شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
شهر رمضان وتناقضاته... بين الصيام والإفطار في السرّ

شهر رمضان وتناقضاته... بين الصيام والإفطار في السرّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 10 أبريل 202107:23 م

يحلّ شهر رمضان هذا العام أثناء تفشّي وباء كورونا، مما يستوجب تأدية طقوسه وفق قوانين التباعد الاجتماعي تحت وطأة انهيار اقتصادي دمّر كل مقومات الحياة في لبنان. وعلى الرغم من هذه الصعوبات والوضع القائم، هنالك بعض الناس يتوقون إلى هذا الشهر بهدف استرداد شيء من الماضي الجميل والقليل من الحياة التي ألِفوها عبر تأدية عاداتهم العائلية، علماً أن آخرين لم يعودوا مكترثين لها.

في مقابلات أجراها رصيف22 في المناسبة قصص تكشف الأسباب التي تدفع عدداً كبيراً من الأفراد إلى تأدية فريضة الصيام، فيما توقّف بعضهم عن تأديتها أو رأى إلى فعل الصوم أمراً عاطفياً واجتماعياً في أحيانٍ، وليس فعلاً دينياً نابعاً من الإسلام.

في يوم عادي من شهر رمضان توجّهت نحو المطبخ وتناولت قطعة من الحلوى ولم تشعر بالذنب، بالعكس شعرت أنها لا تريد أن تصوم. لكن بهدف تحقيق رغبتها عليها أن تكذب على أبيها، الشيخ الملتزم.

الصوم والانتماء

قبل طلاق والديها كان شهر رمضان يمثّل معنى العائلة بالنسبة لنور سنيورة (27 عاماً)، فبحسب قولها كانت تصوم كي تنتمي: “توقّفت عن ممارسة طقوس رمضان بعد رحيل والدي عن المنزل. في السابق كان جلوسنا حول الطاولة وتحضير الطعام وتنفيذ كل التفاصيل التي تمثّل هذا الشهر، تؤمّن لي مرحلة من الاستقرار. شهر رمضان كان شهر العائلة. لاحقاً حين انتقلت إلى بيروت بهدف إكمال دراستي تنبّهت إلى أنّني أصوم فقط من أجل هذا السبب وليس لأني مسلمة”. لم تتوقّف نور عن الصيام فوراً بل كانت تسهر في شارع الحمراء، تشرب الكحول ثم تصوم في اليوم التالي، فبحسب تعبيرها كانت قد اعتادت هذا الفعل خلال شهر رمضان.

خلال الأعوام السابقة توقّفت نور عن الصيام لكنّها حافظت على الطقوس الاجتماعية. تشرح: “يوم السبت الماضي ذهبت مع والدتي المتدينة لأشتري قنّينة من النبيذ الأبيض. نظرت والدتي إليّ وقالت: "بتشربي آخر كاس اليوم لأن الثلاثاء رمضان". ضحكت لأنها صارت تتقبّلني ولأنني صرت أتقبل فكرة أن الصوم لا يشبهني ولا يمثّل قناعاتي لأنّني غير متدينة، لكن في الوقت عينه، هذا الشهر يعني لي الكثير”.

 لم أكن أعرف لماذا كنت أصوم، ظننت أوّلاً أن السبب هو حتى أختبر شعور الفقراء ثمّ عذاب الجسد على الأرض، ولاحقاً لأن والدتي كانت تصوم وبالتالي أريد أن أكون مثلها

توبة بعد المعصية

“هذا الوباء لعنة من الله. الانفجار لعنة من الله. الانهيار الاقتصادي لعنة أيضاً من الله". بهذه الجملة أجاب ح. م (29 عاماً) عن سؤال: لماذا عُدت إلى الصيام؟ وأكمل: "أؤمن بالله وديني هو الاسلام رغم عدم التزامي التام بالفرائض. بعد أن أصبت بوباء كورونا، وشهدت انفجار مرفأ بيروت ورأيت كل ما حلّ علينا من كوارث، قرّرت أن ألتزم بواجباتي الدينية”.

شعر ح. م أن الحياة لا معنى لها وفانية ولديه حياة تنتظره بعد موته وعليه أن يعمل من أجل تحقيقها ومن أجل أن يكون من الصالحين، وبحسب قوله: "الله غفور رحيم" سيسامحه على معاصيه ما دام سيلتزم بواجباته أمام ربّه، ويضيف: “عائلتي مؤمنة، وأنا مؤمن منذ صغري. تحجّجت لسنوات طويلة بأسباب تافهة بهدف التهرّب من واجباتي ولصغر سنّي وظنّي أن الوقت أمامي وملكي. لكن هذا العام كان استثنائياً وشعرت أنني أتلقّى إشارات كثيرة لأعود وأهتدي، وهذا ما قررت فعله، أن أسلك الطريق المستقيم. فالموت الذي شهدته أمامي والدمار الذي يحصل يومياً كافيان لكي أعود وأؤدي واجباتي الدينية”.

أبي شيخ ولا أصوم

تحكي ولاء (19 عاماً) من قريتها الجنوبية قصّتها مع الدين ومع شهر رمضان تحديداً. فهي منذ أن بلغت سن التكليف الشرعي في مذهبها أي الثامنة من عمرها وهي ترتدي الحجاب وتصوم وتؤدّي واجباتها الدينية، لكن في العام الماضي حصل معها بحسب ما تصف حادثة غريبة.

ففي يوم عادي من شهر رمضان توجّهت نحو المطبخ وتناولت قطعة من الحلوى ولم تشعر بالذنب، بالعكس شعرت أنها لا تريد أن تصوم. لكن بهدف تحقيق رغبتها عليها أن تكذب على أبيها، الشيخ الملتزم. تقول: “أنا مؤمنة بالله وبالآخرة لكن لا أدري لماذا لا ألتزم بفريضة الصيام، ربّما لأنني أرى أننا في الواقع لا نشعر مع الفقراء بل بالعكس نلتهم كل أنواع الأطعمة والحلويات. كما أنّني لا أحب شعور الجوع والأوجاع الجسدية والنفسية التي ترافقه وكل ما فيه من تعذيب لنفسي. في حال أردت أن أصنع خيراً سأتبرع بالطعام لمن يحتاجون إليه وأتناول حاجتي فقط، لا أن أجوّع نفسي ثم آكل بشراهة”.

تؤكّد ولاء -وهو اسم مستعار- أن والدها يلتزم تعاليم الإسلام ويساعد كل محتاج، وأن ما تمرّ به هو حالة شخصية مرتبطة بقناعاتها وحدها، وقد تتغيّر العام المقبل أو تترسّخ أكثر، وبالتالي عدم صيامها هذا العام لا يعني أنها ستقاطع هذه الفريضة، فهي، بحسب قولها، تكتشف أفكارها وتنفّذها لتصل إلى نتيجة، وهي مسؤولة عن تجربتها أمام الله.

 بعد أن أصبت بوباء كورونا، وشهدت انفجار مرفأ بيروت ورأيت كل ما حلّ علينا من كوارث. قرّرت أن ألتزم بواجباتي الدينية

أصوم لأكتشف قدرة جسدي

“في السابق لم أكن أعرف لماذا كنت أصوم، ظننت أوّلاً أن السبب هو حتى أختبر شعور الفقراء ثمّ عذاب الجسد على الأرض، ولاحقاً لأن والدتي كانت تصوم وبالتالي أريد أن أكون مثلها لأننّي أحبها ولا أريدها أن تكون وحيدة”. هكذا يشرح عادل فرحات (26 عاماً) علاقته السابقة وتخبّطاته مع طقوس شهر رمضان، لكن الآن بعد قطيعته التي كانت تدوم لأيام معدودة مع هذا الواجب الديني صار لديه مفهومه الخاص الذي كوّنه ويشبهه.

يقول: “عُدت إلى الصوم بعد اكتشاف غايتي. وجدت أمراً جميلاً بهذا الفعل وهو إدراك أن جسدي ليس بحاجة لكل هذا الطعام لكي يعيش. الفكرة ليست مرتبطة بفائدة الصوم بل بنوع من الصبر واختبار قدرات جسدي. وهذا الصبر المرتبط بالتحدي الجسدي يشبعني. هي حالة نفسية مرتبطة بقدرتي على التخلي عن كل ما هو مادي وليست حالة دينية”.

لعادل فكرته الخاصّة عن الدين وبالتالي يعتبر أن هذا الواجب لم يأت من عدم، ولديه أسبابه وفوائده، ويكمل: “لن أشبّه الطقوس الدينية خلال شهر رمضان بممارسة اليوغا، لكن الشعور الذي أكتسبه مشابه لها، فهناك نوع من التأمّل والراحة اللذين أتلقّاهما. وهناك الجو العام الذي يسيطر على العائلة وعلى المدن والقرى، وربما لا فائدة محدّدة له لكنّه يجعلني سعيداً وهو أيضاً من الحوافز التي تجعلني أصوم، لكي أنتمي ولكي أتشارك التجرية مع الجميع”.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image