انتقاد مستمر واتهام بالميزوجينية (كراهية النساء) لا يزالان يوجّهان إلى الكوميدي التونسي لطفي العبدلي عقب سخريته من الملابس الداخلية لرئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى، زاعماً أنها "تغطي مساحة هكتارات"، في وصم واضح لها بالسمنة.
ورد كلام العبدلي عن موسى، في 2 آب/ أغسطس، في مسرحية "عبدلي شو" بمهرجان الياسمين في مدينة رادس. واعتبره كثير من الناشطين المعنيين بقضايا المرأة في البلاد "مسيئاً إلى المرأة التونسية، وترسيخاً لثقافة كراهية النساء واحتقارهن".
وبرغم أن موسى من الشخصيات المثيرة للجدل سياسياً، ولا يتفق عدد كبير من التونسيين مع مواقفها، فإنها، في نظرهم، نموذج للمرأة القوية التي تمارس حقها في العمل السياسي بشجاعة. ودعا هؤلاء إلى مقاطعة عروض العبدلي رفضاً لما قاله.
ونقلت وكالة تونس أفريقيا للأنباء شبه الرسمية، مساء 5 آب/ أغسطس، عن مديرة مهرجان بومخلوف بالكاف، سهام بن زكي، أن إدارة المهرجان قررت "إلغاء العرض المسرحي للممثل لطفي العبدلي (كان مقرراً مساء 13 آب/ أغسطس) نتيجة احتجاجات المجتمع المدني واستنكار ما صدر عنه من عبارات مهينة لرئيسة الحزب الدستوري الحر في عرض بمهرجان ياسمين رادس".
وسبق ذلك أن أعلن العبدلي إلغاء عرض مسرحيته في سوسة، المقرر في 12 آب/ أغسطس، معلقاً: "التجمع أصبح أكثر قوةً. خسارة سوسة نحبها".
"حرية التعبير والنقد لا علاقة لهما بملابس النساء الداخلية وأعضائهن التناسلية وإفرازات أجسادهن الطبيعية"... ولايات تونسية تلغي عروضاً لفنان كوميدي سخر من "كلسون" السياسية البارزة عبير موسى وإفرازت مهبلها ووصم جسدها بالسمين
"لا أخاف حزب الكلسون المقدس"
برغم ذلك، أصر العبدلي على الدفاع عن موقفه، معتبراً أنه أتى في إطار حقه المكفول بحرية التعبير، مؤكداً أنه لا يخشى الدعوات إلى مقاطعته، وذلك في عدة مقاطع فيديو عبر حسابه على انستغرام. قال في أحدها: "حكيت على كلاسين الكل، كلسون (المرشح الرئاسي نبيل) القروي، و(زعيم حركة النهضة راشد) الغنوشي و(الرئيس الأسبق منصف) المرزوقي والمرحوم (الرئيس السابق باجي قائد) السبسي. متكلمتوش أما جيتوا لكلسونها هي اليوم ولّى كلسونها مقدس لأن كلسونها هي يمثل المرأة التونسية وشرف المرأة التونسية؟".
وتابع: "أي سياسي دخل الحلبة يتحمل مسؤوليته كشخصية وطنية"، رافضاً وضع "خطوط حمراء" لعمل الفنان وانتقاص حريته في التعبير.
وأضاف في مقطع آخر أن عروضاً له أُلغيت بسبب تأجيل مهرجانات في إطار التدابير الوقائية لمكافحة فيروس كورونا، وليس رضوخاً للدعوات إلى مقاطعته، مستنكراً محاولة "بصاصة حزب الكلسون المقدس" تصوير تصريحاته عن موسى وكأنها "معركة مع المرأة التونسية"، وموضحاً "المرأة التونسية ما تمثلوهاش (لا تمثلونها) وأرقى منكم".
وبيّن في مقطع ثالث أنه لم يقصد المعنى الحرفي لكلمة "كلسون" بل المعنى الرمزي الذي يشير إلى نظافة الذمة، مردفاً "اللي كلسونه نضيف ميخافش… هم فهموها وذاك علاش وجعتهم".
واستمر العبدلي في نشر رسائل دعم ومساندة له عبر حساباته، وواصل في الوقت نفسه السخرية من "حزب الكلسون المقدس".
حرية تعبير أم تدني وإسفاف؟
وفي حين دافع فريق محدود من المعلقين -جلهم من أنصار النهضة أو معارضي مواقف موسى السياسية- عما اعتبروه "حرية الفن والإبداع"، قال معارضون إن "لا شيء يمنع الكوميدي الساخر من كشف عورة السياسي رجلاً كان أو امرأة".
برغم الهجوم الشديد عليه، وإلغاء بعض عروضه، الكوميدي التونسي #لطفي_العبدلي يصر على تصريحاته المسيئة لـ #عبير_موسى، ويؤكد: "لا أخاف حزب الكلسون المقدس". تضامن واسع من أنصار حركة النهضة معه
وانتقد مواطنون الدعم الحقوقي الذي حظيت به المدونة آمنة الشرقي لدى محاكمتها نتيجة نشر محاكاة للقرآن بعنوان "سورة كورونا" باسم حرية التعبير، مقابل الهجوم الشديد على العبدلي الذي لم يفعل -برأيهم- سوى الأمر نفسه: التعبير عن رأيه.
لكن العديد من المعلقين أعربوا عن تخوفهم من جر النقد السياسي إلى ساحة نشر الفكر الذكوري والمعايرة بجسد المرأة. من هؤلاء الناشط السياسي توفيق الحسناوي الذي استنكر عبر حسابه على فيسبوك أن "تصبح الملابس الداخلية وحيض المرأة ‘ثقافة وإبداعاً‘"، محذراً من أن "النزول نحو القاع مستمر".
وكان لآخرين موقف وسط تمثل في الاعتراف برفض ما قاله العبدلي من قبيل اعتباره "إسفافاً غير لائق"، رافضين الدعوات إلى حظر عروضه أو مقاطعتها.
وفي مقال رأي بصحيفة "الصباح" التونسية، قال الصحافي خليفة شوشان: "لا يمكننا - نحن جمهور المتلقين من غير المختصين فنياً ومسرحياً - أن نقيم ما أتاه العبدلي، مهما بلغ من الإسفاف والتدني، إلا بمعايير ذائقتنا الفنية".
وتابع: "أما إخضاع أعماله لمعايير الممنوعات السياسية لأنها مسّت بعض الذوات الفاعلة سياسياً أو إلباسه لبوس المحرمات الدينية والأخلاقية لأنه غاص في مواضع حميمة وعبث بكلاسن السياسيين والسياسيّات، فذلك لا يمكن وضعه إلا في خانة الوصاية والرقابة على الفن باعتماد سلطة من خارجه".
ولفت شوشان إلى أن أغلب أعمال العبدلي المسرحية "لم تتجاوز مستوى التهريج المبتذل والإضحاك الرخيص والنِكات السمجة السوقية" على العكس من أعماله الدرامية، مستدركاً أن ذلك ناتج من "قلة ثقافة وخواء فني وكساح إبداعي" لا من نقص في التدين أو الأدب.
ما خطورة ما قاله العبدلي؟
ملاك محمدي، الناشطة في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قالت لرصيف22: "ادعاء لطفي العبدلي أن الهجوم الذي يتلقاه أو ردة الفعل حيال موضوع مسرحيته متأتٍ من ‘حزب عبير موسي‘ وليس من الناشطين المعنيين بالقضايا النسوية، أمر متوقع ووسيلة دفاع اتخذها لكي يتم اعتبار القضية قضية قمع وإسكات أفواه وانتهاك حرية التعبير، وهي ليس كذلك، بل هي قضية ثلب (انتقاص وإهانة) وانتهاك كرامة واستهداف متواصل للمرأة عامةً والمرأة السياسية خاصةً وحصرها وربطها دائماً بما له علاقة بوظائفها الجنسية وأعضائها التناسلية والنظرة الذكورية الدونية للمرأة".
وأضافت: "العبدلي لم يكتف بذكر ملابسها الداخلية. بل تمادى في رسم صورة مقززة لها عبر إيحائه بكون اعتصامها الأخير في مجلس النواب لا يسمح لها بتغيير ملابسها الداخلية. وشرع يصف كيف ستكون ملابسها الداخلية إذا لم تغيرها طوال أسبوع، وما له علاقة بإفرازات جسدها. كما تحدث عن حجم ملابسها الداخلية مقدراً مساحتها بهكتارات، أي أنها سمينة. وهنا أيضاً ندور في المربع نفسه معتمدين أسلوب الـbody shaming الذكوري".
دليل آخر على أن زعم العبدلي بأنه مستهدف من الحزب "غير صحيح بتاتاً"، ساقته محمدي، هو أن موسى لم تعلق على الموضوع أصلاً، معتبرةً أن غرض العبدلي "كسب تعاطف الأعداء السياسيين لعبير وهو ما حدث"، ولافتةً إلى تبني جمهور حركة النهضة، المعروف بصراعه الأيديولوجي الكبير مع حزب موسى، وحتى أعضاء من الحركة "الدفاع بشراسة عما اقترفه العبدلي".
في سياق الاتهامات بـ"الميزوجينية" للعبدلي، ذكرت الناشطة التونسية بأن هذا التجاوز "ليس أول تجاوزاته، بل له ماضٍ مع الذكورية والتهجم على النساء. أذكر خلال العام الماضي قضية الإعلامية بية الزردي التي رفعت قضية ضد مغني الراب كلاي بي بي جي إثر نشره أغنية تدعو إلى الاغتصاب الجماعي. ساند لطفي العبدلي كلاي الذي دانته المحكمة بموجب القانون الأساسي 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، ولم يكتف بمساندته بل هدد الزردي علناً على مواقع التواصل الاجتماعي إذا لم تسحب الشكاية". وتجدر الإشارة إلى أن كلاي تضامن هو أيضاً مع العبدلي عقب أزمة تصريحاته عن عبير.
"لا شيء يمنع الكوميدي الساخر من كشف عورة السياسي رجلاً كان أو امرأة"... لكن هذا لا يمكن أن يُبرر للميزوجينية والانتقاص من كرامة النساء وخاصة المشتغلات في السياسة
"فعل مُجرّم قانوناً"
تعقيباً على المقارنة بين قضية آمنة الشرقي ولطفي العبدلي، قالت محمدي إن ذلك "لا يستقيم، لأن الشرقي لم تتلفظ بعبارات مخلة بالحياء، ولم تهتك عرض أحد. النص الذي نشرته لا يحتوي على أي نوع من الاعتداء أو القذف أو الثلب أو الإيحاء غير الأخلاقي على عكس ما فعل العبدلي".
ونبهت إلى أن "القانون الذي وُضع لحماية الأفراد ومنع أي اعتداء شخصي على كرامتهم وضعه الإنسان ليحمي نفسه"، مستدركةً: "الله لا يحتاج إلى قوانين البشر كي تحميه ولا هم أوصياء عليه".
وشددت على أن "ما اقترفه العبدلي لا يندرج ضمن حرية التعبير ولا ضمن الفن، بل هو مجرّم قانوناً"، وأن "حرية التعبير والنقد لا علاقة لهما بملابس النساء الداخلية وأعضائهن التناسلية وإفرازات أجسادهن الطبيعية".
"أُنقد عبير كسياسيّة كما تشاء من دون التطرق إلى جنسها، وإلا فلا حل لنا سوى محاربتك".
ولفتت إلى أن "هذه ليست مواضيع نقاش ولا مادة نقد، بل ابتذال بهدف التجريح والترهيب، وهو ما يمنع النساء من ممارسة السياسة أو حتى المشاركة في الفضاء العام، وكأن هذا الفضاء خلق للرجال فقط، وكل من تتجاوز المسموح به يهرعون لأساليب ترهيبها وتشويهها للسيطرة عليها".
وهذا ما دفع محمدي إلى التأكيد أن "تمسك العبدلي بتجاوزه والخطأ الذي ارتكبه لن يجعل منه مناضلاً كما يعتقد، أو كما يريد أن يسوُق لنفسه، بل هذا هو أسلوبه المعتاد لجذب الانتباه وخلق صورة معينة له في ذهن الناس".
وأضافت: "لا أحد فوق النقد (...) ما يمتهنه لطفي العبدلي ليس نقداً ولا حرية تعبير. وأي إنكار لذلك هدفه التشريع للفوضى وتجاوز الحدود وإهانة المرأة لكونها من الفئات الهشة التي تتلقى نتيجة هذه الفوضى في المجتمعات الذكورية".
واعتبرت منع عرض العبدلي في مناسبة عيد المرأة، مساء 13 آب/ أغسطس، بأنه "آلية حضارية وديمقراطية لمحاربة هذه الممارسات، لأن عبير هي الوحيدة التي يحق لها مقاضاته. ونحن كمجتمع مدني وناشطين وشعب لنا آليات أخرى سلمية تعبر عن مواقفنا أيضاً، بينها المقاطعة ورفض هذه العروض لما لها من تبعات ولما تمثله من خطر".
ختاماً، خاطبت محمدي العبدلي: "أُنقد عبير كسياسيّة كما تشاء من دون التطرق إلى جنسها، وإلا فلا حل لنا سوى محاربتك".
تُذكر هذه الحادثة بالهجوم الذي تعرض له النائب عن حزب "قلب تونس"، عياض اللومي، حين قال لموسى، في أيار/ مايو الماضي: "بلاصتك في كارتي"، أي مكانك في ماخور. وهو الانتقاد الذي وصف بالذكوري لتشبيهه إياها بالمومس.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...