شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الجهر بالمعصية... لماذا يعاقبني الله بسبب ضعف الآخرين؟

الجهر بالمعصية... لماذا يعاقبني الله بسبب ضعف الآخرين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 20 أبريل 202101:47 م

قبل عام جمعني نقاش مع زميل حول المفطرين في رمضان. كان رأي زميلي وقتها أن الصيام والإفطار أمر يخص العبد وربه. لكن ظهور هؤلاء في الشوارع أو المقاهي ممنوع لأن ذلك يعد "جهرا بالمعصية" ويستفز شعور الآخرين، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يشجع من لديهم الاستعداد على الإفطار.

صمت زميلي حين قلت له: ألا ترى أن "الجهر" كلمة تعتمد على "النية"، وهل يمكننا معرفة أن هذا المفطر الذي يجلس في المقهى قصد الإجهار لاستفزاز مشاعر الآخرين أم لا؟ ثم ما الحل إن كان والد أحدنا يفطر بأوامر طبية وهو أمر حلال شرعاً؟ وقتها سنراه في بيوتنا يأكل ويشرب لأن هذا حقه. هل يعد ذلك أيضا جهرا بالمعصية؟ بحثت عن مفهوم" الجهر بالمعصية"، فما قاله صديقي لم ينشأ من فراغ، وفي صحيح البخاري ومسلم يوجد حديث منسوب للنبي يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين". وفي تفسير الحديث أن الله قد يتوب على العبد في ارتكابه المعصية سراً، أما إن جاهر بها فليس له توبة، لأن في ذلك تحد لله وتشجيع الآخرين على معصية الخالق.

هذا المفهوم الديني ليس فريداً. فهناك مفاهيم أخرى تؤدي إلى نفس المعنى، لعل أشهرها "إذا بليتم فاستتروا" وهي مفاهيم لا تقف عند حد علاقة الإنسان بربه، وإلا لما احتجنا للحديث عنها. لكن الأزمة أنها مفاهيم تعتمد عليها الدولة والمواطنين في كثير من التصرفات التي تكرس الوصاية والتعدي على الحريات الشخصية. ففي شهر رمضان مثلاً يتم غلق المقاهي والمطاعم، وأحياناً مطاردة المفطرين واحتجازهم من قبل أجهزة أمنية أو مواطنين. وإن كان هذا يحدث رغم عدم وجود نص قانوني، فإن إغلاق البارات في شهر رمضان يتم بشكل قانوني وقرارات رسمية.

مفهوم "المعصية" نفسه نسبي. ولأن الإسلام دين عالمي ليس حكراً على الدول العربية، فإن ارتداء امرأة مسلمة لملابس قصيرة في دولة أوروبية لا يعد "جهراً بالمعصية"

مشكلتي مع هذا المفهوم، الذي لا اعتقد أنه أمر ديني حتى لو جاء في نص منسوب للنبي، أنه يفترض أننا نعيش في مجتمع مسلم بالكامل، فلا وجود لأي صاحب ديانة أو معتقد آخر. أو يفترض أننا نعرف كل من لا يعتنق الإسلام وبالتالي لا نحاسبه وإلا سنضطر لسؤال من يجهر بالمعصية عن دينه. ولأن الافتراضين غير قابلين للتطبيق، أراحت الدولة نفسها بمعاقبة الجميع كما يحدث في إغلاق المقاهي والمطاعم والبارات في شهر رمضان.

الإشكالية الثانية التي تزيد من اعتقادي، أن مفهوم "المعصية" نفسه نسبي. ولأن الإسلام دين عالمي ليس حكراً على الدول العربية، فإن ارتداء امرأة مسلمة لملابس قصيرة في دولة أوروبية لا يعد "جهراً بالمعصية" أو "إشاعة فاحشة"، كما يحاول البعض تفسير آيات قرآنية لترسيخ مفاهيمه، لأن هذا هو الطبيعي في تلك البلاد. أما إذا حدث ذلك في مصر فقد يندرج تحت هذا البند.

التدخين والشتائم، مثلاً، حسب السردية الدينية، من المعاصي، ونحن نجهر بها ليل نهار ولا أحد يتدخل

لا يقتصر الأمر على نسبية المفهوم من بلد لآخر، بل وداخل البلد نفسها. يعتبر التدخين والشتائم، مثلاً، حسب السردية الدينية، من المعاصي، ونحن نجهر بها ليل نهار ولا أحد يتدخل، عكس معاص أخرى يتم التدخل فيها. أما أزمة الأزمات أنه ليس هناك أتفاق أصلاً على أن فعلاً ما هو معصية، ففي حين ترى فرق إسلامية أن هذا الفعل "محرم" يرى آخرون أنه "حلال"، وبالتالي يظل المواطن رهن أفكار ومعتقدات كل شخص بحسب رؤيته.

ولعل البعض ممن يؤمنون بضرورة مواجهة المجاهرين بالمعصية، يستندون على أنه بدون هذا المفهوم الديني ستصبح الدنيا مباحة للجميع. وإلا لماذا نواجه السرقة والقتل والترويع؟ أليس ذلك "جهرا بالمعصية"؟ لكن هؤلاء يختلط عليهم الأمر بين "المعصية" التي تخص المسلمين ولها أسس دينية، وبين "الجريمة" التي يتم تعميمها على الجميع بدون النظر إلى ديانته، لأنها تتعلق بالأمن العام لا بالتصرفات الشخصية.

كما أن الاعتقاد بأن جميع المسلمين، أو حتى غالبيتهم، لا يفصلهم عن معصية الله سوى أن يشاهدوا من يعصيه، هو إهانة في حد ذاتها للمسلمين وإيمانهم. وكأننا نعبد الله خوفاً لا طاعة. ناهيك أن من يريد معصية الله لن يتوقف بسبب تلك الأمور. فعلام يراهن هؤلاء؟

هؤلاء يختلط عليهم الأمر بين "المعصية" التي تخص المسلمين ولها أسس دينية، وبين "الجريمة" التي يتم تعميمها على الجميع بدون النظر إلى ديانته

تبقى النقطة الأهم أن الإسلام دين فردي، ومنظومة الثواب والعقاب فيه تعتمد على ذلك. بمعنى أن التشريع الإلهي جعل الإنسان مسؤولاً عن أفعاله فقط وليس عن أفعال الآخرين؛ "ولا تزر وازرة وزر أخرى". لكن ذلك التشريع الإلهي العادل يتناقض مع مفهوم "الجهر بالمعصية"، الذي يفرق بين ارتكاب الإنسان للمعصية- ولهذا عقاب- وبين الجهر بالمعصية- لهذا عقاب آخر يتمثل في أن الله لن يتوب عليه. والسؤال إذا كان هناك إنسان ضعيف إلى هذا الحد الذي يجعله يرتكب المعاصي لأن غيره يرتكبها، فتلك مسؤولية هذا الشخص الضعيف وليس مسؤولية من "يجهر بمعصية". فمنذ متى ندفع فاتورة ضعف الآخرين.

أعرف أن الدافع الأساسي لبعض من يطالبون بعدم "الجهر المعصية" نابع من إيمانهم وحبهم لله، وهذا أمر يُحترم. لكن بالنسبة لهؤلاء، فإن الله نفسه ارتضى أن يعصيه الناس وينكروه في بعض الأحيان، وكان قادراً على جعلهم جميعاً في طاعته، ووضع في النهاية "الثواب" و"العقاب". فإذا كان ارتضى ذلك وهو المطلع على الإنسان في السر والغيب، فما ذنبنا نحن؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard