شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ما بعد القصف... أحلام تحت ركام بيوت غزة المدمرة

ما بعد القصف... أحلام تحت ركام بيوت غزة المدمرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 29 مايو 202105:53 م

لم يهنأ الصحافي الفلسطيني علاء شمالي في قطاع غزة المحاصر بشقته كثيراً، إذ وجد نفسه وأسرته المكونة من خمسة أطفال في الشارع للمرة الثانية، بعد أن قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بناية يسكن فيها بشارع اليرموك غرب غزة، وهي المرة الثانية خلال سبع سنوات التي يتعرض خلالها منزل علاء للقصف.

لم يهنأ الصحافي الفلسطيني علاء شمالي في قطاع غزة المحاصر بشقته كثيراً، إذ وجد نفسه وأسرته المكونة من خمسة أطفال في الشارع للمرة الثانية، بعد أن قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بناية يسكن فيها بشارع اليرموك غرب غزة، وهي المرة الثانية خلال سبع سنوات التي يتعرض خلالها بيت علاء للقصف.

المرة الأولى كانت خلال حرب عام 2014، عندما قصفت قوات الاحتلال منزل علاء في حي الشجاعية بقطاع غزة، حاول "شمالي" البحث عن مكان آخر في غزة أكثر هدوءاً وبعيداً عن نطاق الحرب والمواجهات، فاتجه إلى شراء شقة سكنية بعمارة أنس بن مالك في شارع اليرموك غرب قطاع غزة.

يقول شمالي لرصيف22: "امتلكت شقة عن طريق البنك بنظام السداد لمدة ثماني سنوات، حتى جاء العدوان الأخير على غزة، وتم استهداف البناية التي أسكن بها، وفقدت أغلى ما أملك، وبقيت الديون والأقساط على كاهلي لمدة عامين قادمين".


(شقة علاء التي صارت حطاماً ولا يزال عليه دقع أقساطها لعامين قادمين - خاص لرصيف22) 

صار رب الأسرة في مهب الريح.  فقد كان الصحافي الفلسطيني قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من سداد أقساط الشقة التي حصل عليها عن طريق البنك بعد الحرب على غزة 2014، والأقساط على ما يقول " ليس لها حل سوى الالتزام"، فلا زالت الأقساط قائمة وعليه سدادها لمدة 18 شهراً قادمة، ويبلغ مجموعها ما يقارب أربعة آلاف دولار، وهو مبلغ من الصعب تدبيره في ظل الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع، وتمر بها عائلة علاء على وجه الخصوص.

(الصحافي الفلسطيني علاء الشمالي يجلس فوق الركام المتخلف عن القصف الإسرائيلي للعمارة السكنية التي كانت تحوي شقته)

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة مصرية بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية فجر الجمعة 21 مايو /أيار  حيز التنفيذ، بعد قصف متواصل استمر 11 يوماً، سبقته أحداث دامية في حي الشيخ جرَاح الذي لا تزال قوات الاحتلال تمعن في حصاره وتضييق الخناق على بيوت الفلسطينيين فيه سعياً للاستيلاء عليها.

 وأسفر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومناطق بالضفة والداخل الفلسطيني المحتل عن مقتل 277 شهيداً من بينهم 70 طفلاً و 40 سيدة ونحو  8500 جريح، حسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية.

وحسب تقديرات الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، فقد تسبب العدوان الأخير على قطاع غزة، في تدمير 1353 وحدة سكنية بشكل كلي، و36 مقراً ومكتباً إعلامياً، و74 مقراً حكومياً وأربعة مساجد، بالإَضافة إلى 66 مدرسة، بعضها تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".

وحسب تقديرات الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، فقد تسبب العدوان الأخير على قطاع غزة، في تدمير 1353 وحدة سكنية بشكل كلي، و36 مقراً ومكتباً إعلامياً، و74 مقراً حكومياً وأربعة مساجد، بالإَضافة إلى 66 مدرسة، بعضها تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".

العدوان الإسرائيلي الأحدث على قطاع غزة تسبب في نزوح أكثر من 75 ألف فلسطيني، لجأ 28 ألف منهم إلى مدارس تابعة للوكالة، وقدرت الوكالة الخسائر المادية الأولية بعشرات الملايين الدولارات.

عودة إلى الوراء

أسرة علاء واحدة من آلاف الأسر التي صارت بلا مأوى، وتعيش في منزل مؤقت. ولسوء الحظ فإن منزله لم يكن الوحيد الذي تعرض للقصف، فقد قصف أيضاً برج الجوهرة الذي يضم مكاتب صحافية وإعلامية من بينها صحيفة فلسطين اليوم، وهي الصحفية التي يعمل بها علاء محرراً ومصوراً رياضياً، ما يعني تضرر مصدر رزقه الذي كان يمكنه من دفع الأقساط.

"لقد عادت غزة إلى الوراء عدة سنوات ودمرت البنية التحتية "، حسب ما يقول فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة "أونروا" في الشرق الأدنى، وبقدر ما عادت غزة إلى الوراء عاد علاء أيضاً. فتبعثرت أوراقه وخططه المستقبلية وعاد إلى مربع الصفر كما يقول "بعد سنوات طويلة أصبحت على مشارف الانتهاء من دراسة الماجستير والدخول في الخطوة الأخيرة بإعداد الرسالة، وكنت أنتظر الانتهاء خلال أشهر. لكن يبدو أن ما حصل لن يجعلني أكمل ما حلمت به بسبب وجود رسوم كببرة تفوق 2000 دولار كنت أحاول تأمينها لدفعها، لكن الآن أصبحت هناك أولويات حياتية أهم من هذه الخطوة، وعليَّ تأجيل التخرج من الماجستير عدة سنوات".

 صار علاء في حيرة. يدبر بعض مهام عمله الصحافي عن بعد من خلال التنقل بين بعض الأماكن المتوفر فيها كهرباء وإنترنت وهما سلعتان نادرتان في قطاع غزة، ويحاول من ناحية أخرى ترتيب أمور العائلة واحتياجاتها، يقول: "نواجه صعوبة في التأقلم مع الواقع الجديد".

ولا يعول علاء على عمليات إعادة الإعمار التي تشهد بطئاً لا يتناسب مع الحاجة الملحة لسكان غزة في السكن، إذ يدرك أن معاناته ستمتد لسنوات حتى إعادة إعمار منزله، فقد استغرقت عملية إعادة الإعمار التي نفذت بعد حرب عام 2014 نحو ثلاثة أعوام من البناء، وهي معاناة أخرى تُضاف إلى جملة معاناة النزوح والديون التي أثقلت كاهله.

حياة على كف "عفريت"

(ركام البرج السكني الذي عاشت فيه أسرة حامد مهدي وضم مكاتب إعلامية قصفها جيش الاحتلال)

بجانب علاء، يعيش حامد مهدي وهو موظف في قطاع غزة معاناة أخرى. فهو ابن صاحب برج الجلاء الذي يضم شققاً سكنية ومكاتب إعلامية طالها القصف الإسرائيلي، أبرزها مكتب لقناة الجزيرة القطرية ووكالة أسوشيتد برس، ونحو 30 شقة سكنية، نزح أصحابها بعد القصف.

قبل القصف كان حامد يعيش رفقة أخوته ووالده في نفس البرج الذي يتكون من 11 طابقاً في حي الرمال وسط قطاع غزة، لكن بعد أن تعرض البرج للقصف صار حامد وأسرته مشتتين كما يقول لرصيف22: "إحنا تشتتنا... كل واحد فينا صار يعيش عند نسيبه أو قريبه، وحالياً أبحث عن شقة بالإيجار".

عاصر حامد أربع حروب على غزة، 2008 و 2012، و2014 و2021، لم يتضرر هو أو أسرته من الحروب السابقة على القطاع "اللهم إلا تحطم بعض زجاج البرج، وهي أشياء لا تذكر مقابل الدمار الذي يحل بالقطاع". وبرغم ذلك، فإنه هو وأسرته دوماً على استعداد للنزوح في أي وقت "كل أوراقي المهمة مثل البطاقة وجواز سفر وغيرهما من الأوراق الثبوتية جاهزة في حقيبة، بمجرد صدور أمر الإخلاء من الاحتلال، نحمل هذه الحقيبة ونفر من البيت"، هذا شأن حامد وشأن سائر سكان القطاع، كما يقول.

لا أمان في غزة

يوم 15 مايو/ أيار الجاري، تلقى والد حامد مكالمة هاتفية من ضابط مخابرات إسرائيلي أخبره بضرورة إخلاء البرج سريعاً لأنه سيتعرض للقصف، لم يأخذ حامد وعائلته وقتاً طويلاً للاستعداد، لملموا أغراضهم سريعاً وأخلو البرج. يقول: "من حرب 2014 وأنا جاهز في أي وقت للإخلاء".

بالرغم من بطء عملية إعادة الإعمار يأمل حامد أن يكون البرج ضمن أولويات البرنامج، وما يعزز من آماله هذه، ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز من إعلان بعض المسؤولين الإسرائيليين ندمهم على قصف البرج، وهي خطوة قد تجعل للبرج أولوية، حسب حامد.

وإلى حين تنفيذ إعادة الإعمار، سيعود حامد وعلاء إلى البحث عن مسكن آمن لأسرتيهما. لكن بالرغم من ذلك فإن هذا ليس كافياً للعيش في هدوء إذ "لا أمان في غزة"، وفق قول علاء شمالي.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image