"الشعب يريد التراويح"، و"هذا عيب هذا عار، الإسلام في خطر"، وشعارات أخرى رددها محتجون مغاربة خرجوا ليلا بعد الإفطار في مدن الفنيدق وطنجة شمال المغرب، للمطالبة بعودة إقامة صلاة التراويح بعدما مُنعت من طرف السلطات، ضمن حزمة تدابير مشددة اتخذتها الحكومة المغربية لاحتواء انتشار فيروس كورونا وسلالاته المتحورة خلال شهر رمضان. مشهد تكرر في مدينة فاس التي شهدت تجمع آخرين يريدون إقامة صلاة العشاء والتراويح أمام أحد المساجد في المدينة، ليعتقل البعض منهم، وتقرر السلطات القضائية متابعتهم لخرق منع التجول في الليل.
ورغم أن الحكومة المغربية أعلنت قبل حلول شهر رمضان بأيام عن حظر التنقل الليلي على الصعيد الوطني يوميا من الساعة الثامنة ليلا إلى الساعة السادسة صباحا، في إطار إجراءات مواجهة فيروس كورونا، إلاّ أنها تجد تحديا وانتقادا من طرف جزء من المجتمع.
بدعة عمر بن الخطاب
عبّر عدد من المغاربة عن رفضهم للقرار، فمنهم من خرج في مسيرات احتجاجية ضمت العشرات وانتهت بتدخل قوات الأمن حسب مقاطع فيديو على يوتيوب، ومنهم من عبّر عن ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي واقترح حلولا ، مثل سعيد بنرحمون، وهو أستاذ مغربي كتب على صفحته في فيسبوك: "تصلح المصلّيات (أماكن في الهواء الطلق تقام فيها صلاة العيد) مساجد لإقامة التراويح. ساحات المدارس وملاعبها الرياضية تصلح لإقامة التراويح. الملاعب تصلح لإقامة التراويح (...) هذا إذا كانت الحجة هي أن الزحام في الأماكن المغلقة خطر على الصحة العامة".
صوت الرجل غير منفصل عن أصوات كثيرة انتشرت في الشبكات الاجتماعية انتقاداً لمنع الصلاة الرمضانية التي تعتبر من أبرز مشاهد التدين في شهر رمضان.
بدعة عمر بن الخطاب "فرض عين" في المغرب. بعض المغاربة تحدوا منع السلطات لصلاة التراويح بسبب إجراءات مواجهة كوفيد19 ويقيمون صلوات أو يحتجون في الشارع، وآخرون يفضلون القيام بها سرا في المنازل
الباحث في الشأن الديني محمد عبد الوهاب رفيقي استغرب في تصريح لرصيف22 "كل هذه الضجة"، معتبرا أن "القرار طبيعي ولم تقصد به المساجد ولا الصلاة، وإنما صلاة التراويح ممنوعة لأنها تندرج ضمن الأنشطة الليلية. ونحن نعلم مكانتها الدينية، فهي ليست بالفريضة الواجبة ولا حتى المستحبة، بل هي بدعة حسنة ابتدعها عمر بن الخطاب".
وتابع الباحث: "حتى إن تعلق الأمر بالفرائض فإن حفظ النفس مقدم على حفظ الدين، والمحافظة على الناس وأبدان الناس مقدم على شعيرة أو عبادة من العبادات، خصوصا أن صلاة التراويح يمكن أداؤها داخل البيت وبشكل فردي ولا حرج في أن يفقد الناس تلك الأجواء الجميلة سنة أو سنتين مقابل الحد من الوباء وتحضير المجتمع للعودة إلى الحياة الطبيعية".
لكن بدعة عمر بن الخطاب تجد الكثير ممن يعتبرونها فرضا لا يجب التخلي عنه.
تحدّ وتراويح سرية
في الكثير من مدن المغرب خرج التحدي من الافتراضي إلى الواقع. في مدينة ويسلان وسط المغرب أوقفت الشرطة 14 شابا أغلبهم قاصرون، عشرة منهم أعمارهم ما بين 15 و17سنة، و4 آخرون يبلغون ما بين 22 و25 سنة، ضبطوا وهم يؤدون صلاة التراويح بساحة مسجد الإمام علي في المدينة، رغم إجراءات منع التجول.
المشكل ليس في صلاة التراويح فقط وإنما هو حاجة الناس إلى الدعم بعد منعهم من العمل، فقانون الإغلاق على الثامنة جعل كثيرا من المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية يستغنون عن العمال
وفي الوقت الذي اختار مغاربة الاحتجاج والتحدي، اختار آخرون الالتفاف على الإجراءات بإقامة صلاة التراويح سرا. حسب معلومات توصل بها رصيف22 فإن عددا من سكان أحياء شعبية بمدن الدار البيضاء وطنجة لجأوا إلى منازل قريبة منهم، يقطنها معارف أو أصدقاء، يصلون فيها جماعة كل يوم بعد الإفطار. وقال أحد المشاركين في التراويح السرية بحي سباتة في الدار البيضاء (طلب عدم ذكر اسمه) لرصيف22: "لا حل أمامنا إلا أن نصلّي في السر. نعم نخاف من السلطات لكننا نخاف رب العالمين أيضا ولا يمكن أن نتخيل رمضان وعباداته بدون تراويح".
وأضاف المتحدث: "دول كثيرة سمحت بإقامة التراويح، والمغرب أيضا كان يمكنه ذلك، والسلطات التي تجوب الشوارع ليلا كان يمكنها أن تسهر على احترام التدابير والإجراءات الصحية. لكن المنطق لا يقبل أن تكون الأسواق والمراكز التجارية والمدارس مفتوحة وبيوت الله مغلقة".
الاحتجاج والتحدي بكل الطرق الممكنة يرى فيه الباحث في علم اجتماع الأديان ياسين أجانا تصرفا طبيعيا، لترسُّخِ الطقس في سلوك السكان. وأكد الباحث لرصيف22 أن ردود الفعل على قرار المنع كانت متوقعة، والسلطات أيضا كانت تعي منذ البداية أن القرار سيخلف نوعا من المقاومة.
"المنطق لا يقبل أن تكون الأسواق والمراكز التجارية والمدارس مفتوحة وبيوت الله مغلقة". مغاربة يتحدون منع صلاة التراويح في المغرب
وأردف المتحدث: "لا يعني التدين عند جل المغاربة بالضرورة الالتزام بتطبيق التعاليم الشرعية والتقيد بأحكامها، لكنه يعني الطريقة والكيفية التي يعيش بها الناس معتقداتهم الدينية في حياتهم اليومية وبالتالي حتى الناس الذين لا يطبقون العبادات، يستشعرون انتماءهم للهوية الإسلامية بممارسة طقوس موسمية تأخذ طابعا استعراضيا في بعض الأحيان".
من المسؤول: السياسة أم العلم؟
وفي الوقت الذي بدأ عدد من المغاربة في لوم اللجنة العلمية التي تتابع الوضع الوبائي، على قرار منع إقامة صلاة التراويح، خرج أحد أعضائها البروفيسور عز الدين الإبراهيمي ليوضح في تدوينة على فيسبوك كواليس القرار.
وأوضح الإبراهيمي أن اللجنة العلمية لا تقرر، "اللجنة تقدم توصيات تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات الأخرى كالاقتصادية والمجتمعية واللوجستية لأخذ القرار التدبيري المسؤول".
وأضاف: "رفع هذا الإغلاق لـ12 ساعة إضافية سيؤدي إلى رفع الحركة على الأقل إلى نسبة 200 في المئة ولا سيما مع عاداتنا في شهر رمضان ".
وتساءل الإبراهيمي، وهو رئيس إحدى مختبرات البيوتكنولوجيا: "هل يمكن لأي أحد منا وبمنطق علمي أن يثبت أن هذا الارتفاع لن يؤدي إلى تفشي الفيروس وانتشار المرض؟ هل لن نكون بذلك نجازف بالوضعية الوبائية شبه المستقرة لا سيما وأن وأرقام جهة الدار البيضاء تقلق؟".
صوت العلم يقابله صمت سياسي كامل. رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني امتنع عن الخوض في تفاصيل قرار منع إقامة التراويح وذلك في جواب له عن أسئلة المستشارين مؤكدا أن: "العودة لفتوى المجلس العلمي الأعلى الخاصة بصلاة التراويح للسنة الماضية، كافية وشافية فيما يخص قرار منع الحظر الليلي والتراويح بالمساجد"، ومشيرا إلى أن الإجراءات المعمول بها في رمضان، ليست إغلاقا كاملا بل استمرارا في الحظر الليلي، قائلا: "صحيح أنها مؤلمة لكنها ضرورية والحل الممكن اليوم".
صمت الدولة وعدم التواصل مع المواطنين بخصوص منع الصلوات، هو ما قد يكون دفع البعض منهم إلى الاحتجاج وتحدي الدولة بإقامة التراويح في الشوارع
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدورها لم تنشر أي توضيح وهو ما اعتبره البعض "صمتا ليس في محله". وقالت الصحفية المغربية سناء القويطي في تصريح لرصيف22 إن هناك ضعف تواصل بين المسؤولين عن الشأن الديني بالمغرب والمواطنين، وتضيف: "حين أغلقت المساجد ومنعت فيها الصلوات خلال فترة الحجر المنزلي العام الماضي كان المجلس العلمي قد أصدر فتوى في الموضوع، ولم يحتجّ الناس ولم يغضبوا لمنع الصلوات في المساجد، لكن اليوم يغيب في موضوع منع صلوات العشاء والفجر والتراويح صوت العلماء ووزارة الأوقاف. أعتقد أن التواصل المكثف مع المواطنين لشرح دواعي الإغلاق من طرف العلماء ووزارة الأوقاف وأعضاء اللجنة العلمية كان سيجعل الناس تتفهم هذه القرارات وتلتزم بها، فهم يثقون في هذه الفئات أكثر من ثقتهم في السياسيين".
وكان آخر بيان للمجلس العلمي الأعلى بخصوص إقامة التراويح من عدمها، تزامنا مع انتشار فيروس كورونا بالمملكة، قد صدر في الحادي والعشرين من نيسان/أبريل 2020 وأكد من خلاله أن "الحفاظ على الحياة من جميع المهالك مُقَدَّمٌ شرعا على ما عداه من الأعمال، بما فيها الاجتماع للنوافل وسنن العبادات".
وفي غياب الدولة انبرى بعض الفقهاء الإصلاحيين إلى توعية الناس بأن صلاة التروايح ليست ركنا من أركان الدين، ولا فرضا عليهم. ومن ضمنهم الفقيه المؤثر في شبكات التواصل رضوان بن عبد السلام وهو أحد الشيوخ المغاربة الأكثر متابعة، وقد نشر تدوينة جاء فيها: "المشكل ليس في صلاة التراويح فقط وإنما المشكل الكبير هو حاجة الناس إلى الدعم بعد منعهم من العمل، فقانون الإغلاق على الثامنة جعل كثيرا من المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية وغيرها يستغنون عن العمال ويرسلونهم إلى بيوتهم. الناس لم تجد ما تأكل وأنت مهتم بصلاة التراويح فقط". فهل يسمع عشاق الصلاة صوت العلماء والأئمة بعد صمت السلطات؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين