"زرع الخوف بداخلي، من أول ليلة دخل فيها بيتنا، انتابني إحساس بالخوف والريبة والنفور اللاإرادي لهذا الغريب، أصبحت أتحسّس لصوت المفاتيح التي تنبئُني بقدومه، حتى أفرّ إلى غرفتي"، هكذا وصفت سلمى مشاعرها السلبية المختلطة، فور دخول زوج والدتها حياتها العائلية.
"سيظل الشخص الغريب"
تقول سلمى ابنة الـ19 ربيعاً، وهي طالبة جامعية من مدينة الدار البيضاء، لرصيف22: "انفصلت أمي عن أبي قبل عدة أعوام، بعدها تعهدت أن تكرّس حياتها قدر المستطاع لرعايتنا أنا وأختي الصغيرة وتعويض ما فقدناه بعد تجربة الطلاق. عقب ثلاث سنوات دخل رجل إلى حياة أمي فقررت الزواج وإكمال حياتها معه".
ترى سلمى أن لدخول زوج والدتها حياتها تأثيرات سلبية في المنزل وخارجه، تقول: "لا يمكنكم أن تعرفوا صعوبة أن تعيش واحدة منا في كنف زوج الأم، هذا يعني أن تعيشي مقموعة، ويبقى هو دخيلاً غريباً، عدا سخرية المجتمع لكوني أعيش تحت سلطة زوج الأم".
لاحظت سلمى تغير عاداتها داخل البيت، فكثيراً ما توجّه لها والدتها ملاحظات بخصوص نوع البيجامة التي تلبسها، ونوع الماكياج الذي تضعه، تقول: "حتى أنها دائماً تطلب مني عدم التسطح في الصالون في وجود زوجها، كل هذه الأمور باتت عيباً، وهذا ما يشعرني بوجود غريب في بيتنا وفي حياتنا، وسيبقى غريباً. ولا يمكنني العيش كما يطيب لي في بيتي".
"مضطرة أنا على أن أقضي جميع احتياجاتي خارج غرفتي قبل قدومه، سواء في المطبخ أو في الحمام، فمثلا أفضل أن أستحم أو أقضي حاجتي داخل الحمام قبل مجيئه، لم يجبرني أحد على فعل ذلك، لكن رغبة مني في تحاشي الاحتكاك به"
"مضطرة إلى أن أقضي جميع أموري خارج غرفتي قبل قدومه، في المطبخ أو في الحمام. مثلاً أفضّل أن أستحم أو أقضي حاجتي في الحمام قبل مجيئه، لم يجبرني أحد على فعل ذلك، لكن رغبة مني في تفادي الاحتكاك به".
يرى رشيد الجرموني، أستاذ علم الاجتماع، أن المجتمع المغربي لا يزال يصوّر زوج الأم شخصاً "غريباً، لا يمكن أن يتقبله أبناء وبنات الزوجة من زوجها السابق بسهولة. تلك الأفكار السيئة راسخة في الوعي العام، الذي يصور لنا زوج الأم وزوجة الأب بعبعاً وعقدة في حياة الأبناء".
ويلاحظ الجرموني في حديث لرصيف22 أن تلك العلاقات تدخل في نطاق ما يسمى "الرهاب الاجتماعي الذي يطبعه سوء المعاملة والسلطة".
ويشدد على دور النظرة الذكورية في بعض أوساط مجتمعنا إلى زوج الأم، وهذا ما يعزز "الرهاب الاجتماعي إذ لا يمكن أن يعوّض الغريب غياب الأب في أي حال من الأحوال، وهو جاء ليفتك بالرابط الذي يربط الأم بأبنائها، خاصة إذا كانوا في سن مبكرة".
"يجعلني أتذمّر من نفسي"
بتنهيدة عميقة، تنهي سلمى حديثها: "أظن أن هذه الحياة غير الطبيعية لا يمكن أن تعيشها فتاة في كنف أبيها، صحيح قد تكون هناك حدود لكنها لن تشعر بالإحراج فتلبس ما يحلو لها، وتنام في غرفتها أو في الصالون حين تريد، وتستقبل صديقاتها من دون أن تشعر بأنها محرجة".
منال (25 سنة)، هي أيضاً تعيش مع أمِّها وزوجها، تقول لرصيف22 إن والدتها تزوجت من زوجِها الحالي بعد نحو سنة من طلاقها من أبيها، وعندما سُئلت عن رأيها، أظهرت احتراماً لرغبة والدتها، وإقراراً بحقها، ولكنها أخفت قراراً آخر لم تبح به، تقول لرصيف22: "كنت في قرارة نفسي أرفض دخول رجل غريب إلى حياتنا، كنت أشعر بغيرة شديدة على أمي، ولا أتخيل أن تكون لرجل آخر، رجل دخل فجأة إلى حياتنا، رجل يشاركنا في كل شيء".
"بعد مرور سنة من زواج أمي"، تضيف منال "بدأت ألاحظ بعض العادات غير المستحبة لدى زوج أمي تضعني في موقف حرج، بالإضافة إلى استخدامه ألفاظاً نابية وحركات يفْعَلها من قبيل تحسس أعضائه التناسلية، وإبراز عورتِه أمامي. لا أحبه، لكني مضطرة إلى العيش معه من أجل أمي".
"هددني بالطرد"
في الوقت الذي تحكي فيه منال وسلمى عن مرارة العيش في كنف زوج الأم تتكلم رقية ذات الـ19 ربيعاً، وهي طالبة جامعية، لرصيف22 عن الحياة السعيدة المستقرة في بيت زوج أمها. تقول: "معاملته لي طيبة، لم يشعرني بأنه غريب، ولم يشعرني بالغربة في بيته. حقق لنا مستوى معيشياً محترماً وحياة مستقرة كنت سأفتقر إليها لو بقينا في بيت أبي، ودائماً أرى حبه الكبير لأمي في عينيه واحترامه لها في تعامله معها، وهذا يكفيني. صحيح أن هناك نظرة ذكورية سلبية إلى من يترعرعون في كنف زوج الأم، وانتقادات للأم بسبب زواجها الثاني، لكني لن أكثرت لما يقولون ما دمت أعيش في سلام".
على عكس منال وسلمى، تقدر رقية دخول زوج أمها لحياتهم العائلية، وتصفه بـ"المصباح"، تقول لرصيف22: "انفصلت أمي عن أبي عندما كنت في العاشرة من العمر. عقب سنتين تزوجت أمي. دخول زوجها هذا إلى حياتنا كان كالمصباح الذي أنار حياة أمي، وأعاد البسمة إلى وجهها بعدما عاشت الويلات مع أبي".
"يستخدم زوج أمي بعض الألفاظ المخلة بالحياء، ويتحكم في أشياء كثيرة، وهناك بعض الحركات يفْعَلها من قبيل إبراز "عورتِه" أمامي، لا أحبه، ولا أطيق الجلوس معه، لكن مضطرة إلى العيش معه من أجل أمي"
ويلعب العامل الاقتصادي دوراً كبيراً، خاصة في مجتمعات يعيل أُسرها الذكور منفردين، وهذا ما يغذي فيهم الشعور بملكية حياة أفراد الأسرة، والتحكم بقراراتهم، خاصة إذا كانت فتاة تنتمي لزوج آخر غير المعيل، وهذا ما تشكو منه لمياء.
تقول لمياء (20 عاماً) عن زوج أبيها لرصيف22: "أسلوبه جاف جداً، أشعر بأنه لا يطيقني، وبأنني عالة عليه. في الكثير من المرات يراقبني ونحن حول المائدة، وهذا ما يعطيني إحساساً بأنه يمنّ علي بتلك اللقمة. يضايقني وجوده في المنزل، وتعمده إحراجي. يُتعب نفسيتي. ويجعلني متوترة دائماً. لا أعرف ماذا أفعل، وكيف أتصرف معه".
وترى لمياء أن ما يفعله بها زوج والدتها أضعف شخصيتها، وزرع لديها أفكاراً تخاف من الحديث عنها حتى لا تضايق والدتها. ولا تنسى أنها كانت ذات ليلة تناقش أمها في موضوع معيّن، فتدخّل هو بطريقة غير لائقة. وحين أرادت أن تضع حداً له وصفها بـ"قليلة الأدب"، وحاول صفعها، وهددها بالطرد من البيت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...