في استعادة لعادة رمضانية طغت في السنوات الأخيرة بالسودان، استبق عدد كبير من الشباب حلول شهر رمضان، بالتوسع في ممارسة "المعاصي" وتناول "المنكرات" ضمن ظاهرة تعرف شعبياً بـ"خم الرماد".
ويحل خم الرماد قبل رمضان مباشرة، ويشهد ازدهاراً لتعاطي المخدرات والمسكرات وممارسة الجنس.
أصل التسمية
عن أصل التسمية، يقول أستاذ علم الاجتماع، فتح العليم عبد الله، لرصيف22 إن عبارة "خم الرماد" مستحدثة، ولم تظهر قبل سبعينيات القرن الماضي.
ويواصل: "حتى بعد صك المصطلح، كان المعني به هو التوسع في الموائد في اليوم الذي يسبق رمضان، وحشد الأطعمة بشكلٍ كبير، ووصولاً إلى (الخروجات) من المنازل نواحي المطاعم والكافتريات الراقية).
ويتابع: "ولكن مصطلح "خم الرماد" بإطلاقه الحالي يعني ارتكاب الكثير من المنكرات، ثم التحلل منها بحلول شهر رمضان المبارك".
ويرجح فتح العليم بأن هذه العبارة اطلقت استناداً إلى عادة قديمة، تتصل بإغلاق المطاعم ومحال صناعة الأكل أبوابها في أيام شهر رمضان جراء قلة الرواد.
"ظاهرة المعاصي قبل رمضان لدى السودانيين مبعثها ديني نابع من فكر صوفي يغذي تعريف الإله بأنه إله رحيم وغفور ولطالما احتضن العائدين إليه، وبالتالي فإن فكرة الصوم كعبادة خصها الله لنفسه، تجعل العاصين على يقين تام بأن رمضان يجُب ما قبله"
ويضيف فتح العليم أن أصحاب هذه المحال درجوا على القيام بحملات نظافة واسعة قبل الإغلاق، تشمل تنظيف المواقد التي كانت تعمل يومذاك بالحطب، مع التخلص من كميات الرماد في المواقد محلية الصنع المعروفة بـ(الكانون).
وعليه يجوز أن تكون التسمية ربطاً بين تهيؤ أصحاب المطاعم لمرحلة إغلاق وتهيؤ الشباب لمرحلة صوم.
فلسفة الإفراط في المعاصي
يعرف الصوم بأنه الإمساك عن شهوتي البطن من الفجر حتى غروب الشمس، وهو ما يبعث تساؤلات عن كيف لمن يريد أن يصوم رمضان أن يستبقه بالإفراط في الأكل والجنس وما يغيّب العقل.
وبمنأى عن موضوع التوسع في الموائد، هناك قصص كثيرة يتعاطاها الشباب كاللفائف والجنس والمخدرات والمسكرات بأنواعها، قبل أن يتحولوا في رمضان إلى قومٍ صالحين.
تقول أستاذة علم الاجتماع، نسرين محمود لرصيف22 إن ظاهرة المعاصي قبل رمضان لدى السودانيين مبعثها ديني نابع من فكر صوفي يغذي تعريف الإله بأنه إله رحيم وغفور ولطالما احتضن العائدين إليه، وبالتالي فإن فكرة الصوم كعبادة خصها الله لنفسه، تجعل العاصين على يقين تام بأن رمضان يحجب ما قبله، ولذا يمكن تلخيص ما يجري في سلوكياتهم بأن (اليوم خمر، وغداً أمر).
ومن ثم تعطي نسرين بعداً إضافياً للظاهرة ذا ملمح اقتصادي، ومتمثلاً في أن الظروف الاقتصادية الضاغطة علمت السودانيين فكرة اللجوء إلى تخزين المدخرات لمقابلة الأيام القاسية، وترى أن نفس الفكرة تحولت إلى الشباب الذين يرون في رمضان عبادة قاسية، وعليه يستبقونه بهذه الممارسات، بدعوى التزود لأيام الصوم الطويلة عن الشهوات، بأخذ أكبر جرعات منها قبل حلول الشهر.
موسم الشقق المفروشة
يقول (سامر) لرصيف22 إنه التقى حبيبته في شقة مفروشة في يوم خم الرماد، بعدما دفع لصاحبها خمسة آلاف جنيه – حوالى 14 دولاراً- لقضاء ساعة واحدة. مضيفاً أنهما قضيا الوقت في تبادل القبل وتعاطي الشيشة والسجائر. سائلاً الله أن يكون رمضان الحالي موعداً لأوبته، ولاستجابة دعائه بأن يجمعه بحبيبته في حلاله (حد تعبيره).
ونجم عن التردي الاقتصادي الكبير، والمغالاة في المهور، إلى رفع سن الزواج في السودان لما فوق الـ35 سنة حسب تقديرات غير رسمية.
قال أمين المكي، وهو صاحب شقق مفروشة بحي جبرة الراقي بالخرطوم، إنه يرفض الكثير من عروض الايجار بمبالغ مالية ضخمة، بنظام الساعة، لشباب وفتيات، في يوم خم الرماد، ليقينه بحرمة ممارساتهم. وزاد: "لا أريد أن استقبل رمضان بالمعصية".
أما (ن. س)، فقالت إنها تقضي خم الرماد مع صديقاتها في شقة خاصة تعود لزميلتهن التي تقطن مع شقيقتها بأحد الأحياء الشعبية، وإنها تتعاطى في هذا اليوم مع رفيقاتها الحشيشة (البنقو) بشراهة، ومن ثم ينتظرن فراغ اثنتين مثليتين من خلوتهن في إحدى الغرف، ليتوجهن إلى السوق لشراء عباءات ليؤدين بها صلاة القيام (التراويح) خلال الشهر الكريم.
وتردف: "لا نريد أن نغلق باب هذا الشهر، عله يكون شفيعاً لنا يوم القيامة".
القصة الأطرف حكاها عبيد الذي اكتفى هو الآخر بذكر اسمه الأول بالقول إنه تعاطى كميات كبيرة من العرقي (مشروب محلي مسكر) قبل رمضان، لأنه عانى في العام السابق من عدم توافره جراء توقف معظم بائعاته عن العمل في رمضان.
التقى سامر حبيبته في شقة مفروشة في يوم خم الرماد، بعدما دفع لصاحبها 5 آلاف جنيه (14 دولاراً) لقضاء ساعة واحدة وقضيا الوقت في تبادل القبل وتعاطي الشيشة والسجائر. سائلاً الله أن يكون رمضان الحالي موعداً لأوبته، ولاستجابة دعائه بأن يجمعه بحبيبته في حلاله
هكذا يرى الأمن يوم خم الرماد
يؤكد مساعد في الشرطة السودانية، تحدث لرصيف22 ولكنه طالب بحجب اسمه لضرورات مهنية، أن يوم (خم الرماد) هو اليوم الثاني من حيث ارتكاب جرائم المخدرات والزنا وتعاطي الخمور، بعد يوم رأس السنة.
وأضاف أن وقف العمل بقانون النظام العام يعدّ سبباً رئيساً لزيادة هذه الممارسات، التي لا تكافحها الشرطة إلا في حالة تحولها إلى العراك والمشاجرات.
وأوقفت السلطات الانتقالية العمل بمواد قانون النظام العام، باعتبارها مهينة للنساء، وتحولت إلى أداة ابتزاز من قبل الشرطة للضحايا.
في جميع الأحوال، لا يمكن دراسة ظاهرة "خم الرماد" في السودان بمعزل عن الجوانب الروحانية، أو بعيداً عن مناحي الاقتصاد المتردي، إذْ يدفع الشباب الفاتورة مضاعفة، تارة بالانغماس في الحياة المادية، وتارة بتحول أحلامهم جراء البطالة والفقر إلى ذر من الرماد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...