شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
قصّة حب النجمة والقمر... وماذا فعلت القصص الخيالية بأولادي؟

قصّة حب النجمة والقمر... وماذا فعلت القصص الخيالية بأولادي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 3 سبتمبر 202107:56 ص


حين كنت أقصّ على ولديّ الصغيرين؛ دلير ونوار، قصصاً خياليّة، كانت تبدو لهما حقيقيّة، وكان الدافع لديهما قويّاً، لمعرفة التفاصيل والأحداث كلها حتى النهاية. كانت أحداث القصة تدور حول "النجمة والقمر"، وحول علاقة الحبّ التي تجمعهما. توسعت القصة، مع مرور الوقت، وصارت من قصصهما المفضلّة. يقول دلير في هذه الأيام، إنّها من أجمل قصص الحبّ التي يمكن أن تقال للصغار.

في الأيام التي تلت سماعها، للمرّة الأولى، ظلَّ نوار يلحّ عليّ، كي أعيد سرد قصة "النجمة والقمر"، على الرغم من أنّه يعرف التفاصيل كلها، ويحفظها جيّداً.

يعشق الأطفال سماع القصص الخياليّة، وخاصةً تلك التي تترك أثراً كبيراً في ذاكرتهم الطفوليّة النشطة، وتجعلهم يعودون إليها بين الفينة والأخرى، وكلّما احتاجوا إلى سماعها مرة إضافية. مثل هذه القصص، تداعب المخيلة، وتجعل الحياة أكثرَ بهجة، وسحراً، وأجمل من الواقع بكثير.

هناك أسرارٌ كثيرة، في القصص الخياليّة، تجعل الطفل توّاقاً إلى المعرفة، وشغوفاً بسبرِ أغوار العوالم التي تداعب مخيلتَه، فيعيش في أدق التفاصيل، مستمتعاً، وطالباً المزيد

هناك أسرارٌ كثيرة، في القصص الخياليّة، تجعل الطفل توّاقاً إلى المعرفة، وشغوفاً بسبرِ أغوار العوالم التي تداعب مخيلتَه، فيعيش في أدق التفاصيل، مستمتعاً، وطالباً المزيد. وهي بالفعل قصصٌ تشدّ الأطفال إلى كشف الرغبات المدفونة في الأعماق، ومحاولة إيجاد عالم مليء بالحبّ والسعادة.

التوق إلى معرفة أسرار القصص الخياليّة، يساهم في توسيع مدارك الأطفال، ويجعلهم أكثر تشوّقاً، لترسيخ الأحداث التي تلهمهم في ذاكرتهم الفتيّة.

قال نوّار لي مرةً، قبل أن أبدأ بسرد إحدى قصص النجمة والقمر: "لو تعلمين يا أمي كم أحبّ الاستماع إليكِ، وأنتِ تتحدثين عن النجمة، ومقالبها الكثيرة مع القمر، خاصةً تلك التي تدور حول زيارة النجمة للقمر، في بيته، في يوم ذكرى ميلاده".

كان الطفلان، دلير الأكبر والصغير نوّار، يضحكان بسرور، ويقتربان مني أكثر، وكأنّهما يحاولان الغوص في كلّ حدثٍ داخل القصة، ليعرفا التفاصيل والأسباب التي تجعل النجمة تقوم بمقالب مضحكة مع حبيبها القمر.

ابتسمتُ، وقرأت ما يجول في خاطرهما، وأردفت بالقول: "السبب الرئيسي لمقالب النجمة، هو حبها اللا متناهي للقمر". ازدادت اللهفة في عيون الصغيرين، وهما يستمعان إلى ما تقوله أمهما.

أدركت أنّ سرد مثل هذه القصص، يوّسع مدارك والأطفال، وأخيلتهم، ويساهم في تعميق روح الفرح، والمحبة، والتآلف، وحسنِ الاستماع، والإصغاء التام أيضاً، فحين كنت أنسى بعض التفاصيل الصغيرة، في أثناء سرد القصة، كان الطفلان يتوقفان، ويعيدان، بفرح، ذكر التفاصيل بدقةٍ متناهية، فهما متابعان جيدان لكل كلمة أقولها في قصصي الخياليّة.

ابتسم نوار، حين شاهدني مرةً أتلعثم، محاولةً إيجاد الكلمة المناسبة لوصف حالة النجمة، وهي في طريقها لملاقاة القمر، وقال: "أعرف يا ماما أنّكِ تؤلفين هذه القصص، وعند إعادة سردها، تنسين بعض التفاصيل الدقيقة، لكن هذا لا يهم، فنحن نتابع كلّ كلمة وحركة، سواء أكانت تخص النجمة، أم القمر".

"نعم. أنا أنسى في بعض الأحيان، وأرجو المعذرة"، قلت، وأنا أبتسم ابتسامة عريضة.

علاقة النجمة مع القمر، علاقة حبّ وطيدة، منذ زمنٍ بعيد، وما كانتْ تفعله النجمة مع القمر، كله كان بسبب رابطة الحبّ القويّة التي تربطهما ببعضهما.

مرّة، تواعدا أن يلتقيا في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، بعد أن ينام الجميع، وتخلو الشوارع من المارّة. وصل القمر أولاً، إلى المكان المتفق عليه، وانتظرَ قدوم النجمة، لكنها لم تصل. طال انتظار القمر لأكثر من ساعة. قلقَ عليها كثيراً، ثمّ قرّر البحث عنها.

ذهبَ إلى بيتها، ووقف عند شباكِ غرفةِ نومها. كان الشباك مفتوحاً. ربما تعمّدتْ النجمة عدم إغلاقه في تلك الليلة. دخل بهدوء إلى الغرفة، لكنه لم يجدها في سريرها، ولا في أيّ مكان. ازدادَ قلقه أكثر.

رجع يائساً إلى بيته، وحين دخل إلى غرفته، رآها مستلقيةً في سريره، تنتظر عودته بشغف. كانت، في تلك الليلة، في أقصى درجات سعادتها. لم يتذمر القمر، ولم يغضب، احتضنها، وبقيا حتى الفجر يعيشان حبهما، ولم يشعرا بالتعب.

في حكاية أخرى، اتفقا على أن يخرجا معاً، للسهر عند ضفة النهر القريب من بيت النجمة. مرّ القمر أولاً إلى بيتها، ولكنه لم يجدها. ذهبَ إلى النهر، وانتظر هناك، وطال انتظاره. قال في نفسه: ربما حدث أمر طارئ جعلها تتأخر في المجيء.

في حكاية أخرى، اتفقا على أن يخرجا معاً، للسهر عند ضفة النهر القريب من بيت النجمة. مرّ القمر أولاً إلى بيتها، ولكنه لم يجدها. ذهبَ إلى النهر، وانتظر هناك، وطال انتظاره. قال في نفسه: ربما حدث أمر طارئ جعلها تتأخر في المجيء

نهض واقفاً، في جو جميلٍ منعش. رفع رأسه ناظراً إلى السماء، وإذ به يراها مستلقيةً على غصن شجرة، وتغطّ في نومٍ عميق. انشرحتْ أساريره، وبدأَ يتسلق الشجرة كي يصل إليها. في اللحظة التي وصل فيها إلى مكان النجمة، فتحتْ عينيها، وقالتْ: أرجو المعذرة. وصلتُ قبل مجيئك بساعة، وأردت أن أرتاح فليلاً، في هذا المكان الجميل، فغفوت. عانقها القمر، وبدءا بالحديث والملاطفة حتى الفجر، حين عاد كلٌّ منهما إلى بيته.

كان الطفلان يضحكان ملء شدقيهما. كان فرحاً حقيقياً، وكان حبي لهما عظيماً، وما زال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image