شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
تنصيب مناوي... هل يرفع المآسي عن إقليم دارفور؟

تنصيب مناوي... هل يرفع المآسي عن إقليم دارفور؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 11 أغسطس 202105:59 م

تمت مراسم تنصيب رئيس حركة تحرير السودان، منّي أركو مناوي، حاكماً لإقليم دارفور، غرب البلاد، في احتفال كبير، توطئة لاستلام الرجل مهامه عملياً من قلب دارفور، بعد شهرين قضاهما في العاصمة السودانية، عقب تأديته القسم.

وتجيء تسمية مناوي إنفاذاً لاتفاق جوبا لسلام السودان، الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، وعدد من قادة الحركات المتمردة ضد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وبموجبه يجري إعادة دارفور إلى نظام الحكم الإقليمي بدلاً من نظام الولايات.

ويُعد إقليم دارفور الذي تعادل مساحته مساحة فرنسا، أحد أغنى الأقاليم السودانية، زراعةً، وثروة حيوانية، ومعادن، وسياحة، كما يحل الإقليم، على الرغم من دخوله في مستنقع الاحتراب، منذ العام 2003، في الترتيب الأعلى من حيث الكثافة السكانية طبقاً لآخر تعداد سكاني أُجري في البلاد، كما يتميز بحضارةٍ راسخة، وتنوعٍ كبير، وثقافاتٍ ولهجاتٍ متعددة، ما يجعله منبعاً لإنتاج الثقافة الفنون.

وعانى الإقليم من ويلات الحرب التي شنها نظام الرئيس السابق عمر البشير، في الفترة من 2003 إلى 2008، وأدت إلى توزع مئات الآلاف من سكانه بين قتيل، ومصاب، ونازح... وضع أدى إلى إصدار مذكرة توقيف حمراء في حق رأس النظام البائد، وأربعة من أبرز مساعديه، بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

"مناوي كان في مقدوره أن يبدأ حقبته بأحسن صورة، في حال قبل بتحويل الأموال المخصصة للاحتفال، لصالح إقامة مشروعات لأهالي دارفور، بدلاً من تبديدها في فعاليات للحشد، أسوة بما كان يفعل نظام المخلوع البشير"

ووصل مناوي إلى المنصب، بعد قيادته وعبد الواحد نور، التمرد على نظام البشير في 2003، ثم ما لبث أن وقع على اتفاق سلام منفصل مع الخرطوم في 2006 (اتفاق أبوجا)، ليجري تعيينه مساعداً للرئيس المخلوع، قبل أن يعود إلى صفوف التمرد بحلول 2010، بعد تصريحات قال فيها إنه مهمش داخل القصر الرئاسي.

والتحق مناوي بالجبهة الثورية، وهي أكبر تجمع للحركات المتمردة على نظام البشير، وظلّت تقاتل الخرطوم إلى حين سقوط النظام في ثورة شعبية عام 2019.

وانخرط مناوي الذي شغل منصب نائب رئيس الجبهة الثورية، في مفاوضات مع الحكومة أفضت إلى توقيع اتفاق سلام تاريخي في جوبا (تشرين الأول/ أكتوبر 2020)، وبعد إلحاق عدد من قادة الجبهة بمؤسسات الحكم، جرت تسمية مناوي حاكماً للإقليم في أيار/ مايو الماضي.  

صرف مهول

لا يُعرف على وجه الدقة حجم الأموال التي تمَّ صرفها على احتفال التنصيب، ولكن بنظرة سريعة يمكن تقدير الكلفة بمليارات الجنيهات السودانية، فقط إذا نظرنا إلى تحرك سبع طائرات تقل وفوداً رسمية وشعبية من الخرطوم إلى أرض الاحتفال في مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور.

وشهد مراسم الاحتفال رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وعضو مجلس السيادة محمد حسن التعايشي، وعدد من الوزراء، وولاة دارفور، وممثلو البعثات الدبلوماسية في السودان، ووفود شعبية ضمت قيادات الإدارة الأهلية، ومشايخ الطرق الصوفية، وصحافيين.

وتراوحت ردود الفعل بين غاضب على الصرف الباذخ، وبين من يرى في الاحتفال رمزية سياسية مهمة.

"احتفال مناوي أشرفت عليه جهات حكومية على رأسها مجلس السيادة الذي كوّن لجنة عليا لتنصيب حاكم دارفور واستقباله، لتمرير رسالة مهمة في شأن جدية الحكومة في تنفيذ اتفاقية السلام"

يقول المتخصص في شؤون دارفور محمود ود أبوك، إن مناوي كان في مقدوره أن يبدأ حقبته بأحسن صورة، في حال قبل بتحويل الأموال المخصصة للاحتفال، لصالح إقامة مشروعات لأهالي دارفور، بدلاً من تبديدها في فعاليات للحشد، أسوة بما كان يفعل نظام المخلوع البشير.

وأضاف في حديثه مع رصيف22: للمرة الأولى نسمع في السودان كلمة تنصيب، لشاغل منصب، وفقاً لتحاصص سياسي، وليس وفق انتخابات شعبية، ما يؤسس لأن تصير المناصب امتيازاً، وليست أعباء ومهمات. 

وسافر ما يزيد عن 500 شخص، إلى دارفور، تقريباً، عبر الطيران، طبقاً لود أبوك، الذي يشير إلى أن تذكرة الطائرة من الخرطوم إلى الفاشر، ذهاباً وإياباً، تصل إلى 75 ألف جنيه، ما يعني تبديد نحو 37.5 مليون مليون جنيه على الطائرات فقط، زد على ذلك كلفة استضافة هذه الوفود كلها، وإعداد منطقة الاحتفال وتأمينها، وتجهيزها للوفود القادمة من مختلف بقاع دارفور، ما يرفع الفاتورة إلى أرقام يمكن تقديرها بنحو 60 إلى 75 مليون جنيه، في أقل تقدير.

ويرى ود أبوك أن هذه الأموال كان يمكن توجيهها لصالح إقامة مشروعات مياه عدة، وبناء مدارس ومراكز صحية، تسهم في استقرار الأهالي، وإنهاء حالة النزوح. 

في المقابل، ذهب عضو قطاع الإعلام في الجبهة الثورية، بركات آدم موسى، إلى أن احتفال مناوي أشرفت عليه جهات حكومية على رأسها مجلس السيادة الذي كوّن لجنة عليا لتنصيب حاكم دارفور واستقباله، لتمرير رسالة مهمة في شأن جدية الحكومة في تنفيذ اتفاقية السلام.

وأضاف في حديثه لرصيف22، بأن الرسالة الأهم من الاحتفال، موجهة إلى الدول الخارجية، والمانحين، بضرورة دعم مسار دارفور باتفاق السلام، للحيلولة دون عودة الحرب، وإنهاء أزمة الإقليم مع النزاعات، وتهديد حكم المدنيين.

أولويات

يظل فرض الأمن بمثابة الأولوية التي تنتظر مناوي، فقبل أيام فقط، فرضت السلطات في ولاية شمال دارفور، حالة الطوارئ في منطقة كولقي، بعد صراع ذي طابع قبلي، راح ضحيته ما لا يقل عن 13 شخصاً.

وتنامت ظاهرة الصراعات القبلية في دارفور عقب سقوط البشير، وهو ما تعزوه الحكومة إلى تحركات عناصر النظام البائد، فيما يلعب ضعف الدولة في فرض هيبتها دوراً في تدهور الأوضاع بنسبة أقل.

ويعتقد بركات آدم بأن مناوي يصل إلى الإقليم برغبة أكيدة في جلب السلم، بعدما ذاق بنفسه ويلات الحرب، مشيراً إلى أن نجاحه في تلك المسألة عائد إلى مدى مساندة المركز له.

يظل فرض الأمن بمثابة الأولوية التي تنتظر مناوي، فقبل أيام فقط، فرضت السلطات في ولاية شمال دارفور، حالة الطوارئ في منطقة كولقي، بعد صراع ذي طابع قبلي، راح ضحيته ما لا يقل عن 13 شخصاً

ويرى بأن فرض الأمن قادر على استجلاب بقية المكاسب، ومن ضمنها الاستقرار، وعودة النازحين، وبدء عمليات التنمية في الإقليم.

التحديات

يظل التحدي الأكبر بالنسبة إلى مناوي، في مدى قدرته على تسويق نفسه كحاكم للإقليم كله.

ويطالب ود أبوك، مناوي، بأن يكون حاكماً لسكان الإقليم جميعهم، من دون تفرقة، محذراً من أن إظهاره أي ميول لصالح قبيلته، أو منطقة على حساب أخرى، قد يدفع بالأمور إلى ما لا تُحمد عقباه.

ومن ثم، فعلى مناوي –والكلام ما يزال لود أبوك- خفض تصريحاته المستفزة إلى أقصى درجة، والتفرغ للعمل بدلاً من التغريد على تويتر.

ويزيد ود أبوك تحدياً آخر، يفرضه الحكم الإقليمي ذو الطابع الفيدرالي، في شأن ضرورة استقلال دارفور بنسبة كبيرة عن المركز، وهو ما يتطلب التركيز على إقامة مشروعات إنتاجية كبيرة، وتوطين الجامعات، والمرافق الصحية، وتوفير فرص العمل التي تحول دون هجرة أبناء الإقليم إلى الخرطوم، ودول العالم.

في الجانب المعاكس، يقطع بركات آدم بأن السنوات الطوال التي خبرها مناوي في الميدان، والقصر الرئاسي، وتحالفات المعارضة، كفيلة بجعله يدير الإقليم بطريقة توافقية، بمنأى عن التكتلات.

مشدداً على أن مناوي بصراحته المفرطة، واحتجاجاته ذات الطابع العلني، قادر على انتزاع حقوق أهالي دارفور من المركز، ومحذراً بشدة من إطلاق تبني أراء تمييزية، وذات طابع عنصري في حق الرجل، كونها تزيد من الاصطفافات، وتزيد من الشقة بين مكونات الإقليم، وتنسف أحد أهم شعارات الثورة التي جرى رفعها ضد البشير بأن "كل البلد دارفور".

وفي خاتمة حديثه، حث بركات الجميع على إسناد مهمة "ابن الإقليم" مناوي، بما في ذلك الحكومة المركزية، والمانحين لأجل أعمار دارفور، وإعادتها إلى سيرتها الأولى.

مشاهد من الاحتفال

انقطع التيار الكهربائي قبل صعود مناوي إلى منصة الحدث، وهو ما عدَّه سلوكاً صادراً عن عناصر الدولة العميقة، في إشارة إلى النظام البائد.

حيّا مناوي رئيس مجلس السيادة، ولكن بدلاً من أن يقول عبد الفتاح البرهان، قال عبد الفتاح السيسي، ومن ثم استدرك قائلاً: "كلهم أشقاء".

افتتح مناوي حقبته بفتح التجارة الحدودية مع دول الجوار، وهو ما يتطلب عمليات ضبط كبيرة، لا سيما وأن السودان يشكو من تدفق السيارات المنهوبة والمهربة، المعروفة شعبياً بـ"البوكو حرام".

غاب عن حفل التنصيب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ونائب رئيس مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو (حميدتي).

البرهان في كلمته قال إن أهل دارفور باتوا أمانة في عنق مناوي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image