شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"رفضتُ أن آكل الشوكولاتة منه"... هل تحوّلت أماكن العمل إلى "ساحات حرب"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 27 مايو 202103:23 م

بعد أربع سنوات من دراسة الإعلام والصحافة، تخرجت العشرينية الغزية نهى بمعدل 90%، وتحقيقاً لحلم طالما راودها في أن تصبح فتاة مهنة المتاعب، انضمت إلى احدى وكالات الأنباء، يدفعها الطموح، بأن تحسن من مهاراتها، وكتابتها، لتصل إلى المستوى الذي تتطلع إليه.

كل تلك الأحلام تبخرت، وذلك بعد أن رفضت بشكل قاطع أن تأكل قطعة الشوكولاتة من مديرها.

"تعالي يا حلوة خدي مني شوكولاتة".

تحكي نهى لرصيف22: "في ذلك اليوم ذهبت إلى المكان باكراً، وكنت أول من حضر، وما إن دخلت المكتب حتى وجدت المدير في مكتبه، وكنا وحدنا في المكان، وهنا شعرت بإحراج شديد، ولكنني استعدت رباطة جأشي، وإذا به يبادرني بنغمة لم ترق لي كثيراً، فأكملت سيري في طريقي إلى مكتبي، وإذا به يطلب مني القدوم بقوله "تعالي يا حلوة خدي مني شوكولاتة"، دخلت في صراع بيني وبين نفسي هل ألبي الطلب أم أتجاهله؟ فقررت التجاهل، لأني أعلم أن هذا الطلب إذا لبي لن يكون الأخير".

ومنذ أن تجاهلت نهى طلب الشوكولاتة حتى بدأت حرب ضدها، بحسب روايتها، فالمدير بدأ في تضييق الخناق عليها كي تترك المكان.

تكثر الشكاوى على أساس الاختلاف الجندري، ولا يحتكر الرجل المدير معظم الشكاوى، فبعض العاملات أيضاً يشكين من مديراتهن، مثل عبير رابح (32 عاماً) من غزة، وتعمل في مؤسسة إعلامية، تحكي عن تجربتها: "كانت مديرتي تميز في التعامل بيننا نحن البنات وبين الشباب، بل كانت تجيد إقامة علاقات شخصية معهم، الأمر الذي كان على حساب تقديرها لعملنا".

"طلب مني المدير القدوم فور تسلمي لعملي، وقال لي "تعالي يا حلوة خدي مني شوكولاتة"، فدخلت في صراع نفسي، هل ألبي طلبه؟ وإن فعلت هل سيكون هذا هو الطلب الأخير؟

وتضيف: "كانت تميل للزملاء ولعملهم وتثني عليهم، بينما كانت تسعى بكل ما أوتيت من قوة للتخلص من وجودنا النسائي في المكان لأنها كانت تميل إلى الذكور".

وفي النهاية اضطرت عبير إلى ترك العمل، والبحث عن فرصة عمل أخرى، وكان شرطها ألا يكون لديها مديرة بل مدير، وفقاً لحديثها.

أما أحمد مهادي (30 عاماً)، سوداني يعمل مصمماً إلكترونياً في الإمارات، فقد عانى هو الآخر من تحكمات شخصية المدير، وترك عمله بالفعل، والسبب لم تكن قطعة شوكولاتة، ولكن قطة.

يحكي أحمد: "كان المدير يحضر قطته للعمل، ويضعها في مكتبه، وكانت تتجول خارج مكتبه وبين أرجلنا، وسببت لي انزعاجاً كبيراً، خاصةً أن عملي يتطلب مني التركيز العالي".

ويضيف: "كل الزملاء كانوا متضايقين من وجودها، ولكن لا أحد يجرؤ على إبداء الأمر للمدير، أما أنا فقد كنت الأجرأ بينهم، وفي يوم أثناء عملي قامت بالتبول تحت قدمي، وهنا صرخت عالياً عليها، وحين توجهت لمكتب المدير طالباً أن يضع لوجودها حلاً، كان الرد: لماذا أنت الوحيد الذي يشكو وجودها".

وفي اليوم التالي دخل مهادي إلى كافيه العمل، فوجد القطة هناك، وكانت في حالة ولادة، وحين رأى الدم في كل مكان شعر بالاشمئزاز، فتوجه لمكتب المدير، وأبدى انزعاجه مرة أخرى، وطلب جدولاً لحضورها يتعارض مع وجوده، فرد عليه المدير: "لك أن تغادر إن شئت"، وغادر.

العصفورة

لا يقتصر الأمر على تحكمات المدير/ة أو المسؤول المباشر المزاجية، والشخصية، والتي تضع الكثير من الموظفين/ات بين خيارين: إما الخضوع أو المغادرة، ولكنها تمتد إلى تغيير شكل العلاقة بين زملاء العمل أنفسهم.

تحولت بيئة العمل شيئاً فشيئاً إلى ساحة للتنافس على رضى المدير، الأمر الذي يشيع جواً من الشحناء بين الزملاء، وهنا لا تخلو الساحة من الزميل "العصفورة" الذي يقوم بنقل كل ما يدور خلف ظهر المدير بهدف التسلق.

تقول ريم علي (26 عاماً) من الأردن: "كنت أعمل سكرتير تحرير في إحدى الصحف، وفي يوم من الأيام فتحت قلبي لزميلتي بأن لدي الكثير من المشاكل، وأني أفقد التركيز في عملي، وأني أتناول عقاقير مهدئة لتحسين حالتي المزاجية".

وتضيف: "ما هي إلا أيام حتى استدعاني المدير، ووجه لي بعض الأسئلة التي تتعلق بمدى قدرتي على الإنتاج داخل المؤسسة، وحين قلت إنني أعمل بكامل طاقتي، سألني ماذا عن مشاكلك الشخصية، وهل أتناول عقاقير مهدئة؟ هنا كانت صدمتي حين علمت أنه على علم بأدق تفاصيل مشاكلي، التي كنت قد بحت بها إلى زميلتي، وهنا كانت الكارثة التي لن أنساها ما حييت".

ويعتبر ما سبق الوسيلة المثلى في نظر بعض العاملين للحصول على نجمة من المدير دون مبالاة بتأثير ذلك نفسياً على زملائهم.

فرق تسد

المدير أو المسؤول يتبنى أحياناً تلك الأساليب للسيطرة على العاملين، فيتعامل بمبدأ "فرق تسد"، أو إذكاء نوع من الصراع الناعم بينهم، مثل سامي منصور.

سامي منصور (اسم مستعار)، في الخمسين من عمره، يسكن في قطاع غزة، يعمل مسؤولاً في مصنع ألبان، وتحت قيادته عشرون عاملاً، وذات مرة أعلنوا إضراباً من أجل زيادة الراتب، ولم يتمكن من تلبية مطالبهم، حينها بدأ في استمالة الواحد بعد الآخر بطرق ملتوية لفض الإضراب.

يقول سامي لرصيف22: "كنت ألتقي بكل واحد منهم على حدة، خارج المصنع، وأعده بأنه يحصل على زيادة في الراتب إذا انسحب من الإضراب، وهكذا حتى انسحبوا جميعاً، وبعدها أعطيت كل واحد منهم مهمة مفادها التنصت على غيره من العاملين، واطلاعي على تفاصيل ما يحدث بينهم أولاً بأول، هكذا أدير عملي".

"العمل كالحرب، والغاية تبرر الوسيلة"، يقول صاحب مصنع، طلب من كل عامل أن يتنصت على زملائه، وهي الجملة ذاتها التي نصح بها خبير تنمية بشرية الموظفون الطموحون، فأين يذهب أصحاب الكبرياء، والأخلاق الرفيعة؟

ويضيف منصور، مدافعاً عن قراره: "أنا مضطر لفعل ذلك، فبيئة العمل كالحرب، الغاية فيها تبرر الوسيلة، وأنا أقود مصلحة، ولا أريد إضرابات أو تعليق عمل لأنه يضر بسير العمل وإنتاجية المصنع".

ينتظر الجميع من المسؤولين والمدراء تحقيق العدل والإنصاف.

طريقة تعامل الرؤساء تلك، دفعت أحد أشهر كتاب التنمية البشرية للموظفين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه نصيحة للموظفين، أن يتصرفوا كمدرائهم، وأن لا يعتمدوا بسذاجة على مهاراتهم، وتنميتها فقط، وألقى باللائمة على هذه الطريقة في التفكير، إذ ينتظر الجميع من المسؤولين والمدراء تحقيق العدل والإنصاف، في كتاب "33 استراتيجية للحرب".

بدلاً من ذلك، نصح غرين، خبير التنمية البشرية، أن يتعامل الموظفون في أماكن العمل باعتبارهم قادة عسكريين في حالة حرب، وقسم طرق النجاح إلى 33 استراتيجية تعتمد على الذكاء الخبيث، وتنافسية بلا أخلاق، وبرر ذلك في أكثر من موضع في كتابه، بأن هكذا تسير الأمور، وإلا فسيقع الموظف الطموح ضحية لتصورات خيالية، أو لآخرين "عسكريين" أكثر ذكاءً.

يعتبر الأخصائي النفسي الاجتماعي أحمد الوكيل، (33 عاماً) من الضفة الغربية، النزاعات التي تحدث في مكان العمل بأنها "سوء فهم، إما لأسباب شخصيَّة أو مهنيَّة، ويزداد الأمر تعقيداً حين يجمعكِ مكان عمل واحد مع بعض الشخصيات الحادة الطباع، أو أفراد من ذوي السمات الشخصيَّة الصعبة، وهنا يحتاج منكِ الأمر إلى التحلي ببعض المهارات، وألا تتأثر ببعض الممارسات السلبيَّة الصادرة عنهم".

ويلقي الوكيل بالمسؤولية على "المدير المباشر، الذي يجب أن يُجيد إدارة الخلافات بين الموظفين حتى لا تقع الحرب الباردة بينهم".

ويحذر الوكيل من أن بيئة العمل، وما فيها من توترات، وخوف من فقدان الوظيفة، وصراعات دفعت العديدين في النهاية إلى التردد على عيادات الطب النفسي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard