شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
70 طبيبًا وثلاثة مستشفيات فقط لجميع السكّان... الصحة النفسيّة في سوريا كارثة خفية

70 طبيبًا وثلاثة مستشفيات فقط لجميع السكّان... الصحة النفسيّة في سوريا كارثة خفية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 17 مايو 202102:44 م

 "بالنظر إلى الأضرار الماديّة الناجمة عن الحرب السوريّة، لا يسع المرء أن يتصور حجم الخسائر النفسيّة التي خلفتها  ثماني سنوات من الأزمة على الشعب السوري. في بلد كانت الصحة النفسيّة - ولا تزال- تعد مجالًا ناشئًا قبل الحرب، يعمل السوريون على التصدي للآثار النفسية للحرب وإدارتها"، ما سبق ورد في مقالة نشرتها المجلة الدوليّة للصليب الأحمر في عددها الصادر سنة 2017.

 في حديث صحافي قال رئيس دائرة الصحة النفسيّة في وزارة الصحة السوريّة، أنه يوجد "أكثر من 300 ألف شخص بحاجة إلى العناية للشفاء من الأمراض النفسيّة"، كما ذكر وجود 70 طبيبًا نفسيًا فقط في سوريا، قائلًا إنّ هؤلاء الأطباء لا يغطون سوى 9% من حاجة المصابين".

ثم عاد التعليق نفسه إلى الظهور في ورقة  لمعهد برووكينجز الأمريكي نُشر في العام 2016، تحت عنوان "أزمة الصحة النفسية في سوريا"، رصدت تقارير مختلفة عن الصحة النفسيّة للسوريين في سوريا وخارجها، ومدى تأثرها بالحرب الدائرة في البلاد، وورد فيها أيضاً أنّ "المرض النفسي ينهش عشرات الآلاف من المتقاتلين في سوريا، مع انعدام وجود المستشفيات، إلّا مستشفى نفسيّ وعقليّ واحد، نصف العاملين فيها تركوا البلاد".

كانت سوريا، قبل عام 2011، تعاني من نقص فادح في المراكز والكوادر المُهتمة بالطب النفسي إذ سجّلت وزارة الصحة حوالى 86 طبيبًا نفسيًا فقط لمجموع سكّان سوريا.

في الداخل نزوح وخوف 

تنشر صفحة مستشفى ابن رشد للأمراض النفسيّة على موقع فيسبوك بشكل دوري أخبار المحاضرات التي تعقدها إدارة المستشفى لكادرها الطبي، كما تنشر معلومات طبيّة متعلقة بالأمراض النفسيّة.

ومستشفى ابن رشد في مدينة دمشق هو واحد من ثلاثة مستشفيات حكوميّة للصحة العقليّة في سوريا، ولا تتجاوز سعتها خمسين سريرًا، إضافة إلى مستشفى ابن سينا الذي يتسع لـ610 أسرّة، ومستشفى ابن خلدون في محافظة حلب، فضلاً عن عدد قليل من المستشفيات والمراكز الحكوميّة والخاصة التي افتتحت، ثم أُغلقت لأسباب متعلقة بالحرب، ومنها مستشفى إعزاز في ريف حلب، الذي خرج عن الخدمة خلال العام 2018 بسبب اشتباكات قويّة بين قوات المعارضة السوريّة المدعومة تركيًا وقوات سوريا الديمقراطيّة (قسد)، وذلك على إثر بدء عمليّة احتلال القوات المدعومة تركيًا لمنطقة عفرين.

وكانت سوريا، قبل عام 2011، تعاني من نقص فادح في المراكز والكوادر المُهتمة بالطب النفسي إذ سجّلت وزارة الصحة حوالي 86 طبيبًا نفسيًا فقط لمجموع سكّان سوريا، والذي قدّر آنذاك بحوالي 23 مليونًا، في الوقت الذي تشير فيه التقديرات العالميّة إلى ضرورة توفّر طبيب واحد على الأقل لكل 100 ألف مواطن.

ازدادت أعداد المرضى النفسيين بشكل هائل بعد العام 2011 لأسباب عديدة، أبرزها اضطرار السوريين إلى النزوح أو الهجرة واللجوء وما يستتبعها من مشكلات نفسية خاصة في حالات النزوح والتعرض لويلات الهجرة غير المنظمة، عبر طريق وصفته الأمم المتحدة بأنه الأكثر خطورة في العالم. هذا إلى جانب استخدام النظام السوري الواسع والمُستمر للأسلحة والقصف المتواصل على المناطق السكنيّة، وفقد عدد كبير من المواطنين لأطرافهم، وإصابتهم بالعجز عن الحركة نتيجة لهذا القصف، وذلك حسب فراس الجندي، وزير الصحة السابق في الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المُعارض لنظام الأسد، والذي يتخذ من تركيا مقرًا له.

 ازدادت أعداد المرضى النفسيين بشكل هائل بعد العام 2011 لأسباب عدة، أبرزها الهجرة والاضطرار إلى اللجوء والتعرض للقصف وفقدان الأطراف والإصابة بالعجز عن الحركة.

في نفس السياق، قال القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود معراوي، في العام 2016 إنّ "المحكمة الشرعيّة تستقبل يوميًا ما يُقارب معاملة واحدة لكل مجنون أو معتوه". وأضاف أنّ معدّل معاملات حالات "المجانين والمعتوهين" ارتفعت مقارنة بالأعوام الماضيّة، حسبما نقلت صحيفة عنب بلدي.

لا توجد أرقام دقيقة حديثة لأعداد المرضى النفسيين في سوريا، ولا أعداد الكوادر الطبيّة المتبقية التي تعمل في مجال الطب النفسي، ويرجع آخر الأرقام المعلنة إلى حديث صحافي لمدير دائرة الصحة النفسيّة في وزارة الصحة السوريّة، رمضان المحفوري في العام 2017، ذكر فيه وجود "أكثر من 300 ألف شخص بحاجة إلى العناية للشفاء من الأمراض النفسيّة"، كما ذكر وجود 70 طبيبًا نفسيًا فقط في سوريا، قائلًا إنّ هؤلاء الأطباء لا يغطون سوى 9% من حاجة المصابين". كما بيَّن المحفوري أنّ هذا الرقم لم يتغير منذ بداية الحرب (الثورة في أواسط آذار/ مارس 2011). وعلى الرغم من تخرّج عدد من الأطباء النفسيين في الجامعات السوريّة غادر جميعهم البلاد، حيث قدّر مدير دائرة الصحة عدد الأطباء النفسيين السوريين خارج البلاد بنحو 500.

تُضاف إلى هذه المشكلات، المشكلة الاقتصاديّة التي يعانيها السوريون، والتي تصعب على العدد الأكبر الذهاب إلى إخصائي نفسي، إذ تراوح تعرفة المعاينة بين 4000 و6000 ليرة سوريّة، وهذا مبلغ كبير جدًا بالنسبة لمعظم فئات السوريين، فضلًا عن النقص الهائل في الأدويّة اللازمة للعلاج.

في سياق متصل، قالت منظمة "أنقذوا الطفولة" (Save the children) البريطانيّة في تقرير صدر في العام الفائت، إنّ الأطفال السوريين النازحين يشعرون بالقلق والإرهاق والخوف من العودة إلى ديارهم، وكانت المنظمة قد قالت قبل سنوات في تقرير إنّه بين أواخر كانون الأول/ديسمبر 2016 وآذار/ مارس 2017 "ارتفع عدد الأطفال المُصابين بالصدمات النفسيّة إلى درجة من الممكن أن تتسبب بضرر دائم مدى الحياة".

وخلصت الدراسة  إلى أنّ أكثر من 70% من الأطفال السوريين الذين أُجريت مقابلات معهم، مع تركيز الدراسة على سبع محافظات سوريّة (معظمها في مناطق سيطرة المعارضة)، "يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة"، وأشارت إلى أنه تشيع بينهم ظواهر فقدان القدرة على النطق والعدوانيّة والخوف من الأصوات المرتفعة.

خارج البلاد اغتراب وصدمة

كذلك ذكر تقرير معهد برووكينجز الأمريكي أنّ الصدمات النفسيّة أثّرت على أعداد كبيرة من السوريين، سواء كانوا من المُهجّرين والنازحين قسرًا أو ممن ما زالوا في بيوتهم. كما ذكر التقرير دراسة أجرتها الغرفة الفيدراليّة الألمانيّة للمعالجين النفسيين في العام 2015، تقول إنّ نصف اللاجئين السوريين في ألمانيا يعانون من مشاكل عقليّة، إذ شهد 70% منهم عنفًا و50% كانوا ضحايا للعنف، فيما أفادت السلطات التركيّة أنّ 55% من اللاجئين السوريين هناك بحاجة إلى خدمات نفسيّة، وأنّ نصف العائلات السوريّة بحاجة إلى دعم نفسي. لكن بحسب تقرير معهد برووكينجز فإنّ العلاج النفسي اللازم للاجئين في الأردن وتركيا ولبنان يتوفر لـ 5% منهم فقط.

كما ذكر تحقيق صحافي أنّ 76.7% من السوريين الذين لجأوا إلى أوروبا بعد سنة 2011، عام اندلاع الثورة السوريّة، يعتقدون بأنّهم مصابون بأحد الأمراض النفسيّة المتعلقة بالحرب أو المنفى أو اللجوء، وذلك حسب العيّنة التي استجابت للاستبيان الذي أُعد ضمن ذلك التحقيق.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image