أطلق الأرشيف السوري في 8 آذار/ مارس تقريرًا يتضمن ما جمعته قاعدة بيانات توثّق استهداف المنشآت الطبيّة في سوريا تحت عنوان "استهداف الصحة"، حيث حفظ الأرشيف السوري بيانات توثّق 410 هجمات منفصلة وموثّقة ضدّ 270 منشأة طبيّة في سوريا، منذ العام 2011 حتى العام 2020. وأثبتت التسجيلات والوثائق التي تاكد الأرشيف من صدقيتها، عن كون أغلب الهجمات قد ارتكبت على يد النظام السوري وحلفائه من الميليشيات والقوات الروسية.
استهداف صحة السوريين
حسب الموقع الخاص بالتقرير، فقد أنشأت منظمة الأرشيف السوري التقرير بطريقة تستخدم المواد البصريّة الموثقة في رصد الهجمات ضد المنشآت الطبيّة في سوريا منذ العام 2011.
وتوصل التقرير إلى رصد استهداف 270 منشأة طبيّة في سوريا بـ410 هجمات منفصلة في 12 محافظة من 14 تضمها البلاد، معظم هذه الحوادث تحمل مؤشرات تعمّد ضرب تلك المنشآت. كما يرجح الأرشيف أنّ أكثر من نصف الحالات قد ارتكبته القوات السوريّة النظاميّة (الجيش السوري النظامي والميليشيات الحليفة) أو القوات الروسيّة الحليفة.
غالبيّة الهجمات الموثّقة على المنشآت الطبيّة شُنّت على مناطق موجودة ضمن مناطق خفض التصعيد، أو مواقع حددها النظام السوري من خلال بيانات الأمم المتحدة.
وذكر التقرير أنّ مواقع نحو نصف المستشفيات التي تعرّضت للهجوم (في 191 من الهجمات الموثّقة على الأقلّ)، لا بد أنها كانت معروفة مسبقة لدى أطراف النزاع، إما لأنّ تلك المنشآت الصحية أُسّست قبل العام 2011، أو لأنّها شاركت موقعها مع الأمم المتحدة ضمن الآلية الإنسانيّة لتجنب النزاع. علماً أنّ غالبيّة الهجمات الموثّقة شُنّت على مناطق موجودة ضمن مناطق شهدت خفضاً للتصعيد.
ووثّق كذلك تعرّض 75 منشأة طبيّة للهجوم أكثر من مرة، بإجمالي 216 هجمة متكررة، كما حدد عددًا من الهجمات ذات النمط التجميعي، أي على عدة منشآت طبية متقاربة جغرافيًا، وفي بعضها تمّ استخدام الأسلحة الكيماويّة.
ولفت التقرير إلى أنّ ما لا يقل عن 95٪ من الهجمات الموثقة على المرافق الطبية فاقمت الأذى الذي لحق بالمدنيين، إذ أسفر نصف الهجمات عن وقوع ضحايا مؤكّدة. كما أنّ الهجمات نُفذت على منشآت تخدم أعدادًا كبيرة من النازحين، مما جعل هذه الهجمات سببًا في موجات نزوح جديدة.
وبحسب الأرشيف السوري، فإنّ للأنماط والتكتيكات الموثَّقة في الهجمات التي نفّذتها الحكومة السوريّة أو القوات الروسيّة - المحدّدان على أنّهما الجانيان الرئيسيّان في الهجمات ضد المنشآت الطبيّة- إستراتيجية أساسيّة وجليّة في إلحاق الضرر والتدمير المتعمَّدين.
جرائم حرب
بموجب القوانين الدوليّة للنزاع المُسلّح تُعتبر مهاجمة المستشفيات مخالفة فادحة للقانون الدولي، وواحدة من جرائم الحرب، إذ تحتفظ المنشآت الطبيّة بحقها في السلامة ومعالجة المصابين وتحييدهم عن الصراع، وتخضع المنشآت الطبيّة وكوادرها للحماية القانونيّة الدوليّة.
أكثر من نصف الهجمات على المنشآت الطبية قام به النظام السوري وحلفاؤه.
في مؤتمر أستانة في العام 2017 وقّعت روسيا وتركيا وإيران على مذكرة تفاهم بهدف إقامة مناطق خفض تصعيد في سوريا، بهدف ضبط وتخفيف الأعمال القتاليّة فيها، ومنح السكان ظروفًا أكثر أمنًا، ونصّت المذكرة على وجود مناطق عدم اشتباك، إلّا أنّ أطراف النزاع، ولا سيما القوات السوريّة النظاميّة والروسيّة لم تلتزم المعاهدات الموقّعة، فمثلًا ذكرت تقارير أمميّة سابقة مسؤولية قوات النظام وحلفائها عن استهداف منشآت طبيّة.
وفي العام 2014، بدأ تطبيق الآلية الإنسانيّة لتجنب النزاع، وتمّ تحديثها بدءًا من العام 2018، وهدف هذه الآليّة هو منع استهداف المنشآت المدنيّة الحيويّة مثل المستشفيات والمدارس ومحطات المياه، عبر تحديد مواقع هذه المنشآت من قبل الجهات المُشغلة لها، ومشاركتها مع مكاتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة التابعة للأمم المُتحدة، والتي تشاركها بدورها مع أطراف النزاع بهدف تجنب قصف أو استهداف هذه المنشآت.
إلّا أنّ هذه الآليّة فشلت فشلًا ذريعًا في سوريا بسبب عدم التزام أطراف النزاع، بل إنّ تقارير ذكرت اعتماد القوات السوريّة التابعة للأسد والقوات الروسيّة الحليفة لها هذه الآليّة من أجل تحديد مواقع المنشآت الطبيّة واستهدافها عمدًا بهدف إخراجها عن الخدمة.
التوثيق في سوريا
قد تكون الثورة في سوريا والحرب التي تلتها من أكثر الأحداث التي جرى توثيقها في العالم بالصوت والصورة، إذ قام المواطنون بتصوير مقاطع فيديو وتحميلها على المنصات المختلفة لتوثيق التظاهرات، وما تلاها من انتهاكات ارتكبتها قوات النظام السوري في بداية الثورة، ولاحقًا، الميليشيات التي تنتمي إلى أطراف النزاع المختلفة، فضلًا عن انتهاكات الجيوش المتحاربة في سوريا، بعدما تحولت الثورة السلمية إلى حرب مفتوحة.
تحتفظ المنشآت الطبيّة بحقها في السلامة ومعالجة المصابين وتحييدها عن الصراع، وتخضع المنشآت الطبيّة وكوادرها للحماية القانونيّة الدوليّة.
قامت مبادرات حقوقيّة ومدنيّة، أبرزها الأرشيف السوري، بتوثيق معظم البيانات المنشورة على الانترنت والمتعلقة بهذه الأحداث من صور وفيديوهات ونصوص، واسترجاع مقاطع الفيديو المحذوفة من المنصات المختلفة، وأهمها يوتيوب، بهدف توفير الأدلة القانونيّة اللازمة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات في سوريا في المستقبل.
والأرشيف السوري هو مبادرة مستقلة يقوم بها نشطاء وصحافيون وخبراء في مجال الأمن الرقمي، ممن عملوا سابقًا في مجالات حقوق الإنسان والتحقق الرقمي والتقنيات المفتوحة المصدر ومنهجيات الاستقصاء والتحقيق، ويعملون حالياً على حفظ وتحليل وأرشفة ونشر الوثائق المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، بعد التحقق منها.
كما تهدف المبادرة إلى صون وتحسين واستدامة الوثائق المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الأخرى المُرتكبة من قبل جميع أطراف النزاع في سوريا، بهدف استخدامها في قضايا المناصرة والعدالة والمساءلة القانونيّة.
اعتمد الأرشيف السوري على مواد توثيقية مفتوحة المصدر لبناء قاعدة بيانات الأسلحة الكيمياويّة، التي ساهمت في رفع دعوى جنائيّة ضدّ الحكومة السوريّة في اثنتين من أسوأ هجمات الأسلحة الكيميائية التي نفذها النظام السوري مستخدمًا غاز السارين في العام 2013 بالغوطة الشرقيّة، وفي العام 2017 بخان شيخون، كما اعتمد عليها في تقريره الأخير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...