شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
المرضى النفسيون في سوريا... ضحايا منسيّون

المرضى النفسيون في سوريا... ضحايا منسيّون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 31 مايو 201710:16 م

بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات من الحرب في سوريا، تتحدث الأرقام عن ما يقارب 200 ألف حالة وفاة، وما لا يقل عن 8 ملايين نازح من أصل 22 مليون نسمة يعانون من ويلات هذه الحرب وضغوطاتها، لا سيّما النفسية منها. وفي حين يتم التركيز غالباً على محنة اللاجئين وأولئك الذين فقدوا مقربين منهم، قليلون من يدركون المأزق النفسي الذي يعيش فيه سكان سوريا اليوم.

4% فقط من المهجرين في سوريا يقطنون في مراكز إيواء، حيث تقوم بعض المنظمات الدولية بتقديم الدعم النفسي لهم. خارج هذا الإطار، يعيش معظم السوريين من دون أي جهة يلجؤون لها لتلقي الدعم. لا يوجد في سوريا سوى ثلاث مشافٍ للصحة العقلية، مشفى “إبن رشد” الذي لا تتجاوز سعته 50 سريراً، ومشفى “إبن سينا” بسعة 610 سريراً، وهما يقعان في مناطق ساخنة في ريف دمشق، ومشفى إبن خلدون” في حلب، في منطقة تقع تحت سيطرة جماعات المعارضة، بالإضافة إلى مستشفيين تابعين للقطاع الخاص توقفا عن العمل منذ بداية الأزمة. من جهة أخرى، لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين 60 طبيباً يتمركز معظمهم في العاصمة.

عدد الأمهات والأطفال الذين يعانون من الحجم الهائل لعمليات القصف كبيرٌ جداً. النساء اللواتي التقينا بهن في أحد مراكز الإيواء الصحية يخبرننا أن  أطفالهم “يتصرفون بطريقة مختلفة، وإن البعض منهم لا ينام جيداً ويعاني من الأرق بشكل كبير، وبعضهم لا يأكل، والآخر لا يستطيع التكلم بشكل جيد، ويميلون للانطوائية أو للعدوانية؛ فكل طفل يعبر عن استيائه أو غضبه أو حزنه بشكل مختلف عن الآخر".

يقول الدكتور إياد يانس، طبيب نفسي في دمشق، أن الاضطرابات العقلية والنفسية التي رافقت الأزمة لن تودي بالضرورة إلى حالات مرضية، ولكن “عدد الناس المأزومين الذين هم بحاجة إلى دعم نفسي قد يصل إلى نصف عدد سكان سورية!"

أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً في هذه الأزمة بحسب الدكتور إياد هو القلق، يليه الاكتئاب الذي قد تؤدي بعض أشكاله إﻟﻰ ﺗﺧرﯾب وظﺎﺋف اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷﺧرى. إضافة إلى ذلك، تأتي مشكلة “الاضطراب ثنائي القطب” الذي يفقد صاحبه صلته بالواقع ويدفعه إلى العزوف عن الاتصالات الاجتماعية، ما قد يؤدي به إلى الفصام.

التقينا في مستشفى إبن سينا مثلاً بوالد أحد الشبان الذي يطالب الطبيب المعالج لابنه بتقريرين طبيين، بعد أن تم القبض عليه على أحد حواجز الجيش النظامي إثر قيامه بشتمهم وتهديدهم معتبراً نفسه قائداً للثورة، فتم القبض عليه، وما لبث أن خرج من السجن حتى وقف على حاجز للجيش الحر هاتفاً لحياة الجيش النظامي والقائد، فتم القبض عليه هذه المرة من قبل هذا الحاجز.

download (3)

من جهة أخرى، تتكاثر حالات “اضطراب ما بعد الصدمة” PTSD، التي تأتي نتيجة التعرض لحدث خارج عن نطاق التجربة العادية يرافقه عند الشخص مشاعر عجز وخوف. “ثريا” (إسم مستعار) تتلقى العلاج لما تمّ تصنيفه كاضطراب ما بعد الصدمة، وذلك إثر تعرضها لحالة اغتصاب من شخصين في نفس الوقت. رفضت ثريا التحدث بالأمر، لا مع  زوجها ولا أحد من أفراد عائلتها. تعيش اليوم حالة ذهول وصمت وترفض الخروج وحيدة، وقد أثّر ذلك على علاقتها الزوجية، إضافة إلى الكوابيس الليلية التي لا تفارقها.

الضحايا الأبرز لهذا الإضطراب هم غالباً الأطفال، لا سيما أنّ ما يتعدى مليوني طفل قد اضطروا للهرب ومواجهة صدمة الانتقال داخل سوريا، في حين هجّر ما يقارب مليون طفل آخر.

لدى سؤالنا الدكتور إياد عن ازدياد عدد المراجعين لعيادته من المرضى أخبرنا "أنه على العكس تماماً، لقد قل عدد المراجعين بسبب صعوبة التنقل، فأغلب الأطباء في سوريا متمركزون في دمشق، مما يجعل الوصول إليهم من المناطق المتضررة صعباً للغاية بالإضافة للظروف الاقتصادية الصعبة، فقد يضطر بعض المرضى للتوقف عن تناول أدويتهم”.

فيما يتعلق بقلة عدد الأطباء النفسيين يوضح الدكتور إياد أنه بإمكان فرق الدعم النفسي تعويض هذا الفراغ من خلال زياراتها لمراكز الإيواء ومقابلة الحالات ومن ثم تحويلها إذا اقتضت الحاجة إلى طبيب مختص".

والحال أنه ثمة تفاوت كبير في مستوى الخدمات بين مراكز الإيواء، إضافة إلى ضرورة تأهيل عدد أكبر من اختصاصيي الدعم النفسي الاجتماعي لتغطية جميع المناطق السورية وليس دمشق فقط، كما أصبح من الضروري دمج الصحة النفسية ضمن منهاج الطب العام.

عند دخولنا لصيدليات عدة، وبالرغم من إخراجنا لعدد من الوصفات الطبية، لاحظنا عدم توافر عدد كبير من الأدوية النفسية، إما بسبب إغلاق المعامل التي كانت تنتجها، أو بسبب عدم استيرادها أو ارتفاع أسعارها. أما إذا كانت متوفرة، فتصل أسعار بعض الأدوية إلى 20 دولار (2590 ليرة سورية)، لا تكفي جرعتها لشهر واحد مثل valdoxan،  إحدى مضادات الاكتئاب. تتوافر في المقابل بعض الأدوية سورية الصنع التي تستخدم كبدائل لمضادات الاكتئاب المستوردة مثل الزولوفت (750 ليرة)، البروزاك (150 ليرة) والسيروكسات (1495 ليرة).

نشر على الموقع في تاريخ 16.12.2013


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image