تنتظر إسرائيل أن تغفو أعين أطفال غزة في كل ليلة لتبدأ قصفها الهستيري على منازلهم وبلداتهم. على قدر وحشية ما يعيشونه، منذ 10 أيار/ مايو، كان هؤلاء الأطفال، بعفويتهم وهول محنتهم، صوت غزّة لفضح جرائم الاحتلال أمام أعين العربي والعالمي.
حتى الآن، نال الأطفال قسطاً هائلاً من إجرام الاحتلال، فقُتل 61 طفلاً، وأُصيب أكثر من 400 آخرين بإصابات متفاوتة، علاوةً على تشريد الآلاف منهم، وفقدان مئات آخرين لأحد أبويهم أو كليهما.
"ليش هيك عملتو فينا؟ الواحد كان بدو يفرح بالعيد! الولاد كان بدهم يفرحو بالعيد! كلكم موتوهم. ليش؟! حسبنا الله ونعم الوكيل". بهذه الكلمات عبّرت طفلة فلسطينية، لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، في مقطع فيديو انتشر.
“كلكم موتوهم“.. طفلة فلسطينية يغلبها البكاء خلال حديث مؤثر عن القصف الإسرائيلي.#القدس_أقرب pic.twitter.com/Y3Y0BZwK2s
— الخليج الجديد - ميديا (@NewKhalij) May 14, 2021
حاولت الطفلة التي تلف رأسها بكوفية فلسطينية أن تحتفظ بثباتها طيلة المقطع، لكن غلبتها دموعها في النهاية. وصلت رسالتها إلى الآلاف وربما الملايين وعكست بصدق حال أطفال غزة الذين لم يزرهم العيد هذا العام ودفن البعض منهم قبل أو بعدما ارتدى ملابسه الجديدة.
"هذا ليس عدلاً"
أحد أشهر المقاطع التي جرى تداولها عالمياً، كان للطفلة نادين عبد اللطيف (10 سنوات). قالت في حديث مع مراسل موقع "ميدل إيست آي"، بلغة إنكليزية طليقة: "لقد سئمت هذا ولم أعد أستوعب الأمر. ترى كل هذا (الخراب)، ما المتوقع مني أن أفعل؟ أُصلحه؟ أنا بعمر العاشرة فقط! لم أعد أُطيق تحمل هذا حتّى بعد الآن".
وأضافت: "أريد أن أصبح طبيبة أو ما شابه لأساعد شعبي لكنني لا أستطيع. أنا مجرد طفلة. لا أعلم حتى ما ينبغي أن أفعل… كلما رأيت هذا (الدمار) أبكي حرفياً كل يوم. أسأل نفسي: لماذا يحدث لنا هذا؟ ماذا فعلنا لنستحق ذلك؟".
وغالبت دموعها وهي تردف: "هل ترى هؤلاء الأطفال من حولنا؟ جميعهم مجرد أطفال. لماذا تُرسل القذائف لاستهدافهم وقتلهم؟ هذا ليس عدلاً… ليس عدلاً".
حقق المقطع أكثر من 600 ألف مشاهدة عبر يوتيوب منذ نُشر قبل ثلاثة أيام. وجرى تداوله بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وتناقله بعض المشاهير حول العالم، ليساهم في إيصال صوت معاناة الفلسطينيين حول العالم.
أحدهم يبكي والده وآخر يودع ألعابه وذكريات منزله المدمّر وثالثة تشكو عجزها عن مساعدة شعبها ورابعة تتغلب على القصف بالتسبيح... كلمات أطفال غزّة وصرخاتهم تفضح وحشية إسرائيل
"الله يسهل عليك يابا"
وبعد أن استشهد والده في اليوم الأول للقصف، أدمى طفل فلسطيني، في عمر العاشرة، القلوب وهو يلاحق نعش والده تسبقه صرخات النداء "يابا" حتى يبلغه ليقول له: "الله يسهل عليك يابا… مع السلامة يابا".
"مع السلامه يابا" صرخات طفل فلسطيني في وداع ولده الذي استشهد بقصف الاحتلال على قطاع غزة pic.twitter.com/zTbfXeF5Nn
— Shireen AbuAqla شيرين ابو عاقلة (@ShireenNasri) May 11, 2021
مواجهة القصف بالتسبيح
"سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"، مراراً وتكراراً ترددها الطفلة جيجي، التي لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، بينما تغالب عيناها المجهدتان الناعستان النوم طيلة الليل في محاولة لتجاوز صوت القصف المرعب.
هذا ما تحارب به أختي الصغيرة القصف. pic.twitter.com/Pdl3QeN3X8
— ﮼محمدشامية?? (@mohamad__shamia) May 16, 2021
نشر المقطع، ومدّته 31 ثانية، شقيقها محمد شامية، ليحصد أكثر من 46 ألف إعجاباً، ونحو 15 ألف إعادة تغريد، و4000 اقتباس تغريدة خلال 24 ساعة. ناهيك عن العشرات الذين أعادوا تحميل المقطع على حساباتهم مباشرةً.
اعتُبر تسبيح الفتاة، التي سُمع صوت شقيقاتها على ما يبدو قربها يقومون بنفس الفعل، رسالة قوية على ثبات أطفال غزة في مواجهة وحشية الاحتلال.
النجاة نفسياً غير ممكنة
مساء 15 أيار/ مايو، نفّذت الطائرات الحربية الإسرائيلية مجزرة في شارع الوحدة بحي الرمال، إثر قصف عمارة سكنية ضخمة. راح ضحية الجريمة 42 شهيداً، بينهم 16 سيدة و10 أطفال، وأكثر من 50 مصاباً (بينهم ثمانية أطفال و15 سيدة) من عائلتي أبو العوف والكولك.
عقب الحادثة، روت طفلة ناجية: "كنت نايمة جنب ماما. فجأة بصحى بلاقي كل اللي حواليّ رماد. مفيش حد جنبي. شردت أنا وأختي بحكي وين ماما؟ مبتتكلمش. بفكر أنه جايي ورانا. بعدين طلع مفيش حد ورانا. وصلنا ع المستشفى مفيش حاجة بردو".
طفلة فلسطينية تروى ما حدث معهم بعد قصف منزلها في حي الرمال(كنت نايمة جنب ماما فجأة صحيت لقيت كل شيء حوالي رماد.. الي كاتبه ربنا بصير) صبر ويقين? #GazaUnderAttak pic.twitter.com/4QprfRsj6k
— isra amr (@isra_saleh1) May 16, 2021
وتابعت بانهيار: "الله يلعنهم. إنشالله يموتو مرة واحدة. هدول دمروني نفسياً قبل ما يدمروا جسدي…".
"هل ترى هؤلاء الأطفال من حولنا؟ جميعهم مجرد أطفال. لماذا تُرسل القذائف لاستهدافهم وقتلهم؟ هذا ليس عدلاً… ليس عدلاً"
وفي مقطع آخر نشره المركز الفلسطيني للإعلام، عبر حسابه على تويتر، ظهرت طفلة فلسطينية بعمر الخامسة تقريباً وهي تبكي بشدة قائلةً: "ما بدي موت. خايفة تنهد الدار. خايفة إحنا كلنا نموت"، بينما تحاول والدتها تهدئتها عقب قصف في محيط منزلهما.
"ما بدي اموت .. ما بدي تنهد دارنا"
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) May 17, 2021
طفلة من قطاع #غزة تبكي خوفا من القصف في محيط منزلها. #Gazaunderattak pic.twitter.com/TgIYzRiE9e
وكانت دموع الحسرة من طفل فلسطيني ثالث وهو يحاول جمع ما تبقى من ألعابه تحت أنقاض منزله المنهار كافيةً لتعكس الهشاشة النفسية جراء الفقد المتواصل والمركب الذي تعرض له من منزل وأهل وذكريات وشعور بالأمان.
طفل فلسطيني لم يتمالك دموعه بعد استخراج ألعابه من تحت أنقاض منزله الذي قصفه الاحتلال pic.twitter.com/I9scL1X2QD
— شبكة رصد (@RassdNewsN) May 16, 2021
"بكفي نار"
في حين أنه لم يتعلم النطق بشكل كافٍ، يعي خالد ابن العامين ونصف أن مدينته تحت نيران الاحتلال المستعرة. يُشاهد متأففاً من الصوت المفزع والمستمر للقصف وهو يقول: "يا الله بكفي نار. بكفي نار يا عمي بكفي نار. أففف".
وإن عبّر خالد بكلماته البسيطة عن أمل كل أطفال فلسطين في توقف هذا الجحيم المسلط عليهم لنحو 10 أيام، فشل أحياناً من هم أكبر منه في البوح بذلك. لمس البعض القلوب بدموعهم وصرخاتهم.
طفلة #فلسطينية توثق لحظة قصف الاحتلال الصهيـ.ـونية على قطاع #غزة.
— Amel Zarouk - Al Kuds ??? (@Amel_Zarouk) May 12, 2021
#غزة_تحت_القصف#غزة_تنتصر_للقدس#جرائم_الاحتلال
pic.twitter.com/FENOhZYcBP
لم تكن تلك المقاطع التي ظهر فيها الأطفال قتلى/ أشلاء/ مصابون/ مشردون أقل قوة في توصيل المعاناة الفلسطينية وفضح خسة الاحتلال. هذا المقطع للطفل أسامة أمين من سكان بيت لاهيا (عامين ونصف)، في كفنه، يرفعه والده تقريباً ويشير إليه قائلاً: "هذا بنك أهداف الإسرائيليين"، حظي بانتشار واسع.
فلسطيني يحمل ابنه الشهيد الذي استشهد بقصف للاحتلال في شمال قطاع غزة، ويقول "هذا بنك أهداف اليهود.. مش هنبطل مقاومة" pic.twitter.com/glHA5t2CxO
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) May 17, 2021
كانت هناك العديد من الصور اللافتة أيضاً مثل صورة سوزي (6 سنوات) التي بقيت لساعات تحت الأنقاض وكانت الناجية الوحيدة من أسرتها، إلى جانب والدها الذي حالفه الحظ ألا يكون موجوداً وقت القصف، ومثل صورة الرضيع عمر بعمر الشهرين الناجي الوحيد لوالده أيضاً. وشاهدنا طفلاً في العاشرة يجر كل ما تبقى من ماضيه السعيد الآمن… شقيقته وبعض الملابس وحقيبة.
وكانت هناك عبير التي تبحث عن كتبها المدرسية تحت أنقاض منزلها المدمر بالكامل، وطفلة - تعذر معرفة اسمها- تُطبق يدها على عملة معدنية وقيل إنها كانت ذاهبة لتشتري الحلوى فقتلت في الطريق.
وكذلك، رأينا طفلة ثالثة تحتضن دميتها وتجلس وسط الخراب تنظر إلى نهاية المدى غير واعية لكل ما يحصل حولها. ورابعة تغالب دموعها وتخفيها لئلا تبدو مهزومة على ما يبدو… وغيرها الكثير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...