شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
فتاوى ومخاوف ونقص في التمويل...تحديات تواجه الرياضيات الليبيات

فتاوى ومخاوف ونقص في التمويل...تحديات تواجه الرياضيات الليبيات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 17 يونيو 202106:05 م

في 2021، تقف فتاة ما في بيت ما في مدينة ليبية ما، وتنطق أمام أسرتها بجملة من ثلاث كلمات تثير الفزع "أريد ممارسة الرياضة".  

عادة ما تلقى هذه الكلمات على مسامع الأسر الليبية بحذر إن صدرت عن فتاة، لارتباط ممارسة الفتيات للرياضة في المجتمع الليبي المحافظ بالتشبه بالذكور والاختلاط بالرجال والخروج على قيم الأسرة والتأثير على فرص الفتاة في الزواج.

إلا أن الظروف التي يحياها المجتمع الليبي منذ اندلاع الثورة التي استحالت إلى حرب أهلية ،جعلت الضغوط الاقتصادية على الدولة وعلى المواطنين تهديدًا لفرص الإناث في ممارسة الرياضة، حتى لو كن من أسر ميسورة.

في 2021، تقف فتاة في بيت في مدينة ليبية ما، وتنطق أمام أسرتها بجملة من ثلاث كلمات تثير الفزع "أريد ممارسة الرياضة".  

عوائق مجتمعية

انعكست ملامح المطالبات المستمرة بفصل الإناث عن الذكور في المدارس الليبية، وتقليل أماكن وجود النساء، على إمكانيات ممارستهن للنشاط الرياضي، الذي كان متواضعاً من البداية، إذ تأثرت نشاطات الرياضة المدرسية بالمدارس الخاصة بالبنات، بحجج تحريم ممارسة النساء للرياضة. 

في تقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في 2018 ونقلته عنها صحيفة العرب الصادرة في لندن، قالت فتيات ليبيات إنهن يرفضن المشاركة في فقرة الرياضة الصباحية في مدارسهن، تلك الفقرة التي تتشكل عادة من بعض تمارين الأيروبكس البسيطة، وذلك خشية من ارتكاب معصية. ويقول التقرير إن الحال غالبًا ما ينتهى بهؤلاء الفتيات في مدارس سلفية.

 أما المدارس المختلطة، فترفع حجّة العيب والممنوع واحتكار حصص التربية الرياضية للذكور فقط، والتي غالبًا ما تنتهي بدورها إلى ركل متبادل للكرة من دون توجيه أو تنظيم، وتُختتم الفترة الرياضية  بإعلان صافرة انتهاء الحصّة.

 ومع افتقار المدارس للتجهيزات الرياضية الملائمة، تجد الطالبات الراغبات في ممارسة الرياضة أنفسهن في مواجهة الواقع الذي لا يمنحهن أكثر من لعب الحبل والجري والمسابقات التقليدية، لكن مع تقدمهن إلى المراهقة، يصير سلم اللعب أضيق وأصعب بفعل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، إذ تواجه الفتيات اللواتي يمارسن ألعابًا رياضية بعينها "ككرة القدم أو ألعاب القوى" ضغطًا من كبار العائلة، سواء كانوا إخوة أو آباء، بترك اللعبة.

انعكست ملامح المطالبات المستمرة بفصل الإناث عن الذكور في المدارس الليبية، وتقليل أماكن وجود النساء، على إمكانيات ممارستهن للنشاط الرياضي، الذي كان متواضعاً من البداية، إذ تأثرت نشاطات الرياضة المدرسية بالمدارس الخاصة بالبنات، بحجج تحريم ممارسة النساء للرياضة. 

من جانب آخر، فإن تردّي الأوضاع الاقتصادية في ليبيا وغياب الدعم الحكومي للمرافق الرياضية التي من شأنها ان تدعم وجود الفتيات في مضمار اللعب قد أضافا تحديًا آخر للقائمة ويتمثل في مصاريف المواصلات واشتراك النادي والملابس والأدوات الرياضية، وهذه كلها أصبحت رفاهية زائدة لنسبة كبيرة من أفراد المجتمع الليبي.

 حلم العالميّة منذ الطفولة

رتاج السائح، ليبية عمرها ٢٣ عامًا، ترشحت مرتين لبطولة العالم لألعاب القوى من دون أن تتمكّن من المشاركة لأسباب اقتصادية بسبب خلافات إدارية مع الاتحاد الليبي للألعاب الأولمبية، إلا أنها استطاعت خلال مسيرتها المبكرة أن تحرز سبع ميداليات ذهبية وفضيتين وبرونزية، كما أنها حطمت الرقم العربي في رماية القرص للناشئين وأصبحت حاملة الرقم العربي الأول.

تصف رتاج الصعوبات التي تواجهها للوصول إلى العالمية التي حلمت بها منذ طفولتها، بأنها صعوبات اقتصادية بالدرجة الأولى، خصوصًا أن والدها الذي يقوم بمهام مدربها الشخصي - سالم السائح، كابتن المنتخب الليبي لكرة الطائرة مطلع ثمانينيات القرن الماضي- قد أثقل كاهله بالتكاليف التي تحتاجها في التمارين منذ سنوات، وهو الذي تولّى الأشراف على تدريبها وإعدادها منذ كانت طفلة. ولأن ألعاب القوى ليست من الألعاب الشعبية، يصعب عادة على ممارسيها إيجاد راع رياضي، وتزداد تلك الصعوبة لدى الفتيات.

تقول رتاج لرصيف22 إن غياب الراعي الرياضي لها والدعم المالي هما السببان البارزان اللذان يحولان بينها وبين تمثيل ليبيا عالميًا.

وتضيف أنها لن تكون موجودة هذا العام في ألعاب طوكيو، نظرًا لتجميد البطولة الأفريقية، التي على أساسها تتم عملية التأهل لبطولة العالم. فيما أكدت مشاركتها خلال هذه الأيام في البطولة العربية لألعاب القوى في العاصمة تونس، على أمل الحصول على اللقب ونيل فرصة الترشح للبطولات المتتالية المقرر عقدها عام 2022، مثل بطولة حوض البحر المتوسط والبطولة الأفريقية وبطولة العالم.

(خاص لرصيف- تصوير رواسي عبدالجليل)

الاعتراف الدولي

تأسس فريق كرة القدم النسائي الليبي عام 1998، ولكن تم اعتماده بشرط لعب مباريات كرة القدم الخماسية على ملاعب صغيرة ومغلقة، كما أنه لم يحظ باعتراف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" حتى اللحظة. إضافة إلى هذا، فإن العرف الاجتماعي الليبي يعدّ ممارسة النساء لكرة القدم أشبه ما يكون بانتحار اجتماعي، إذ تُمنع الفتيات من ممارسة اللعبة بحجج عديدة، من بينها أن اللعبة لا تليق بالفتاة أو أن الدين يمنع هذه الألعاب "لما فيها من ملابس غير مطابقة لأحكام الشريعة". وسبق أن أصدر مفتي الديار الليبية قبل سنوات فتوى تحرّم لعب كرة القدم للفتيات.

 بعد ثورة فبراير عام 2011، استعاد فريق كرة القدم حيويته ببطء، وانطلق في جمع نفسه للخروج إلى العالم رغم المحاولات العديدة لقمعه اجتماعيًا، إلا أنه استطاع المشاركة في منافسات دولية ودية مطلع عام 2013 في مباراة بألمانيا، وخاض الفريق أول مباراة رسمية ضد الفريق المصري عام 2016 كجزء من التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الأفريقية، والتي انتهت بخسارة مدويّة للفريق الليبي بنتيجة 8-0 لصالح مصر. وأرجع المحللون الرياضيون تلك الخسارة إلى "نقص الخبرة وضحالة التجربة للاعبات اللواتي جلسن فترة طويلة على تكّة الاحتياط".

 تحاول لجنة كرة القدم النسائية بالاتحاد الليبي لكرة القدم، وعلى رأسها السيدة سعاد الشيباني، منذ مايو/ آيار الماضي، الدفع نحو إحياء الفريق النسائي المتعثر، وإرجاع النشاط الرياضي لكرة القدم النسائية بمراسلة الاتحادات الفرعية لتفعيل الفرق المحلية. كما بدأ الاتحاد في حشد الدعم لتأسيس فرق في المناطق الجغرافية المتباعدة في ليبيا لتوفير البيئة المناسبة لتدريب اللاعبات.

ولكن التحديات على الأرض مختلفة، ففي غياب الدعم والقبول الاجتماعي للعبة وتأنيثها، اقتصرت العودة على ممارسة كرة القدم الخماسية في الملاعب المغلقة، ليعود النشاط إلى مربع الميلاد.

مسألة الأولويات

 رؤى سعيد، 20 عامًا، هي إحدى لاعبات الاتحاد الليبي لرماية القوس والسهم، تقول لرصيف22 إن ممارسة اللعبة ليست هي التحدّي، لكن "الأولويات الحياتية" تفرض نفسها، اذ ترى أسرتها أن التحصيل العلمي أهم من المداومة على تمارين الرماية، وذلك على الرغم من أنها ترعرعت وسط أسرة رياضية، فوالدها يمارس الرياضة بشكل فردي منذ طفولته، ولم يزل، إلا أن ذلك لم يمنحها ميزة إضافية للاستمرار بشغف وقوّة، إذ يتم تقليل ساعات دوامها داخل المضمار لصالح إطالة ساعات التحصيل، خاصة مع بعد المسافة بين منزلها ومضمار التدريب، ما يهدر – في نظر أسرتها- وقت المذاكرة، كما يضع على الأسرة عبئًا اقتصاديًا، ما جعل التحاقها بالتدريبات أمرًا ثانويًا، وأثّر بشكل مباشر على أدائها الرياضي. 


تصوير رواسي عبدالجليل



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image