قالت السلطات المغربية إنها سترفع دعوى قضائية، أمام المحكمة الجنائية في باريس، ضد وسائل الإعلام التي نشرت تقارير تفيد عن استخدام أجهزة الاستخبارات المغربية لبرنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس"، من أجل استهداف معارضين، وصحافيين، وناشطين مغاربة، وفرنسيين، إلى جانب مسؤولين ووزراء فرنسيين، من ضمنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وعدّت السلطات المغربية أن نتائج التحقيق الاستقصائي الذي نُشر بشراكة بين منظمة العفو الدولية "أمنستي"، وائتلاف "فوربدين ستوريز" (قصص ممنوعة)، الذي يضم 16 جريدة دولية من ضمنها لوموند الفرنسية، وواشنطن بوست الأمريكية، بمثابة محاولة لتعكير صفو العلاقات المغربية الفرنسية، وتحاملاً على الأجهزة الأمنية المغربية.
ووكّل المغرب، عبر سفيره في باريس شكيب بنموسى، المحامي أوليفييه باراتيلي برفع دعوى "تشهير" ضد وسائل الإعلام، وأنكر أن يكون قد استعمل برنامج الشركة الإسرائيلية "NSO GROUP" في أي محاولة لاختراق هواتف المسؤولين الفرنسيين.
قال المغرب إن التسريبات الإعلامية بخصوص تجسسه على ناشطين ومسؤولين فرنسيين "مفبركة" ورفع دعوى في باريس ضد وسائل إعلام فرنسية. هذه الأخيرة أكدت أنها واثقة من معطياتها
هذا في وقت نفى فيه وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة، بدوره، وفي حوار خص به مجلة "جون أفريك"، بشكل قاطع، المعلومات التي توصلت إليها وسائل الإعلام الفرنسية قائلاً "إنها ستار من الدخان، تمت فبركته بشكل كامل (...) من طرف إعلام معروف بمواقفه العدائية ضد المغرب".
وتحدى الوزير هذه المؤسسات بتقديم أدلة "مؤكدة" على ضلوع المغرب في محاولات الاختراق.
رؤساء دول من ضمنهم ملك المغرب
وحسب المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام الفرنسية، ومن ضمنها "لوموند"، فإن عمليات اختراق مؤكدة، وقائمةً من عشرة آلاف رقم كانت أهدافاً محتملة لبرنامج "بيغاسوس"، قادتها أجهزة الاستخبارات المعروفة بـ"مديرية مراقبة التراب الوطني" التي يقودها عبد اللطيف الحموشي، الرجل القوي في الأجهزة الأمنية المغربية، والذي يقود جهاز الشرطة أيضاً، وتُعد المعلومات التي يمدُّ بها القصر مؤثرة في اتخاذ القرارات، حسب العديد من الإعلاميين المغاربة.
ووفق المعلومات المنشورة، فإن الأرقام التي ضمتها اللائحة لم تضم أرقام معارضين ومسؤولين أجانب فحسب، بل أرقام هواتف شخصيات بارزة في المغرب، من ضمنها أحد الأرقام الهاتفية الخاصة بالملك المغربي محمد السادس.
كما تضم اللائحة رقم الأميرة سلمى بناني، طليقة الملك، وابن عمه الأمير هشام العلوي، المعروف بـ"الأمير الأحمر"، والمقيم في الولايات المتحدة، والمعروف بمواقفه المنتقدة للنظام السياسي المغربي. ووُضعت أرقام ابنتي الأمير هشام، ورقم أخيه الأصغر الأمير إسماعيل على القائمة، لكن لم يؤكد من أنجزوا التقرير إن كانت الهواتف التي تُستعمل فيها هذه الأرقام قد اختُرقت فعلياً، أم لا.
وعزت وسائل الإعلام الفرنسية وجود رقم العاهل المغربي، وأرقام أشخاص من محيطه القريب، من ضمنهم صهره، ومسؤولين رفيعين في الجيش، ورقم رئيس الحكومة، إلى جو "الريبة" داخل الدائرة المقرّبة من الحكم، وتساءلت إن كانت مراقبة هذه الأرقام قد تمت بأمر ملكي، أم لأن رئيس الجهاز الأمني عبد اللطيف الحموشي تجاوز صلاحياته.
غضب فرنسي والصحافيون في "مرمى النيران"
إذا كان المسؤولون المغاربة ينفون بشكل قاطع أن تكون الرباط وراء التصنت على هواتف عشرات الصحافيين المغاربة والأجانب، فقد أكد مدير صحيفة ميديابارت، إدوي بلنيل، أن هاتفه، وهاتف إحدى صحافيات الجريدة، قد تعرضا للاختراق بين عامي 2019 و2020. وتقدمت الجريدة بشكوى رسمية أمام القضاء الفرنسي الذي فتح تحقيقاً في الملف.
وفي حين اتهمت صحيفة ميديابارت صراحة الاستخبارات المغربية بالتجسس عليها، وعلى مديرها، خلال إحدى زياراته إلى مدينة الصويرة المغربية، لمواقفه الصريحة من النظام المغربي، وشراكة مؤسسته مع جريدة "لوديسك" المغربية، فإن منظمة "مراسلون بلا حدود" قامت برفع شكوى أمام القضاء الفرنسي ضد مجهول.
سبق أن كشفت تقارير منظمات استخدام المغرب لبرنامج يغاسوس الإسرائيلي للتجسس على مواطنيه. الإعلام الفرنسي كشف أن المغرب وضع على قائمة الأهداف المحتملة مسؤولين كبار منهم ملك المغرب والرئيس الفرنسي. فكيف حدث هذا؟
وقال الصحافي عمر بروكسي الذي قدم الشكوى إلى جانب المنظمة، وهو ممن ظهرت أسماؤهم ضمن قائمة الأرقام المستهدفة، إنه حصل على تأكيد بأن هاتفه اختُرق عام 2018، من طرف برمجية "بيغاسوس"، ورأى أن ذلك مرده إلى مواقفه "المنتقدة" للنظام المغربي، ورجّح أن كتبه الصادرة باللغة الفرنسية، والتي تعبر عن مواقف نقدية، قد تكون من أسباب مراقبة رقمه.
"مشروع بيغاسوس" لم يقتصر على المغرب فحسب، بل شمل بلدان عدة، تأكد شراؤها البرنامج، من ضمنها السعودية، والإمارات، وهنغاريا، والمكسيك.وأضاف المدير السابق لجهاز الاستخبارات الفرنسي، أنه من السهل وضع قوائم تشير مباشرة إلى المملكة المغربية، وقد تكون عملاً استخباراتياً يستهدف حليفاً لفرنسا.وترتبت على المقالات التي نُشرت تباعاً في الصحافة الفرنسية، موجة من الانتقادات للسلطات المغربية من طرف فاعلين سياسيين رأوا أن في هذا تهديداً للأمن الفرنسي. لكن البعض دعا إلى التريث قبل إصدار أحكام نهائية في ما يخص الاتهامات بالتجسس على مسؤولين فرنسيين، من ضمنهم المدير السابق للمخابرات الفرنسية برنار سكارسيني الذي قال في تصريح لإذاعة "أوروبا 1" إنه من "السهل اتهام المغرب بالتجسس".
وترتب على الأخبار التي كشفت عنها وسائل الإعلام، عقد اجتماع لمجلس الدفاع الفرنسي برئاسة إيمانويل ماكرون. وأكد المتحدث باسم الإليزيه أن بلاده تأخذ على محمل الجد الادعاءات، وستحقق فيها. كما تم تعديل الإجراءات الأمنية الخاصة بالرئيس، على الرغم من أن السلطات الفرنسية أكدت أنه لا يستعمل الرقم المذكور في مكالمات ذات طبيعة حسّاسة.
نفي إسرائيلي
وفي الوقت الذي تزايدت فيه الانتقادات لإسرائيل، التي تسمح للشركات الخاصة ببيع الأنظمة المعلوماتية القادرة على استخلاص المعلومات المخزنة في الهواتف الذكية جميعها، باعتماد ثغرات في أنظمة أندرويد، وIOS التابع لشركة آبل، فقد قرر الكنيست الإسرائيلي فتح تحقيق في طبيعة "الفضيحة الجديدة" التي لم تقتصر على المغرب فحسب، بل شملت بلدان عدة، تأكد شراؤها البرنامج، من ضمنها السعودية، والإمارات، وهنغاريا، والمكسيك.
من جانبها نفت شركت NSO المنتجة لبرنامج التجسس "بيغاسوس"، أن تكون برمجياتها قد استُعملت في استهداف مسؤولين أجانب. ودافعت عن "سياستها" قائلةً إن برامجها تهدف أساساً إلى حماية الأمن، ومحاربة الجريمة والإرهاب.
ونشرت الشركة بياناً قالت فيه إنها "تنفي نفياً قاطعاً الاتهامات الموجهة إليها في التحقيق الاستقصائي"، ورأت أن وسائل الإعلام لم تقم، بالشكل الكافي، "بالتحقق من الفرضيات المقدّمة في التحقيق، وهو ما يضع محل شك مصداقية مصادركم، وجوهر تحقيقكم".
الصحافيون المغاربة أول الضحايا
وعلى الرغم من أن المغرب كرّر نفيه استعمال البرنامج في التجسس، فقد سبق أن أظهرت تقارير سابقة أن هواتف صحافيين مغاربة قد اختُرقت بالبرنامج، من ضمنها هاتف الصحافي عمر الراضي، المعتقل منذ سنة، والذي حُكم عليه في منتصف شهر تموز/ يوليو الحالي بالسجن ست سنوات.
كما سبق أن تعرض صحافيون بارزون لاختراق هواتفهم، من ضمنهم مؤسس جريدة "أخبار اليوم" توفيق بوعشرين الذي يقبع في السجن بدوره، وأبو بكر الجامعي، إلى جانب علي عمّار مدير موقع "لوديسك". كما تعرضت هواتف ناشطين من ضمنهم الجامعي المعطي منجب، وهشام المنصوري للاختراق من البرنامج نفسه.
وكانت هواتف هؤلاء قد خضعت لفحص تقني من منظمة "أمنستي" أكد وجود آثار تدل على العملية.
وتشير تقارير سابقة تعود لعام 2018 من ضمنها تقارير لمنظمة "سيتزين لاب" التي تعنى بالأمن المعلوماتي، أن دولاً عربية عدة تستعمل البرنامج، وأن المغرب على قائمة هذه الدول.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون