شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"دعونا لا نتسرع ونمنح طالبان فرصة"... أي فرصة؟ ولإثبات ماذا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 19 أغسطس 202103:20 م

منذ سيطرتها الدراماتيكية على العاصمة كابول، صُدمت بالكم الهائل من الأصوات الداعية إلى منح جماعة طالبان "فرصة" لإثبات -على ما يبدو- تغيير مزعوم في سياساتها وأيديولوجيتها تجاه العديد من الفئات والقضايا الحساسة، وعلى رأسها النساء اللواتي كن أكثر من قاسى في ظل حكم التنظيم الأصولي حتى عام 2001.

دعم التنظيمات الإجرامية والأنظمة القمعية ليس غريباً على الشعوب العربية بطبيعة الحال، لكن المؤلم أن يصدر هذا التبرير والدفاع عن ناشطين حقوقيين وسياسيين عانوا القمع وأجبروا على ترك بلدانهم، وشعراء وأكاديميين، ومؤثرين يتابعهم عشرات بل مئات الآلاف من الأشخاص عبر الإنترنت. 

تدرجت هذه الآراء من طلب الفرصة بخجل كالقول "عطوهم فرصة يتنفسون"، إلى دعم طالبان والتهليل لـ"انتصار إسلامي على أمريكا"، وصولاً إلى التشكيك في نيّة من ينتقد الجماعة.

حتى هؤلاء المواطنون الأفغان الخائفون الذين تدفقوا على مطار العاصمة لم يسلموا من هجوم "أنصار طالبان" إذ بُرر هروبهم على أنه فرار من "إحدى أفقر دولة بالعالم" و"انتهاز للفرصة" لهجرة مؤجلة. كان البعض أكثر وقاحة باتهام المزاحمين لمغادرة أفغانستان بـ"الخيانة" و"الخوف من مصير المتعاون مع الاحتلال". وهذا هو التضليل بعينه لأن الأفغان الذين سُحقت أجسادهم في عجلات الطائرات الأمريكية لم يقدموا على ذلك إلا رعباً ويأساً من جماعة إرهابية ذاقوا المر من جرائمها على مدار عقود.

المتخوفون على سلامة النساء في أفغانستان وعلى حرياتهن وحقوقهن الأساسية تعرضوا للقسط الأكبر من التشكيك والهجوم من قبل "دعاة الفرصة لطالبان"، فوصفوا بـ"النفاق الغربي"، وتم تذكيرهم بانتهاك حقوق النساء في دول عربية وغربية أخرى. لست أفهم صراحةً إذا كان يرضيهم أكثر الصمت عن انتهاك حقوق النساء في كل مكان أم الاكتفاء بالحديث عن تلك الانتهاكات في دول مثل مصر وسوريا وليبيا من دون المساس بانتهاكات ترتكبها جماعات إسلاموية مثل طالبان.

أي فرصة لجماعة أراقت دماء الأبرياء، وبينهم الكثير من النساء، ولا تزال، ووصلت إلى الحكم بالسلاح؟ 

كان مؤلماً أكثر أن تكون سيدات ضمن "المدافعين" عن طالبان، وهو وصف مقصود بشدة، مثل الناشطة الحقوقية والسياسية السعودية علياء أبو تايه الحويطي.

بأسلوب ساخر، غرّدت الناشطة: "طالبان تدعو النساء إلى الانضمام لحكومتها! اللي بالي بالك طقوا"، وعادت لترد على تعليقات منتقدة: "كل ما أقوله ‘اعطوهم فرصة؟!‘".

أي فرصة عزيزتي علياء؟ أي فرصة لجماعة أراقت دماء الأبرياء، وبينهم الكثير من النساء، ولا تزال، ووصلت إلى الحكم بالسلاح؟ 

لست أكيدة إذا كانت علياء، ومن يتفقون معها، على علم بأن الجماعة المتشددة لم تلتزم المفاوضات على تسوية السلطة في البلاد مع ممثلي الحكومة الأفغانية، والتي احتضنتها قطر، وفضّلوا الاستمرار في المعارك لتحقيق "نصر عسكري" حتى مع تقديم الحكومة عرضاً لتقاسم السلطة معهم قبيل أيام من سيطرتهم على كابول.

"أنسنة" مقاتلي طالبان

راجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي تقارير إعلامية محاولات "أنسنة" مقاتلي طالبان وإظهارهم في هيئة "أشخاص عاديين" "يأكلون الآيس كريم" و"يمارسون الرياضة في الجيم" و"يلهون في الملاهي" و"يمرحون" عندما لا يمارسون القتل.

لا خلاف على أن مقاتلي طالبان من البشر، لكنهم ليسوا أناساً "عاديين" وإنما قتلة. ليس أخلاقياً أن نترك جرائمهم وقمعهم لتصدير لحظاتهم "الدافئة". 

وهنا يخطر ببالي: لماذا لم يتوقف مروجو هذه اللقطات، المقصودة والمرسومة بدقة من التنظيم باعتقادي، عند خلو الملاهي من الأطفال؟ لماذا لم يسأل أي شخص هل كانوا قد روّعوا الأطفال واستولوا على ألعابهم ليفوزوا بـ"اللقطة"؟  

تدرج دعاة "الفرصة" لطالبان من "عطوهم فرصة يتنفسوا" إلى التهليل لـ"انتصار إسلامي على أمريكا"، وصولاً إلى التشكيك في نيّات من ينتقد الجماعة بل وفي المواطنين الأفغان الهاربين من إرهاب الجماعة

كيف تكون "الفرصة"؟ 

يُخيّل إليّ أن المقصود بمنح طالبان فرصة هو التوقف عن انتقاد الجماعة أو الحديث عن جرائمها مثلاً. لنفترض أن هذا ممكن، على أنه غير أخلاقي لأقصى درجة، كيف يكون وضع النساء والفئات المعرضة للخطر/ الملاحقة خلال فترة "الفرصة"؟ 

هل يجوز أن نُطلق مثلاً قاتلاً متسلسلاً بعد فترة في السجن ونقول: دعونا لا نراقبه حتى نمنحه الثقة كاملةً والحرية للتحقق مما إذا كان السجن قد قضى على ميوله الإجرامية؟ ما بال وعناصر طالبان حتى الآن لم يحاكموا على أي جريمة ارتكبوها منذ سنوات بعيدة. كيف ولماذا نتوقع أنهم تغيروا؟

حتّى مع يقيني بأن "الفضح" الذي طالما كان سلاحاً قوياً في مواجهة العنف ضد النساء، وسيلة غير كافية لدعم الأفغانيات في مواجهة إرهاب طالبان، وأصبّر نفسي بأنه "ما باليد حيلة"... "حماة التشدد" يستكثرونه.

"مهدئات" خادعة

يرتكز البعض في دعوته إلى "فرصة" على بضعة تصريحات وقرارات ومواقف من طالبان تجاه المرأة منذ دخولها كابول اعتبرت إيجابية إلى حد ما، كالسماح لبعض النسوة بتنظيم أول تظاهرة للمطالبة بعدم المساس بمكتسباتهن خلال العشرين عاماً الماضية، والموافقة على ظهور عدة مذيعات محجبات على قناة حكومية.

وأغلب ظني أن هذه كلها ليست سوى مهدئات تهدف من خلالها الجماعة بالأساس إلى طمأنة الغرب المتوجس من حكم الإسلاميين.

الأفغان الذين سُحقت أجسادهم في عجلات الطائرات الأمريكية لم يقدموا على محاولة الهرب إلا رعباً ويأساً من جماعة إرهابية ذاقوا المر من جرائمها على مدار عقود

وربما هي وليدة الصدمة من مشاهد الفرار المروعة في مطار كابول. وترغب في تهدئة المواطنين لحين "استتباب الأمن" أو بمعنى أدق "إحكام السيطرة" على البلد.

لكن أعتقد أن هذا الوضع لن يدوم طويلاً وها قد بدأت البشائر. قالت المذيعة في راديو وتلفزيون أفغانستان شبنام دوران، الأربعاء 18 آب/ أغسطس، في مقطع مصور: "قال لي عناصر طالبان: النظام تغير، عودي إلى منزلك". علماً أنها كانت ترتدي الزي الذي تشترط الجماعة ظهور النساء به في الأماكن العامة.

وأطلق مقاتلو التنظيم النار في الهواء لمنع مواطنين راغبين في مغادرة البلاد من التوجه إلى مطار كابول. وخلت اجتماعات قادة طالبان من أي وجود نسائي على الرغم من دعوتهم العلنية للنساء إلى الانضمام إليهم.

كذلك هاجمت عناصر طالبان متظاهرين أفغاناً تجرأوا على إنزال راية الجماعة واستبدلوها بعلم البلاد في مدينة جلال آباد الشرقية، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ستة آخرين. أهكذا يكون احترام حقوق الإنسان الذي تعهدت به الجماعة؟ أهكذا تُرسي "الأمن" الذي طلب المتحدث باسمها "فرصةً" لأجله؟

بالتأكيد لست أنا الشخص المناسب للتعبير عن خوف/ وضع المواطنين، وتحديداً النساء، في أفغانستان. وإنما علينا الاستماع إلى أصوات الأفغانيات الشجاعات مثل المخرجة صحرا كريمي، التي لا تزال داخل البلاد، والمغنية والناشطة النسوية آريانا سعيد، التي تمكنت أخيراً من الهروب إلى قطر بسلام، والاستمرار في دعم أصواتهن والاستمرار في تذكير العالم بما تعيشه النساء في ظل طالبان على أمل أن توقف قمعهن.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image