تحتجز السعودية جثامين 83 مواطناً قتلتهم إما بقطع رؤوسهم بعد محاكمات هزلية تفتقر إلى أبسط معايير المحاكمة العدالة، أو خارج نطاق القانون في مواجهات أثناء عمل الحكومة على إزالة حي المسورة التاريخي في وسط بلدة العوامية عام 2017.
وهذا العدد تراكم، حسب المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان، فقط خلال فترة حكم الملك سلمان بن عبد العزيز التي بدأت عام 2015.
يُعتبر احتجاز الجثامين سياسة انتقامية لاإنسانية، وقد استخدمها الإسرائيليون مثلاً للانتقام من أسر المقاومين الفلسطينيين كأسلوب ردع، لكننا لم نسمع عن احتجاز دولة لجثامين مواطنيها.
وينافي احتجاز الجثامين الأعراف الإنسانية، كما يناقض التشريعات الإسلامية التي توجب إكرام الميت بتجهيزه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه بما يتوافق مع معتقدات الميت وذويه الدينية.
الرد الوحيد الذي تلقاه الأهالي من الحكومة، عند طلبهم تسليمهم الجثامين، جاء من الجهات الأمنية بأسلوب التهديد والترهيب. قيل لهم: "دُفنوا في مقابر المسلمين ولا عاد تسألوا عنهم مرة ثانية"، دون تحديد المقبرة أو المدينة التي دفنوا فيها، ما حرَم الأهالي من زيارة قبور مَن فقدوهم، بعد أن كانوا قد حُرموا من تجهيزهم وفقاً لمعتقداتهم، فالمحتجزة جثامينهم كلهم من الطائفة الشيعية، وبينهم ثمانية أطفال، وللشيعة مراسم وطقوس دفن خاصة تختلف عن مذهب الدولة الرسمي.
هذا مجرّد تفصيل. حتى لو كان أصحاب الجثامين ينتمون إلى مذهب الدولة الرسمي، فهذا لا يعفي السلطات من تسليم جثامينهم لأهاليهم وذويهم لتجهيزهم وتوديعهم ودفنهم في مقابر معروفة وبطريقتهم الخاصة.
عام 2011، تأثر شيعة السعودية بالربيع العربي، ووجدوا فيه فرصة لرفع الصوت وإعلان مظالمهم وطرح مطالبهم، وعلى رأسها رفع التمييز الطائفي عن مناطقهم والمساواة والعدالة الاجتماعية والإفراج عن المعتقلين، فخرجوا في تظاهرات واجهتها الحكومة برصاص حيّ صوّبهُ القناصون مباشرةً باتجاه الجزء العلوي من الجسد لتحقيق إصابات مباشرة وقاتلة.
سقط ضحايا كثيرون، وكعادتها أنكرت الحكومة إطلاق جنودها الرصاص، ووعدت بفتح تحقيق في الموضوع، لم تظهر نتائجه إلى اليوم.
الرد الوحيد الذي تلقاه الأهالي، عند طلبهم تسليمهم الجثامين، جاء من الجهات الأمنية بأسلوب التهديد والترهيب. قيل لهم: "دُفنوا في مقابر المسلمين ولا عاد تسألوا عنهم مرة ثانية"، دون تحديد المقبرة أو المدينة التي دفنوا فيها
لكن في تلك الفترة كانت السلطات تسلم الجثامين لأهاليهم. ولأن تشييع هؤلاء كان يتحوّل إلى تظاهرات غاضبة وحاشدة تحفز الناس وتجيّشهم على الاستمرار في الاحتجاج ورفع سقف المطالب إلى أبعد من الإصلاح الخاص بمناطقهم، وبعدما تابعت الحكومة بقلقٍ بالغٍ تلك التظاهرات واعتبرتها تهديداً وجودياً لها، راحت، بعد مجزرة كانون الثاني/ يناير 2016، تحتجز الجثامين، إذ خافت من تحوّل تشييع الشيخ نمر النمر إلى تظاهرة حاشدة غاضبة، لما كان يحظى به من مكانه علمية واجتماعية ورمزية ثورية في مقارعة الاستبداد.
ومن جانب آخر، بدأت الحكومة بسياسة إعداد مسرحيات جديدة، واعتقال العشرات من الكفاءات الشيعية واتهامهم بتشكيل خلايا تجسس لصالح إيران، كما أعدمت عدداً منهم بعد محاكمات هزلية، ممتنعةً عن تسليم جثامينهم.
ويروي بعض الأهالي أن المعتقلين أُجبروا قبل إعدامهم على توقيع أوراق لم يُسمح لهم بالاطّلاع على محتواها، لكن بعضهم نقل أنه لمح بينها أوراقاً خاصة بالتبرّع بالأعضاء. وعليه، يخشى الأهالي أن تكون أعضاء أبنائهم قد سُرقت بدون موافقتهم. ولغياب الشفافية وانعدام الأمان وسرية الإجراءات، لم يتسنَّ للنشطاء التحقق من صحة هذه الروايات.
لا يجرؤ الأهالي والمجتمع داخل السعودية على المطالبة بالجثامين، ولا حتى السؤال عن مكان دفن ذويهم، خوفاً من القمع الشديد والترهيب الذي خلق في نفس المجتمع الرعب والخوف
بالإضافة إلى هؤلاء، ما زال مصير جثمان الصحافي جمال خاشقجي الذي قتلته السلطات السعودية في قنصليتها في إسطنبول عام 2018 مجهولاً رغم محاكمة المجموعة التي قتله وأخفت جثته.
تتعامل الحكومة السعودية، وهي من ضمن أعلى خمس دول في العالم تنفيذاً لأحكام الإعدام، بقسوة مع المحكومين بالإعدام ومع عوائلهم أيضاً. ويمتد هذا التعامل اللاإنساني من لحظة الاعتقال ولا ينتهي بتنفيذ حكم القتل.
ووثّقت المنظمات الدولية عشرات القضايا التي تؤكد تعذيب المعتقلين وإجبارهم على توقيع اعترافات انتُزعت منهم بالإكراه وحرمانهم من محاكمات عادلة.
ويزداد الألم بإبقاء المعتقلين مُدداً طويلة، قد تمتد في بعض الحالات إلى سنوات، معلّقين لا يعلمون متى ينفَّذ فيهم حكم الإعدام. وبذا يعيشون مع عوائلهم فترة قلق وترقب صعبة يشعرون فيها أن كل يوم يمرّ هو آخر يوم في حياتهم، ويرتعبون من صوت فتح باب الزنزانة ظنّاً منهم أن السجانين قادمون لإعدامهم.
ثم فجأة، يُعدمون، بدون السماح لهم بزيارة وداعٍ من أحبابهم أو كتابة وصية. وحتى مَن يكتب وصيته لا يتم تسليمها لذويه.
والأقسى من ذلك كله أنه لا يتم إبلاغ الأهالي بمصائر أبنائهم بأسلوب مدروس ومحترم. بل تنشر الجهات الرسمية الخبر في وسائل الإعلام ليُصدم الأهالي برسالة على واتساب أو خبرٍ في نشرة الأخبار أو تغريدة تبقيهم في حالة ذهول وصدمة.
هذا ما حدث عند تنفيذ الحكومة السعودية لمجزرة، مطلع عام 2016، عندما أعدمت 46 شخصاً، من بينهم المعارض البارز رجل الدين الشيخ نمر النمر، ومجزرة نيسان/ أبريل 2019 التي راح ضحيتها 37 شخصاً بينهم ستة أطفال.
والآن، بالإضافة إلى كل ذلك، لا يجرؤ الأهالي والمجتمع داخل السعودية على المطالبة بالجثامين، ولا حتى السؤال عن مكان دفن ذويهم، خوفاً من القمع الشديد والترهيب الذي خلق في نفس المجتمع الرعب والخوف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 15 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت