شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
آثار مهجورة يسكنها منسيّون... الحرب السورية تهدّد

آثار مهجورة يسكنها منسيّون... الحرب السورية تهدّد "القرية القديمة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 19 أبريل 202105:59 م

عائلات سورية لم تجد لها مأوى سوى مواقع أثرية تحت حماية الأمم المتحدة.

هذا هو محور قصة إنسانية، نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في 19 نيسان/ أبريل، روى فيها الصحافي بن هبارد كيف حولت الحرب السورية التي تدور رحاها منذ عشر سنوات عائلات سورية إلى لاجئين وسط أنقاض بعضها يعود تاريخه إلى أكثر من 1000 عام، هرباً من القصف وغارات النظام.

 تختلط مشاعر قارئ تحقيق بن هبارد بين الحزن والتعاطف مع هذه العائلات المشردة التي تبحث عن مأوى يحميها من البرد والمطر والرصاص، والخوف والقلق على القرى التراثية التي نزحوا للعيش فيها، لكونها مواقع آثارية مسجلة لدى المنظمات الأممية.

  ونشرت الصحيفة صوراً تظهر أطفالاً يرتدون ملابس قذرة وأحذية ممزقة، ويرعون الأغنام بين الجدران الحجرية الشاهقة في موقع بيزنطي مهجور منذ أكثر من 1000 عام.

نشرت الصحيفة الأمريكية صوراً تظهر أطفالاً يرتدون ملابس قذرة وأحذية ممزقة، ويرعون الأغنام بين الجدران الحجرية الشاهقة في موقع بيزنطي مهجور منذ أكثر من 1000 عام.

أصبحنا أنقاضاً

في منطقة الكفير الأثرية شمال غربي سوريا، التمس أبو رمضان وعائلته المأوى بين جدران حجرية شاهقة تعود للعصر البيزنطي، بُنيت قبل ألف عام تقريباً، وذلك بعد فرارهم من هجوم شنته الحكومة السورية على قريتهم قبل عام تقريباً.

 يقول أبو رمضان، البالغ من العمر 38 عاماً، إنه لم يهتم كثيراً بتاريخ الموقع كمركز تجاري وزراعي تاريخي، لكنه يقدر الجدران القوية والأحجار التي أعاقت الرياح، وحمت أفراد عائلته التي فقدت كل شيء، مما ساعدهم على تكوين حياة جديدة.

 وأضاف، وهو يشير إلى حظيرة دجاج وموقد يعمل بالحطب: "بنيناها من تحت الأنقاض. نحن، أيضاً، أصبحنا أنقاضاً".

لجأت عدة عائلات مثل عائلة أبو رمضان، إلى الاحتماء بجدران عشرات القرى القديمة المنتشرة عبر تلال شمال غربي البلاد، وهي منطقة لا تزال خارج سيطرة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.

كان حسن يعمل بستانياً قبل الحرب، ونزح مع أفراد أسرته مراراً للفرار من تقدم الحكومة إلى مناطق المتمردين، واستقر أخيراً بين هذه الأنقاض، لأنهم لم يكونوا مضطرين لدفع الإيجار كما فعل أولئك الذين نصبوا الخيام على أرض خاصة.

 وقال عبد العزيز حسن، البالغ من العمر 45 سنة، والذي تعيش عائلته في خيمة داخل بقايا معبد زيوس بوموس الذي يعود تاريخه إلى 1800 عام بالقرب من قرية بابوتا: "الجدران تحمينا من الرياح والبرد وكل شيء آخر".

 كان حسن يعمل بستانياً قبل الحرب، ونزح مع أفراد أسرته مراراً للفرار من تقدم الحكومة إلى مناطق المتمردين، واستقر أخيراً بين هذه الأنقاض، لأنهم لم يكونوا مضطرين لدفع الإيجار كما فعل أولئك الذين نصبوا الخيام على أرض خاصة.

وأضاف حسن: "إلى أين نذهب؟... في كل مكان تذهب إليه، عليك أن تدفع".

كانت بقايا جدران المعبد الثلاثة تعلو فوق خيمته، وتتميز التلال المحيطة بأعمدة مهدمة وأحجار عملاقة تحمل نقوشاً يونانية.

وزاد الضغط على المواقع العام الماضي عندما دفع هجوم حكومي ما يقرب من مليون شخص إلى التوجه إلى منطقة الشمال الغربي التي تقع فيها التلال والآثار.

ونزح حوالي 2.7 مليون من أصل 4.2 مليون يعيشون الآن في المنطقة من أماكن أخرى في سوريا.

تعد هذه المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون صغيرة ومزدحمة، فيما الناس محاصرون، مع وجود جدار على طول الحدود التركية إلى الشمال لمنعهم من الفرار والهجرة، في حين تتمركز القوات الحكومية المعادية لهم في الجنوب.

 يخشى علماء الآثار أن استخدام هذه المواقع كمخيمات نارحين، يمثل تهديداً هائلاً لمستقبل الآثار، إذ تضيف العائلات النازحة جدراناً جديدة وتبني الخيام وتنقل الحجارة من مكان إلى آخر.

وسارع الوافدون الجدد إلى البحث عن مأوى في المباني المدمرة وبساتين الزيتون والمخيمات، وقد استقر بعضهم في المواقع الآثرية القديمة.

وأحبت العائلات هذه المواقع، حيث ربت مواشي، لأن لديها الآن مساحة أكبر من مخيمات اللاجئين المزدحمة. واستخدم الكثيرون الأحجار القوية المقطوعة مسبقاً لبناء حظائر للحيوانات أو لتثبيت خيامهم.

وتحتوي بعض المواقع على كهوف تحت الأرض، حيث تخزن العائلات ممتلكاتها وتختبئ من الضربات الجوية عندما تسمع الطائرات المقاتلة تحلق في السماء. 

وقالت سيحان جاسم، البالغة من العمر 26 سنة، والتي نزحت عائلتها ثلاث مرات وانتهى بها الأمر في خيمة من البطانيات والأقمشة وسط أنقاض قرية دير عمان البيزنطية: "كلما هطل المطر، نبتل". وأضافت: "يلعب الأطفال على الأنقاض ونخشى سقوط الصخور عليهم".

عاشت شقيقتها، التي رمّلتها الحرب، في خيمة قريبة مع خمسة أطفال، ولا ترى أي رومانسية في هذا المكان الزاخر بالزهور وأشعة الشمس. وقالت: "نتمنى لو بقينا في بيوتنا، ولم نر هذه الأنقاض". 

آثار ومنسيون 

ظلت هذه الآثار، التي تركها أصحابها الأصليون بين القرنين الثامن والعاشر الميلاديين، في حالة جيدة بشكل ملحوظ لأكثر من 1000 عام، وقد صمدت هياكلها الحجرية مع تغير الحكام واللغات والأديان وتقلبات الطقس.

 لكن واجهاتها الآن مشوهة بالرصاص، وأعمدتها تحطمت بسبب الضربات الجوية، إذ سعى الجنود والمتمردون والجهاديون المتصارعون إلى الاحتماء خلف جدرانها المصنوعة من الحجر الجيري.

في عام 2016، ألحقت غارات جوية أضراراً بكنيسة القديس سمعان، وحطمت بقايا الأعمدة التي يُقال إن "الناسك" الذي يحمل اسمها عاش فوقها ما يقرب من 40 عاماً قبل وفاته عام 459 ميلادية.

 وحددت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2011 ستة مواقع للتراث العالمي في سوريا، بما في ذلك أطلال الشمال الغربي، التي تسمى "القرى القديمة" في شمال سوريا.

 ويخشى علماء الآثار أن استخدام هذه المواقع كمخيمات نارحين، يمثل تهديداً هائلاً لمستقبل الآثار، إذ تضيف العائلات النازحة جدراناً جديدة وتبني الخيام وتنقل الحجارة من مكان إلى آخر.

ودمرت الحرب مواقع تاريخية في أماكن أخرى من سوريا أيضاً، مثل "كراك دو شوفالييه" (قلعة الحصن)، إحدى أفضل القلاع الصليبية المحفوظة في العالم، والتي أصبحت ملأى بالأنقاض عندما استولت عليها الحكومة من المتمردين في عام 2014. 

وبعد أن سيطر مقاتلو تنظيم داعش على أطلال مدينة تدمر المهيبة التي يعود تاريخها إلى 2000 عام، نفذوا إعدامات في مسرحها الروماني واعتدوا على آثارها.

كانت المواقع التاريخية في شمال غربي سوريا، بالقرب من الحدود مع تركيا، تحظى باهتمام أقل قبل الحرب، وهي كثيرة جداً وغير متطورة كمواقع سياحية، حتى بدت المنطقة وكأنها متحف في الهواء الطلق.

يمكن للزوار البحث عن بقايا المعابد الوثنية والكنائس المسيحية، والنزول إلى مخازن تحت الأرض محفورة في سفوح التلال الصخرية، والاستمتاع بالتصاميم المعقدة في النوافذ والصلبان المنحوتة على المداخل. ووصفتها الحكومة السورية بأنها "المدن المنسية" لجذب الزوار.

 تجمدت جهود حماية المواقع عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011، وبدأت الجماعات المسلحة في استخدامها كقواعد.

 وقال أيمن نابو، مسؤول الآثار في الإدارة المحلية في محافظة إدلب، إن القصف والغارات الجوية دمرا العديد من المواقع التاريخية، بينما شجع الفقر وفوضى الحرب على عمليات التنقيب غير القانونية من قبل صائدي الكنوز.

لكنه لفت إلى أن أكبر تهديد لبقاء هذه المواقع هو سرقة الناس للحجارة أو تفكيكها لبناء منشآت جديدة، قائلاً: "إذا استمر هذا، فقد يختفي موقع أثري كامل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard