مرة أخرى النائبة عبير موسى، رئيسة الحزب الدستوري الحر، في قلب أزمة تحت قبة البرلمان التونسي. هذه المرة بفعل غير مسبوق ربما في مجالس التشريع حول العالم، إذ حضرت إحدى الجلسات مرتديةً خوذة حماية وسترة واقية من الرصاص.
جاء تصرف موسى، التي تقول إنها مهددة بالقتل، عقب منع حراسها الشخصيين من مرافقتها إلى داخل الجلسة. إلى جانب صورة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وضعت النائبة أمامها لافتة دُوّن عليها: "تم إعطاء الضوء الأخضر لتصفية هذا النائب جسدياً".
كان ذلك خلال الجلسة العامة التي عُقدت الثلاثاء 4 أيار/ مايو، بحضور وزيرة العدل بالإنابة، التي عُنيت بمناقشة مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح القانون الأساسي رقم 50 لسنة 2015 والمتعلق بالمحكمة الدستورية.
"ديمقراطية الخوانجية"
من داخل الجلسة، صرّحت النائبة: "أريد أن يعاين الشعب التونسي أننا في هذا العهد المجيد، عهد ما يقولون إنه الديمقراطية، المعارضة (مشيرةً إلى نفسها) اليوم لابسة سترة واقية من الرصاص وخوذة باش تنجم (حتى تستطيع) تدخل مجلس الشعب، وتمارس العمل متاعها، اللهم اشهد أننا بلغنا، وهاكم قاعدين تشوفوا".
ولفتت إلى أنها مهددة بـ"التصفية" وأن المعلومات الكاملة حول ذلك "عند الدولة والداخلية والمخابرات". وصدر قرار منع دخول المرافقين الأمنيين لموسى عقب اتهام بعضهم بسوء المعاملة.
ملقيةً باللوم على "عهد ديمقراطية الخوانجية وأذيالهم"... النائبة التونسية تحضر جلسة البرلمان مرتديةً خوذة وسترة واقية من الرصاص عقب منع حراسها من مرافقتها
وعقّبت عبر حسابها في فيسبوك: "في عهد ديمقراطية الخوانجية (الإخوان المسلمين/ النهضة) وأذيالهم، المعارضة تمارس عملها بارتداء خوذة وسترة واقية من الرصاص".
غضب وسخرية
أثار مشهد موسى بخوذة الدراجات النارية ردود فعل قوية تباينت بين الغضب الشديد والسخرية، مع بعض المواقف الداعمة لها والمبررة لتصرفها بأنها معرضة لخطر حقيقي.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من التونسيين سئموا الاقتتال اللامتناهي بين الكتل الدينية والعلمانية في برلمانهم الذي يعتقدون أنه ينبغي أن يكثف الجهود لحل المشكلات المحلية والديون الوطنية المتزايدة وخاصةً مع القلق حيال زيادة تفشي فيروس كوفيد-19.
وقال عضو مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة، المعز الحاج منصور، في منشور مطول عبر فيسبوك بعنوان "صاحبة الخوذة والتفاهة السياسية": "قد تكون هذه الحيطة مشروعة لو كانت خارج البرلمان. طبعاً هي تشك في إمكانية أن يعتدي عليها زملاؤها النواب أو أن يحاولوا اغتيالها داخل حرم المجلس وفي ذلك انحراف".
ثم تساءل: "لا تحدثوني عن الاحتجاج وعن الرمز ودلالات الرمز… هل هذا السلوك عقلاني؟"، مهاجماً "القطيع" الذي "يصفق لامرأة تمارس السياسة بمنطق العراك في حمامات المدينة العتيقة، آخرها خوذة دراجة نارية أو درع لمقاتل من الساموراي".
وفي منشور عبر فيسبوك، كتب النائب المستقل بالبرلمان ياسين العياري: "بعيداً عن الجانب التهريجي المضحك والسخيف، فإن إرتداء خوذة وواقٍ من الرصاص تحت قبة المجلس، هي إهانة غير مقبولة وتشكيك سخيف ومردود على أصحابه في مهنية وجاهزية وحرفية الأمن الرئاسي". وأضاف العياري أن "مجلس نواب الشعب مكان آمن" بل "أكثر الأماكن أمناً في هذا البلد".
على الجانب الآخر، كتبت بدرة قعلول، مديرة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية، عبر فيسبوك: "دم عبير هو دم وطن. البسي صدرية واقية من الرصاص وخوذة وعرّيهم فحقكِ أن تحمي حياتك".
وزادت: "لا تسمحي لهم بأن يتاجروا بدمك ويجلسوا على طاولة الحوار بعد تصفيتك ثم يتفقون على التعايش والتوافق بحضور الثعالب والضباع ويسمونه حواراً وطنياً… عرّي زيفهم ونفاقهم وإجرامهم، افضحي جهل الحدثوت والحاقدين والانتهازيين".
وخاطبت أعداء موسى: "تأكدوا، لن تنالوا منها مهما فعلتهم ما دام وراءها الأشراف والأحرار والحرائر".
"امرأة تمارس السياسة بمنطق العراك"... تباينت تعليقات التونسيين حول المشهد بين الغضب الشديد والسخرية. لكن محللين يقولون إن الخطر المحدق بها "حقيقي للغاية"، ما دفع إلى نُصحها "عرّيهم، فحقكِ أن تحمي حياتك"
في غضون ذلك، قال الخبير في العلاقات الدولية يوسف الشريف، رئيس مركز جامعة كولومبيا في تونس، لصحيفة الغارديان البريطانية، إن درجة الاستقطاب راهناً في تونس تجعل التهديد الذي تتعرض له موسى، من ممثل وحيد، "حقيقي للغاية". علماً أنه وصف الملابس الواقية التي ارتدتها النائبة في جلسة الثلاثاء بأنها "سخيفة للغاية".
وشهد البرلمان التونسي أخيراً عدة حوادث اشتباك بالأيدي واعتداءات جسدية ولفظية على نائبات بمن فيهن موسى.
جدل دائم حولها
كانت موسى مدافعة علانيةً عن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، بعد الثورة التونسية نهاية عام 2010، ما أدى في البداية إلى نبذها من قبل زملائها في الحزب والاعتداء عليها في الشارع.
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتنامي الغضب حيال خفض الأجور وزيادة البطالة وتدهور الخدمات العامة، والحنين إلى الاستقرار والازدهار النسبيين في الماضي، اكتسبت موسى شعبية غير متوقعة.
حالياً، تملأ موسى وحزبها الفراغ الذي خلّفه تلاشي شعبية نداء تونس وقلب تونس، كممثلين للسياسة العلمانية في تونس، عقب عقد صفقات سياسية مع حزب النهضة الإسلامي.
وسبق أن أكدت استطلاعات للرأي شعبية موسى التي تأتي في المرتبة الثانية بعد الرئيس الحالي قيس سعيد، الذي حصل على أغلبية ساحقة في انتخابات عام 2019، من حيث شعبية الشخصيات السياسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...