هن اللواتي يعشن في مصر من دون أن يكون لدى السلطات أي بيانات عنهن، يولدن ويعشن ويمتن وهن خارج الحسابات، لأنهن بإرادتهن أو برغم إرادتهن لم يمتلكن بطاقات هوية.
أزمة "نساء بلا هوية" في أرقام
قبل العام 2004 كانت أجهزة الدولة تعدّ قضية عدم استخراج النساء لبطاقات رقم قومي مشكلة محدودة في بعض قرى الصعيد والريف الفقيرة. إلى أن صدرت خلال العام نفسه دراسة أجرتها هيئة "كير مصر"، بتمويل من مؤسسة فورد الأميركية، في أربع محافظات جنوب مصر، الفيوم وبني سويف وسوهاج والمنيا، وكان محور الدراسة "ساقطات القيد" (نساء من دون شهادات ميلاد)، والنساء اللواتي لا يحملن بطاقات هوية. الدراسة كشفت أن "33.3% من نساء جنوب مصر لا يحملن بطاقات رقم قومي، ما يعني أن ثلث النساء هناك خارج نطاق الدولة"، مع الإشارة إلى أن هناك نسبة من هذه الحالات لم تحصل على بطاقاتها الشخصية لعدم امتلاكها شهادات ميلاد، التي هي أساسية لاستخراج أي أوراق رسمية أخرى لاحقة.
يقدر عدد النساء اللواتي لم يستخرجن بطاقات رقم قومي بـ5 ملايين بحسب الإحصاءات التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة. وتأتي محافظة المنيا في المركز الأول، إذ بلغ عددهن أكثر من 570 ألفاً، تليها محافظة سوهاج بعدد يصل إلى 494 ألفاً، فمحافظة البحيرة بعدد يزيد قليلاً عن 400 ألف، وفي المركز الرابع جاءت محافظة أسيوط بما يقارب 372 ألفاً. وتصل نسبة النساء في القرى من دون بطاقات رقم قومي إلى 80%.
كيف أضحى طبيعياً ألا تستخرج المرأة بطاقة هوية؟
"في بداية الألفية، كان عدد كبير جداً من السيدات والفتيات في غالبية المحافظات المصرية لا يملكن أوراق إثبات شخصية، سواء كانت بطاقات هوية أو شهادات ميلاد"، تقول غادة لطفى منسقة المركز المصري لحقوق المرأة. وهي عملت على مشروع "الوصول إلى الخدمات الأساسية عن طريق الأوراق الرسمية"، الذي تبناه المركز، بهدف دراسة الأسباب الكامنة وراء تلك الظاهرة، ومدى تأثيرها على حياة الإناث أنفسهن ومجتمعاتهن والدولة. من ناحية أخرى، عمل المشروع على إقناع مسؤولي الحكومة بمساعدة المنظمات العاملة على هذا الملف، بدلاً من الوقوف عائقاً في طريقها.
مقالات أخرى:
عقوبة “الزنا” في القوانين العربية: للنساء فقط
ألا يزال فض غشاء البكارة باليد يُطبق في مصر؟
وتؤكد لطفي أن الفقر والجهل ليسا وحدهما ما يدفع النساء إلى التغاضي عن استخراج بطاقات رقم قومي، وتقول: "اكتشفنا عوامل عدة وراء تلك الظاهرة، أبرزها الموروثات الثقافية. إذ إن عدداً من النساء يبررن عدم استخراج بطاقة رقم قومي بالقول: "أنا هعمل بيها إيه طالما جوزي موجود، هو اللي بيعمل كل حاجة". وتشير لطفي إلى أن "بعضهن يعتبر أن استخراج البطاقة فأل بشع، إذ يقلن: "البطاقة م بنعملهاش إلا عشان المعاش، كدا أبقى بافوّل على جوزي".
عامل اَخر ساهم في انتشار هذه الظاهرة، هو الهجرات الداخلية، أي انتقال الأسر من الصعيد والريف إلى القاهرة الكبرى بحثاً عن الرزق، والسكن في المناطق العشوائية، التي تضم أكبر عدد من تلك الفئة، وهذا ما يحول دون الرجوع إلى مكاتب السجلات المدنية لاستخراج الأوراق الرسمية.
وتضيف: "من بين هؤلاء النساء من هن ساقطات قيد لأن الأهل لم يهتموا بتسجيلهن، وهم يفعلون ذلك غالباً لتزويج الفتيات قبل السن القانونية للزواج".
من دون بطاقة هوية: الزواج يعترف به الشرع أما الدولة فلا!
إحدى نتائج هذه الظاهرة هي الزواج غير الرسمي الذي يحكم زيجات النساء غير الحاملات بطاقات هوية. وعلى الرغم من أن الزواج يتم بطريقة شرعية، إلا أنه يبقى غير رسمي، فمن دون بطاقة هوية خاصة بالزوجة لا يمكن توثيق الزواج في الدوائر الرسمية. وتسفر هذه الزيجات عن جيل ثان من الأبناء غير المسجلين، بسبب عدم وجود أوراق رسمية خاصة بالأم وبالزواج نفسه. ولدى الطلاق، تتضاعف المشكلة إذ يتم أيضاً بشكل غير رسمي فتضيع على إثره حقوق المطلّقة وحقوق أبنائها، في حال وجودهم وأولها استخراج شهادات ميلاد لهم.
بطاقتك حقوقك
"بطاقتك حقوقك" هي الحملة القومية التي انطلقت عام 2012 لإصدار مليوني بطاقة هوية مجاناً للنساء اللواتي لا يمتلكنها، خصوصاً الأشد فقراً منهن. وهذه الحملة هي الأولى التي تخرج من حيز التوعية على ضرورة استخراج البطاقات أو دراسة الأسباب، إلى التحرك الفعلي، وتشترك فيها وزارتا التنمية المحلية ووزارة الداخلية عبر مصلحة الأحوال المدنية، التي أصبحت تسهّل إجراءات استخراج البطاقات لهذه الفئة تحديداً.
أما هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وهي الجهة التي أطلقت الحملة، فهي تكثف من جهودها للتوعية على الحقوق الأساسية التي تُحرَم منها المرأة إذا لم تستخرج بطاقة هوية. ولجأت الهيئة إلى الأفلام القصيرة من أجل التوعية، إذ ساهمت في إنتاج فيلم قصير بعنوان "الإسم: أنثى"، يروي في 10 دقائق كيف يرتبط وجود المرأة ومستقبلها وأحلامها بالبطاقة الشخصية.
ترتبط بطاقة الرقم القومي بحق المواطن في الكثير من الخدمات. وكان ذلك مدخل الحملة القومية "بطاقتك حقوقك" لإقناع النساء بأهمية استخراج بطاقات رقم قومي لهن. والحقوق تبدأ من الحق في الحصول على السلع التموينية، والتأمين الصحي، وخدمة المعاش الضماني وهي خدمة شهرية تقدّم إلى الأسر الفقيرة.
كما تمثل ضرورة لكثير من النساء الفقيرات، قروضُ تمويل المشروعات الصغيرة، خصوصاً في ظل إحصاءات تشير إلى أن ثلث الأسر المصرية تعيلها النساء. علماً أن غير المدرجات في جداول الرقم القومي لا يمكنهن الاستفادة من هذه القروض.
أيضاً تكتشف تلك الفئة من النساء مع مرور الوقت، عدم استطاعتهن التقدم بأي شكوى إلى الشرطة، أو الاعتراض على أي موقف، أو الإبلاغ عن أي حادثة قد يتعرضن لها. وهن محرومات كذلك من الحق في الانتخاب الذي لا يمكن أن يتحقق في غياب بطاقة الرقم القومي.
نشر الموضوع على الموقع في 19.06.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...