لطالما شارك العرب، خلال العقود الماضية، بقوة، في الألعاب الأولمبية، محرزين ألوان الميداليات كافة، من ذهبي، وفضي، وبرونزي. إلا أن الفرق العربية، وحتى الآن، لم تحرز أي ميدالية أولمبية في أي رياضة جماعية. ومن المؤكد أن هناك مغزى مهماً لذلك التعثر على مستوى الفرق، على الرغم من النجاح الفردي.
الموسم الحالي للألعاب، طوكيو 2020، بدأ مبشراً بإمكانية إنهاء هذا الجفاف، وحصول، ولو فرقة عربية واحدة، على ميدالية، وإن كانت برونزية.
وصول فريق الفراعنة المصري إلى نصف النهائي في لعبة كرة اليد، ووصول الثنائي القطري إلى نصف النهائي في كرة الطائرة على الشاطئ، وفّرا إمكانية حقيقية للحصول على ميدالية، ربما ذهبية، أو فضية. ولكن ذلك لم يتحقق.
إن عدم وصول أي فرقة عربية إلى نهائيات الألعاب الأولمبية، من خلال فريق جماعي، له دلالات أبعد بكثير من الرياضة.
شاهدت بشغف مباراة مصر مع فرنسا، الخميس الماضي، وشعرت أنه قد يكون هذا الموسم الفرصة العربية الأولى لكسر الجليد، واعتلاء فرق عربية منصة الفائزين.
إن عدم وصول أي فرقة عربية إلى نهائيات الألعاب الأولمبية، من خلال فريق جماعي، له دلالات أبعد بكثير من الرياضة. فعلى الرغم من أن النجاح في أي سباق رياضي يتطلب العمل الدؤوب، والتدريب، والمهارة، وحسن الإرشاد، إلّا أن اللاعبين العرب أثبتوا قدرتهم على ذلك كله، ولكن في الألعاب الفردية فحسب. فالفوز الجماعي يتطلب مهارات إضافية، يبدو أننا، كشعوب عربية، ما زلنا نفتقدها.
في العودة إلى مباراة نصف النهائي الأخيرة: تفوّق فريق الفراعنة في السبع دقائق الأولى، على فرنسا، بخمسة أهداف مقابل هدف واحد، ولكن سرعان ما عاد الفريق الفرنسي، وقلّص الفارق، وعادل النتيجة لتصبح 13-13، مع نهاية الشوط الأول. أما في الشوط الثاني، فبدأ بتسجيل الفرنسيين هدف السبق، وبقيت فرنسا متفوقةً حتى إعلان نهاية المباراة، بنتيجة 29-23. الأمر كان مماثلاً لدى الفريق القطري الذي كان متفوقاً بنقطة قبل نهاية الشوط الأول، إلا أن فريق اللجنة الأولمبية الروسية (رسمياً، روسيا ممنوعة من المشاركة بسبب مخالفات جسيمة للنظام الأولمبي أبرزها استخدام المنشطات في الدورة السابقة)، عدّل النتيجة. وبعد خسارة الشوط الأول 21-19، خسر القطريون الشوط الثاني، وإمكانية المنافسة على الذهبية، بنتيجة 21-17.
هذا يعني أننا نتحمس، ونتقدم في بداية العمل، ولكن لا يوجد لدينا نفس طويل، كجماعة. لقد أثبت العدّاؤون مسافة طويلة، أن للعرب نفساً طويلاً في المسافات الطويلة، ولكن، مرة أخرى، كأفراد، وليس كجماعة. إذ يبدو أننا كجماعة، ننهار، أو نتقهقر، مع مرور الوقت، ولا يوجد لدينا النفس الطويل.
من ناحية أخرى، يتطلب النجاح من الفرق الرياضية، نسبةً عالية من التعاون، والعمل الجماعي، وفي أحيان كثيرة، التضحية الفردية مقابل النجاح الجماعي. فمثلاً في مباراة مصر-فرنسا، كانت نسبة النجاعة في التصويب لدى الفريق المصري متدنية، إذ أضاع لاعبون كثر، رميات، بدلاً من تمرير الكرة لزميل آخر قد تكون فرصه أكبر في إصابة الهدف.
على الرغم من أن النجاح في أي سباق رياضي يتطلب العمل الدؤوب، والتدريب، والمهارة، وحسن الإرشاد، إلّا أن اللاعبين العرب أثبتوا قدرتهم على ذلك كله، ولكن في الألعاب الفردية فحسب
إن غياب النجاح الجماعي، ليس محصوراً في الألعاب الأولمبية فحسب، بل لا يزال هناك فشل كبير على المستوى العربي، في تحقيق نجاحات في كأس العالم، في كرة القدم، أو كؤوس أخرى، على الرغم من بعض النجاحات العربية في الكؤوس الإقليمية، والتي غالباً ما تكون ضد فرق ليست لها أيضاً نجاحات كبيرة في مجال العمل الجماعي.
إن الفشل الجماعي في العالم العربي ليس محصوراً في الرياضية، بل أيضاً نرى، على سبيل المثال لا الحصر، أن الشركات العائلية في العالم العربي أنجح بكثير من الشركات المساهمة العامة. ويعود الأمر إلى ضعفنا في العمل معاً، والرغبة الدائمة بتحقيق أهداف وأرباح فردية وعائلية، لا أرباحاً توزع على شريحة واسعة.
نرى غياب العمل الجماعي نفسه، في غياب المشاركة السياسية في الحكم. إذ يصعب تشكيل حكومات ائتلافية، ويفضل الزعماء الفرديون تأجيل الاستحقاقات الانتخابية، إذا ما شكّوا في أن الحزب الحاكم سيحصل على أغلبية مريحة ليحكم وحده. نرى ذلك الآن في فلسطين، ولبنان، وليبيا، وتونس، وغيرها من الدول التي توافرت فيها أسس النجاح الديمقراطي، ولكن أصحاب الحكم الفردي لم يرتاحوا لمبدأ التعاون والمشاركة مع آخرين في الحكم.
على الرغم من خسارة مصر وقطر، وعدم تمكنهما من الوصول إلى النهائيات، إلا أنه لاتزال لديهما، في الأيام القادمة، إمكانية الفوز بميدالية برونزية، لفرقهم العربية، وقد يكونون بذلك قد كسروا عقده غياب الميداليات عن الفرق العربية.
إن درس غياب النجاح عن الفرق العربية، مؤشر مهم لكيفية الخروج من عنق الزجاجة.
إن الفشل الجماعي في العالم العربي ليس محصوراً في الرياضية، بل أيضاً نرى، على سبيل المثال لا الحصر، أن الشركات العائلية في العالم العربي أنجح بكثير من الشركات المساهمة العامة
أهمية التعاون يجب أن تصبح أساس التعليم، والتوعية، في البيت، والمدرسة، والجامع، والكنيسة، والنادي، والمؤسسات العامة. وعلى الدول والشعوب العربية التي تريد أن تتقدم، وتفوز بميداليات لفرقها الوطنية، أن تبدأ بزرع بذور مبادئ التعاون والمشاركة في الصفوف الابتدائية الأولى، لعلنا نشاهد في السنوات القادمة، فرقاً عربية بأكملها، تحيّي علمها الوطني، بعد الفوز بميدالية ذهبية في مباراة جماعية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...