُني الوفد الجزائري، الذي شارك في أولمبياد طوكيو، قبل أسابيع وبنفس المكان، بخسارة كبيرة وعاد خاوي اليدين، وهو ما دفع الفريق لتحميل وزارة الشباب والرياضة مسؤولية الانتكاسة حتى أنه اتهمها بـ "التقصير" في أداء مهامها من حيث توفير الظروف الصحية الملائمة خلال فترات التدريب.

استقبال مهين للأبطال

وكانت الحافلة التي خصصت لنقل الأبطال والرياضيين من ذوي الهمم من المطار، القطرة التي أفاضت الكأس، وأشعلت فتيل الغضب في صدور الجزائريين، إذ ظهر قطاع عريض منهم، وهم يحاولون الصعود إلى حافلة نقل عام صغيرة جداً، أبوابها ضيقة لا تتسع سوى لشخص واحد فقط، وسط معاناة كبيرة بسبب علوها، فبعضهم يستعملون الكراسي المتحركة بسبب إعاقتهم الشديدة، وحسبما نقلته تقارير إعلامية محلية فإن الحافلة تم تأجيرها من أحد الأشخاص، وتعمل على الخطوط الداخلية بالعاصمة، وهي في الأصل تشكل كابوساً للناقلين الجزائريين بسبب ضيقها واهترائها.

وظهر في إحدى الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، شيخ مسن وهو يحاول فتح الكرسي المتحرك، ومساعدة إحدى البطلات اللواتي شرفن الجزائر، ورفعن رايتها في المحافل الدولية من دون أن يحظين بأية مراسيم استقبال رسمية، فلم يجدوا أحداً في استقبالهم بالمطار سوى أقربائهن.

وهو ما عبر عنه المحلل السياسي والأستاذ الجامعي زعير بوعمامة، إذ كتب على صفحته الرسمية على فيسبوك: "الأبطال الذين أحضروا الذهب والفضة والبرونز، وحطموا الأرقام القياسية العالمية، ورفعوا راية البلاد، لم يستقبلهم الوزير، وبعث لهم حافلة كخيانة مؤجرة بين البلدات ليست مناسبة مطلقاً لوضعهم، والذين أتوا بأيديهم خاوية تماماً، وانهزموا، استقبلوا في المطار بكل حفاوة، نعتذر منكم يا أبطال".

وطالب المحلل السياسي الرئيس الجزائري بالتدخل لإنهاء "عقلية التعالي، والاستخفاف هذه، ويحفظ للأبطال البارالمبيين احترامهم وحقهم".

"أتحمل يومياً في صمت "حقرة" المجتمع"، "الإهانة تطاردنا أينما حللنا، والتهميش يلاحقنا أينما ذهبنا"

وقال الأمين العام للاتحادية الجزائرية لرياضة المعاقين منصور آيت سعيد، في محاولة منه لتبرير الفضيحة: "لقد بحثنا عن حافلة خاصة لدى الخواص، ولكننا لم نعثر على ما نحتاجه، وأتحدى أياً كان بأن يجد نوعية الحافلات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في الجزائر قاطبة".

وزير الشباب والرياضة تحجج بالصدمة التي تم بها استقبال الأبطال من ذوي الهمم، وقال خلال إجابته عن أسئلة إعلاميين إنه "لا يمكن تبرير مثل هذه السلوكيات بمشكل الإمكانيات أو أي شيء من هذا القبيل".

وأقال الوزير المدير العام للرياضة والأمين العام لوزارة الشباب والرياضة، وأطلق جملة من الوعود التي لا تختلف كثيراً عن سابقاتها.

"طاقات خارقة ومهمشة"

التجاهل الذي قوبل به "أبطال طوكيو" ليس الأول من نوعه، إذ اشتكت إحدى الرياضيات الفائزات بالمعدن النفيس في اليابان منعها من الدخول إلى أحد ملاعب محافظة قسنطينة شرق العاصمة الجزائرية، واضطرت لتحضير نفسها وإجراء التمارين في مكان غير لائق بكل المقاييس.

وعلى الرغم من حرمانه من نعمة البصر، وانتمائه لفئة ضعاف البصر T13 والمشاكل والصعوبات التي واجهته قبل سفره إلى طوكيو وبعده، غير أن العداء الجزائري إسكندر جميل عثماني حصل على ثاني ميدالية ذهبية عقب تتويجه بنهائي سباق 400 متر، كما تمكن من تحطيم الرقم العالمي للسباق خلال دورة الألعاب البارالمبية، التي احتضنتها مدينة طوكيو اليابانية.

"البيئة المحطِّمة التي تحيط بهذه الفئة دفعت بالكثيرين إلى الانزواء والاختفاء عن الأنظار والانغلاق والتقوقع"

وروى عثماني للصحافيين لدى حلوله بمسقط رأسه "شلغوم العيد" (من أكبر البلدات التابعة لمحافظة ميلة شرق العاصمة) بعد عودته من طوكيو الصعوبات التي اعترضت طريقه، وقال إن الأمر وصل به للتدرب في الطريق، وفي الشارع بعد أن قررت السلطات الجزائرية غلق الملاعب وقاعات الرياضة بسبب وباء كورونا، كان المهم بالنسبة له عدم التوقف عن ممارسة الرياضة، ورغم ذلك نال شرف رفع الراية الوطنية في سماء طوكيو، وهو الحلم الذي راوده منذ الصغر.

والأمر المؤسف والمحزن بالنسبة لجميل إسكندر يكمن في توغل اليأس في نفوس ذوي الهمم، وقال بلغة صريحة تشبه البيانات السياسية المعارضة: "الجزائر تملك طاقات خارقة لكنها مغيبة ومهمشة تعاني من الحقارة، وقطاع عريض منها يصيبه الفشل وينسحب، بالأخص عندما لا يجد من يدعمه ويوجهه".

ورغم غياب البيئة المحفزة والداعمة لأصحاب الهمم العالية، الذين صنعوا مشاهد وصوراً ستدوم طويلاً في قلوب الجزائريين، خلال الألعاب البارالمبية التي نظمت في طوكيو، غير أن عثمان نصح ذوي القدرات الخاصة بالتحلي بالعزيمة والإرادة القوية والإيمان بقضاء الله وقدره.

"أتحمل في صمت"

ولا تختلف معاناة ليندة حمزي وسفيان حمدي وجميل إسكندر والبطل الأولمبي الجزائري عبد اللطيف بقة عن المعاناة التي يواجهها أبطال آخرون يسعون جاهدين لتمثيل الجزائر في المحافل الدولية.

يقول موسى، في العقد الثاني من عمره ويعاني إعاقة حركية منذ الصغر لرصيف22: "أتحمل يومياً في صمت "حقرة" المجتمع الذي يمنح العاديين مساحات خاصة للترفيه وممارسة الرياضة، فالأولوية تعود للرياضيين العاديين، ونحن نأتي في المقام الثاني".

وأردف: "الإهانة تطاردنا أينما حللنا والتهميش يلاحقنا أينما ذهبنا"، واستدل بالمنحة التي يتقاضونها شهرياً وتذهب غالباً لسد الأدوية والحفاضات والضمادات فهي لا تتجاوز أربعة آلاف دينار أي ما يعادل 50 دولاراً أمريكياً، والأمر الأصعب في هذا أنهم يقضون ساعات طويلة تحت أشعة الشمس للحصول عليها.

ووفقاً لموسى، فإن ذوي الاحتياجات الخاصة يواجهون صعوبات أخرى عند محاولتهم الحصول على المعدات والأعضاء التي تمكنهم من ممارسة حياتهم اليومية، رغم الإجراءات التي اتخذتها السلطات للتكفل بانشغالاتهم في مجال صناعة الأعضاء الصناعية، كإنشاء منصة إلكترونية خاصة.

ويختم موسى بالقول إن البيئة المحطمة التي تحيط بهذه الفئة دفعت بالكثيرين إلى الانزواء والاختفاء عن الأنظار والانغلاق والتقوقع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image